دمشق، سوريا(CNN)-- شكلت الثورة السورية المستمرة منذ ثمانية أشهر مناخاً جيداً لعدد من الشباب للتعبير عن رفضهم لنظام يقمع التظاهرات المطالبة برحيله عبر مجموعة من الطرق، تبدأ بالاحتجاج ولا تنتهي بالسخرية ممن وصفوه ب "الأكاذيب التي يستخدمها النظام لتشويه صورة المحتجين." وأمام منع وسائل الإعلام من تغطية الاحتجاجات، لم يجد الشباب السوري أمامه سوى الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك ويوتيوب وغيرهما لمواجهة ما سموه ب"تزوير الحقائق" الذي تمارسه وسائل الإعلام الرسمية. غير أن اللافت في الفترة الأخيرة هو ظهور صفحات على موقع فيسبوك من قبيل "الثورة الصينية ضد طاغية الصين" و"شبيحا نيوز" و"مغسل ومشحم حمص الدولي للدبابات" وغيرها التي تعتمد السخرية أو "الكوميديا السوداء" في نقل الواقع وتفنيد الرواية الرسمية التي تصر على إلباس الاحتجاجات طابعا متطرفا وممولا من الخارج. ويرى مؤسسو هذه الصفحات، التي تضم آلاف المشتركين، أن طبيعة النظام السوري "الخارجة عن المألوف" وأسلوب إعلامه يستدعي وجود هذه الوسائل لتفنيد "أكاذيبه ومحاربته بنفس الوسيلة." ويقول مؤسس صفحة "الثورة الصينية ضد طاغية الصين" على موقع فيسبوك، إن "وجود الصفحات الكوميدية يساعد على تدعيم الناحية النفسية للناس في الداخل والخارج، ويساعدهم على تفريغ شحنات القهر المتراكمة، والتي قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرعة تضر بالثورة." ويضيف الشاب، الذي يسمي نفسه "تشانغ سيونغ": "لا يمكن إنكار وجود صعوبة بالغة في التوفيق بين الكوميديا والأحداث المؤلمة التي نعيشها يومياً، لهذا يكون انتقاء المواضيع (في الصفحة) على درجة عالية من الدقة." وكان قام عدد من شباب مدينة حمص (المعروفة بحس النكتة) بنشر فيديوهات ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي للرد على أخبار "مفبركة" بثتها وسائل إعلام النظام حول وجود أسلحة إسرائيلية في المدينة التي تتعرض لأسوأ حملة قمع منذ بداية الاحتجاجات التي خلفت مئات القتلى والجرحى. ويظهر أحد الفيديوهات "أسلحة" مصنوعة من الخضار يستخدمها المتظاهرون العزل "لمحاربة" النظام، فيما يسخر آخر من "خطاب الجراثيم" الأخير للرئيس السوري. ويقول سيونغ "الحماصنة عندما قاموا بالاستهزاء من النظام (عن طريق مقاطع الفيديو التي تتحدث عن أسلحة الخضار) تمكنوا من قهر الخوف أولاً وتدعيم الناحية النفسية لهم وهم تحت الحصار والملاحقات، وكما يقولون 'ابتسامتك في وجه جلادك تقتله." ويبدو أن النظام السوري أدرك مؤخرا إفلاس إعلامه وعدم قدرته على مواجهة الكم الهائل من الأخبار التي يرسلها المتظاهرون عبر هواتفهم النقالة أو يبثونها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فقرر إطلاق مشروع إعلامي يعتمد على عدد من المراسلين المتطوعين لنقل وجهة النظر الرسمية حول الأحداث. وأعلن النائب اللبناني السابق ناصر قنديل من دمشق مؤخرا عن إطلاق "شبكة توب نيوز" الإخبارية التي تباشر خدماتها من سوريا، وتتوسع لاحقا في اتجاه لبنان وعدد من الدول العربية. وقال قنديل، إن الشبكة الجديدة التي تقدم خدماتها بالصوت والصورة "قادرة على إثبات أنها مؤهلة لنقل الحقيقة ومواجهة التزوير، وستكون رداً على مشاريع التلفيق والفبركة وتثبت مدى تمسك سوريا بشفافية الحقيقة، واستعدادها للتعامل مع إعلام حر مستقل." لكن بعض المراقبين يشككون في نجاح الخطوة الجديدة بعد أن أثبتت وسائل إعلام النظام عجزها عن إقناع السوريين والعالم بوجهة النظر الرسمية. ويقول مؤسس صفحة "شبيحا نيوز" على موقع فيسبوك، "يكفي الجلوس لدقائق معدودة أمام قناة الدنيا أو الإخبارية أو تصفح موقع سيريانيوز الموالي للنظام حتى تجد العجائب والمفارقات والأكاذيب البدائية التي لا تنطلي على مغفل." ويشير إلى أن وسائل إعلام النظام تقوم ببث اعترافات يومية لأشخاص تقول إنهم ارهابيون يتلقون الدعم من دول أجنبية بهدف إقامة إمارة سلفية، "لكن المفارقة الاكبر هي أن جميع هؤلاء يظهرون في نفس الغرفة وعلى نفس الكرسي في جميع القنوات." وتستخدم الصفحة شعار "نكذب الخبر الصحيح رغم وقوعه"، في إشارة إلى وسائل الإعلام التابعة للنظام "التي تنفي وجود مظاهرات رغم وجودها في عدد كبير من المدن السورية. ويرى مؤسس الصفحة أن الأسلوب الساخر يساهم في تحطيم الصورة النمطية للحاكم المستبد الذي يجعل نفسه فوق النقد وفوق الشعب، "فلم يعد بشار الاسد ونظامه يحملون هيبة داخل سوريا وخارجها، ونحن نساهم جزئياً في السخرية السوداء من نظام مخادع يزعم الاصلاح ويقتل الشعب." ويضيف: "هذا الأسلوب يهدف إلى فضح النظام الذي يستغبي الداخل والخارج بشعارات وهمية عن المقاومة والممانعة والإصلاح المزعوم، وفضح وسائل إعلامه التي تستخف بالمواطنين ولا تحترم عقول الناس."