السعادة مطلب إنساني ملح منذ بداية الحياة، ولكن قلة من البشر يستطيعون بلوغها، وهذا يعود إلى عوامل عديدة ابتداء من المنزل مرورا بالأهل والأصدقاء وانتهاء بالعمل. وتؤكد دراسة نفسية أن البيت المحاط بالأشجار، أو المطل على منظر طبيعي بحري أو جبلي يجعل من سكانه أكثر سعادة وأقل إصابةً بالاكتئاب. فالطبيعة تلعب دوراً كبيراً في الراحة النفسية للإنسان، وتساعده كثيراً على تنقية روحه وذهنه، كما أنها تصيبه بعدوى الجمال الذي تمتلكه، لتمسي روحه جميلة وقادرة على التصدي للمصاعب الكبيرة. وأما الأشخاص الذين يسكنون في أبنية مغلقة وتطل على صخب المدن وازدحاحمها اليومي، فإنهم قلما يشعرون بالراحة النفسية والسعادة، فدخان السيارات وأصواتها تجعل من سكان المدينة، أشخاصاً عمليين ومشغولين بضجيجها وغالباً متوترين ومتصدعين. وطبعاً هذا ليس تعميماً لكنه يحدث في أغلب الحالات. وبالإضافة إلى الطبيعة، هناك عوامل أخرى تتدخل في مقدار السعادة التي يعيشها كل منا، منها الحياة الدراسية والعمليّة، فالشخص الناجح في عمله ودراسته يشعر بالرضى عن نفسه، وبالتالي يرتاح من حالة سباق الزمان التي يعيشها الفرد الراكض وراء العمل ولا يجده، أو الفرد الذي لم يكمل دراسته وهو في أمس الحاجة إلى شهادة توفر له فرصة عمل يقتات منها. وتعتبر الحياة العائلية الجيدة هي من أهم شروط السعادة، فكم من أسرةٍ تهدمت أوصالها بسبب خلافات يومية بين الأب والأم. ويمكن أن نلاحظ مدى الأسى النفسي والإرهاق الجسدي الذي قد يسببه الخلاف في حياة الزوج والزوجة. والأسوأ في هذا الأمر أن هذا الخلاف لا يظل محصوراً بين الاثنين، بل تنتقل مساوئه إلى الأولاد الذين غالباً ما تسوء حالتهم النفسية ووضعهم الدراسي، كما يؤثر سلبا على الحياة العملية والمهنية للأب والأم. والقليل من الأشخاص يستطيعون تجاوز الخلافات الزوجية والحد من امتداداتها إلى كافة نواحي الحياة، وهؤلاء طبعاً هم أصحاب الإرادة والشخصية القوية. ولكن مهما حاولوا الحد من هذه الآثار إلا أنهم لن يشعروا بالسعادة طالما أن هذه الخلافات موجودة. وضمن عوامل السعادة يجب ألا ننسى الجانب المادي، ومع أن معظم الناس يعرفون أن المال لا يشتري السعادة، إلا أنهم متأكدون أيضاً من أن قلته قد تذهب بها بعيداً. خاصة أن حياتنا اليوم تزدحم بوسائل المتعة المكلفة، ولكن هذا لا ينفي وجود من يستمتع بالحياة وهو فقير، فالغنى بالنهاية هو غنى النفس، والمال وحده لا يسوى شيئاً. وبالحديث عن القناعة، تراودنا فكرة "الإيمان" الديني وبالأخص الإيمان بالقضاء والقدر وبالنصيب كمحفز أساسي على رضا النفس والراحة النفسية. فالمؤمنون الحقيقيون دون استثناء قادرون دائماً على تحمل صعاب ومشاكل الحياة، متيقنين من أنه اختبار وبلاء لشدة ومدى تحملهم. مما يعزز الصبر ويخلق الأمل لديهم بما هو أفضل، حيث الأمل هو أهم مفاتيح السعادة. ولا نستطيع أن نحصر السعادة بمفاهيم معينة، فلكل إنسان طريقته في البحث عن السعادة ومؤهلاته لاكتسابها وهي تختلف حسب عوامل بيئية واقتصادية وحتى سياسية، فالأشخاص الذين رهنوا حياتهم بقضية سياسية معينة مثل القضية الفلسطينية هم اقل سعادة من غيرهم كونها قد لا تجد حلا. وعلى الرغم من كل هذه العوامل الخارجية الهامة تبقى طبيعة الإنسان هي المتحكم الوحيد في سعادته. وهذا أيضاً لا يمنعنا من الحديث عن بعض الأشياء والأفعال التي تساعد على الراحة النفسية والتفاؤل، وبالتالي مقاربة الوصول إلى السعادة. وتتصدر الرياضة القائمة، حيث يقول فلوريان لانجن شايدت في كتابه "معجم المتفائلين": " السعادة الكبرى التي تتولد من اللاشيء، وتثير النشوة في الإنسان قد تأتي من الحركة السريعة للهرمونات أو الاحتراق المفاجئ للخلايا الدهنية في الدماغ،". ويضيف "فالحركة تقود إلى الرشاقة الجسمية والعقلية، وهي ضرورية من أجل التفاؤل، لأن الجمود عند المفاهيم التي عفى عنها الزمن، لا يتناسب مع السلوكات الناجحة في هذا العالم". ومع الرياضة والحركة يأتي الاستحمام كوسيلة للتخلص من تعب يومي أو للاسترخاء وله أهمية توازي الرياضة. وكما ذكرنا في البداية فإن الاستجمام في الطبيعة الجميلة ينقي الذهن ويساعد على التخلص من بعض المشاكل العالقة، ولو كان هذا الاستجمام لفترات قصيرة كأيام العطل والإجازات مثلاً. ويجب ألا ننسى الأكل الصحي والطبيعي الذي يلعب دوراً هاماً في نفسية الإنسان، ويسعى عبر فوائده المتعددة إلى حمايته وتحصينه ضد أي عوامل خارجية طارئة. وفي الوقت نفسه يجب الابتعاد قدر الإمكان عن الوجبات السريعة التي تعزز الروتين اليومي وتسبب الكثير من الأمراض أولها التوتر النفسي. وأخيراً، يفترض أن نحاول الاستمتاع بأصغر تفاصيل الحياة كشرب الشاي أو مشوار صغير أو شراء فستان أو خسارة كيلو من الوزن، دون تأجيل فرحتنا إلى الأحداث الكبيرة فقط كالنجاح أو شراء بيت أو إيجاد عمل مناسب. ميدل ايست أونلاين