تتصاعد أزمة في الاروقة الالكترونية للصحف العالمية والمواقع الاخبارية حول التعليقات المسيئة من المستخدمين على القصص والمقالات المنشورة. ويستخدم عدد غير قليل من القراء عبارات تفتقر الى الذوق العام وتصف الكاتب أو غيره بشتى أنواع النعوت والشتائم الامر الذي يضع إدارة التحرير في مهمة فنية صعبة ل"فلترة" التعليقات وحذف غير اللائق منها. ويصرف الأشخاص الذين يقومون بنشر تعليقات خارج الموضوع ورسائل تحريضية، النظر عن مناقشة بنّاءة وهم يمثلون منذ فترة طويلة تحدياً لتحقيق مشاركة للقراء المحترمين في المواقع الاخبارية على الانترنت. وتتعامل المؤسسات الإعلامية في جميع أنحاء العالم مع المعلقين السيئين من خلال زيادة المراقبين أو استخدام التكنولوجيا لفلترة التعليقات. وقالت الكاتبة "فالنتينا جمينيز" ان بعض المؤسسات الإعلامية ك "نيويورك تايمز" تخصص عدداً قليلاً من المشرفين لمتابعة التعليقات السيئة، فيما تقوم مؤسسات أخرى، مثل "هفينغتون بوست" بالاعتماد على فريق من 30 مشرفاً ونظام كمبيوتر يعمل على تصفية الكلمات والعبارات لخلق بعض النظام بعد الفوضى التي تسببها أكثر من 4 ملايين تعليق كل شهر. وكان محرك التحليل الدلالي المعروف أيضا باسم "جوليا" أول اكتساب أنجرته "هفينغتون بوست". وعانت ميلاغروس أوليفا، مراقبة موقع صحيفة "الباييس" الإسبانية ما يكفي من المعلقين السيئين. وللمرة الثانية، تكتبت مقالاً افتتاحياً تناشد فيه القراء التصرف بلطف. وأشارت أوليفا إلى مدى صعوبة متابعة الموقع وحذف التعليقات المسيئة التي تهاجم الفيديو الذي أعده الصحفي "ايناكي غابيلوندو". واقترحت تخصيص المزيد من الموارد لمحاربة المعلقين المسيئين ودعت إلى "معايير واضحة" للتعليق. وكتبت أوليفا "أنا مع الرأي القائل بأنه على الصحيفة أن تفتح باب المشاركة... لكن النقد شيء والسب والتشهير هو شيء آخر". وأشارت إلى أن غابيلوندو قد فكر في الإستقالة بسبب الشتائم. واضافت "لقد حاولت الباييس تصفية التعليقات باستخدام Eskup، الأمر الذي يتطلب تسجيلاً مسبقاً، وحظر المعلقين الذين لا يحترمون هذه القواعد". لكن السيطرة لا تزال ضعيفة. على التعليقات المسيئة. وفي مقال بعنوان "غزو المعلقين" تقول سانثيا سانشيز في صحيفة "يونفيرسال" المكسيكية أن إبعادهم أمر صعب لأنهم "يغيرون العبارات، يفصلون بين الكلمات، يضيفون أرقاماً ليقولوا ما يريدون، ويتحايلون على الرقابة". وقال غاميرسندو لافوينتي، مدير تطوير القسم الإلكتروني في صحيفة "الباييس" الاسبانية "لقد اتخذنا إجراءات، لكن الأمر يتطلب بعض الوقت لإقناع القراء،. ولا يزال العديد من القراء يشتكون من نبرة بعض التعليقات". وعبر عن خشيته من أن سرعة وحجم التعليقات المسيئة تفوق طاقة هيئة التحرير بكثير في الوضع الحالي. وتعاني هيئة تحرير "ميدل ايست اونلاين" أسوة بغيرها من المواقع والصحف من تعليقات المستخدمين التي لا تتعامل بمهنية مع القصص المنشورة أو كاتبها، الامر الذي دفعها الى خيار الاعتذار عن نشر التعليق برسالة واضحة تظهر جملة "نعتذر، التعليق مخالف لسياسة النشر في الموقع" على أمل ان يستخدم القارئ لغة مقبولة في التعليقات. وسبق وان انضمت صحيفة "الغارديان" البريطانية الى صحيفة "واشنطن بوست" الاميركية في إذابة آخر الحواجز بين الصحافي- المحرر والصحافي-المستخدم عبر السماح للقراء التواصل مع المراسلين وتزويدهم بالمعلومات لانهاء فكرة تلقين القارئ بموضوع من وجهة نظر الصحافي أو إدارة الصحيفة نفسها. وقررت الصحيفة البريطانية أن تنشر على موقعها الإلكتروني لائحة أخبار تتضمن المقالات التي يعمل عليها الصحافيون بهدف السماح لقرائها بمساعدتهم من خلال التواصل معهم على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". وتبدو هذه الخدمة محاولة لتشجيع القراء للقيام بمهمة أكثر جدوى من بث العبارات غير اللائقة تعليقاً على الموضوع المنشور. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد انهت الصورة التقليدية للصحافي في مكتبه وامام كمبيوتره المحمول، وسمحت للمستخدمين والقراء إعادة كتابة تقاريرها المنشورة على موقعها الالكتروني وتصحيح المعلومات الواردة فيها، مذيبة في ذلك فارقاً آخر بين الصحافي والقارئ. وأطلقت هذه الخدمة عبر طلب يرسل من القارئ لتصحيح الموضوع المنشور وتصويب الأخطاء اللغوية أو الطباعية أو في سرد الأحداث أو ذكر الاسماء وطبيعة وظائفها ومواقعها وانجازاتها، الى جانب إقتراح طرق لتحسين التغطية حول موضوع معيّن. وسيقوم المحررون في "واشنطن بوست" بالنظر في هذه الإقتراحات والتصحيحات خلال اليوم وإجراء التعديلات اللازمة. ونشرت لجنة تلقي شكاوى الصحف دليلا يوضح معايير التصحيحات عبر الإنترنت لتتبعه الصحف والمجلات ويلزم المحررين نشر التصحيحات بحسب أهميتها. ويطالب الدليل الجديد من المحررين أن يتّبعوا خطوات نحو ربط التصحيحات بالموضوع الأصلي والتأكد من أن الإعتذار عن الأخطاء التي وردت في النص من الممكن إيجادها من خلال خانة البحث. وتأتي مبادرة صحيفة "الغارديان" لتكون أكثر سبقاً من "واشنطن بوست" عندما يشارك القارئ في كتابة الموضوع قبل نشره، وليكون بوسع المتابع/ المواطن المراسل/ القارئ أن يعود إلى الصحيفة ليكون جزءا من الصياغة الصحافية للخبر بدلا من أن يكون مجرد معلق عليه في زاوية "ردود القراء" التقليدية في الصحافة الورقية او في خانة "ردود" في الصحافة الالكترونية. وقال جيمس راندرسون مدير قسم العلوم في "كانت ردة الفعل الأولى أن هذه الفكرة غير منطقية وأن الصحف المنافسة ستتمكن من النفاذ إلى كل ما نفعله. ولكننا لم نواجه أية مشاكل تتعلق بسرقة المواضيع (...) ونحن لا نضع المواضيع المحظورة على هذه اللائحة". وتظهر خلفه على شاشة الكمبيوتر لائحة المواضيع التي باتت مفتوحة أمام الجميع والتي أضافتها الصحيفة إلى القائمة اليومية الخاصة بصفحات المحليات والدوليات والرياضة والاقتصاد والعلوم. ويضم موقع الصحيفة الإلكتروني رابطا يسمح للمستخدمين بزيارة حسابات الصحافيين الشخصية على "تويتر" لتقديم الملاحظات أو الاقتراحات إليهم. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن راندرسون قوله إن "غالبية ردود الفعل كانت إيجابية جدا والكثير من الناس يحبون أن يتعرفوا إلى طريقة عمل الصحف". واضاف "كان لدينا موضوع صحي مهم ولكننا لم نسلط الضوء عليه كثيرا. وبفضل (تويتر)، أدركنا أن الناس قلقون بالفعل على مستقبل النظام الصحي البريطاني فنشرنا في اليوم التالي تحقيقا أكثر شمولية". وشدد بقوله "علينا الحفاظ على مسافة معينة لأن (تويتر) ليس بالضرورة تمثيليا ولكن من المفيد أن نجمع الآراء". ومنذ فضيحة صحيفة "نيوز أوف ذي وورلد" المتهمة بالتنصت على شخصيات مهمة، أبدى القراء رغبة في التعرف إلى طريقة عمل الصحف، على ما يقول دان روبرتس مدير صفحة المحليات. ويوضح "لم يعد الناس يقبلون أن نقول لهم (نحن نعمل في سرية تامة وليس من شأنكم أن تعرفوا ما إذا اعتمدنا التنصت الهاتفي أو الكذب للحصول على المعلومات أو ما إذا لفقناها). يريدون صحافة مهنية والقدرة على التعبير عن آرائهم في الوقت نفسه". ولم يعد لفكرة لجنة الحياد او لجنة ما ينشر او يعرض او يقال او لجنة القيم المجتمعية مكاناً لها اليوم لأن أي فرد بامكانه ان يقول، من خلال منبره الالكتروني المتواضع سواء الشخصي او عبر مواقع التواصل الاجتماعي "من انتم لتحكموا وتقرروا ما هو مقبول وما هو غير مقبول". ولم تستقطب مبادرة "الغارديان" إلا عددا قليلا من القراء من أصل 2.9 مليون قارئ يزورون موقعها الإلكتروني كل يوم. ويتلقى الصحافيون مئة رسالة فقط في اليوم، الا أن ما هو جدير بالقراءة منها قليل جدا. وتمول منظمة "سكوت تروست" الخيرية صحيفة "الغارديان" وشقيقتها "الاوبزرفر" وتميلان إلى الخط الديمقراطي الليبرالي. وسبق وان تفاعلت صحيفة "الغارديان" مع الاحداث المتصاعدة في العالم العربي، عبر خدمة مدونة خبرية متجددة على مدار اليوم باللغة العربية على موقعها الالكتروني على الانترنت. وأطلقت "الغارديان" الخدمة الخبرية باللغة العربية في الرابع من شباط/ فبراير متفاعلة مع احداث الثورة المصرية والاحتجاجات المتصاعدة في العالم العربي في محاولة منها لاستقطاب المستخدمين العرب بلغتهم. وكشف خدمة "الغارديان" الجديدة عن احساس متصاعد في اوساط صناعة الرأي، بأن الغرب ما عاد بامكانه ان يحادث العالم العربي اولا بفوقية وثانيا بغير لغته. وتتابع المدونة الخبرية الاحداث المتعلقة بالشأن العربي وتداعياته الدولية عبر مقاطع خبرية للاحداث تنشر مرفقة بتوقيت تحميلها في صفحة واحدة على مدار اليوم، فيما تفتح صفحة جديدة لليوم التالي. ومع ان الخدمة بدأت متقطعة في ايامها، الا انها استمرت بمنوال أكثر حيوية بعد تصاعد الاحداث في ليبيا. ومن ثم توقفت وعادت لتنشر بعض المقالات والتقارير الرياضية. واعتمدت في بعض مصادرها على مدونين وقراء نقلوا اليها انطباعاتهم عن الاحداث، وشكاوى وتساؤلات، فيما نشرت بعض المقالات والآراء. ويرى المتابعون ان هذه الخدمة على بدائيتها، تقرّب صحيفة "الغارديان" العريقة والتي يعود عمرها الى مئتي عام، من المستخدمين العرب وبلغتهم الاصلية.