يثير وصول التيارات الإسلاميه إلى السلطة في دول عربية عديدة في تونس وليبيا ومصر وغيرها، هاجسا ممزوجا بالشكوك والريبة بل بالخوف، في ظل المشهد الذي أصبح يطغى على الشارع العام، مثل بروز أصحاب الذقون الطويلة والمنقابات والخطب في الشوارع ووسائل المواصلات ومؤسسات العمل الرسمية والخاصة، بل وحتى في النوادي وأماكن الترفيه العامة، بالإضافة إلى النشاط المكثف لقيادات هذه التيارات داخل العمل السياسي داخليا وخارجيا. وفي هذا الشأن يرى الروائي السوداني أمير تاج السر أن صعود الإسلاميين للسلطة له ما يبرره بقوله "هذه الجماعات تنادي بتطبيق مبادئ الدين الحق في مجتمعات معظمها مسلمة ومتدينة وبالتالي، وهذه المجتمعات تتوق إلى العدالة التي افتقدتها لسنوات طويلة، ويرون ان مثل هذه الجماعات الاسلامية هي وحدها القادرة على ضمانها، وثانيا لأن هذه الجماعات لم تأخذ حظها في العمل السياسي من قبل ". ويضيف تاج السر "كانت هذه الجماعة محاربة ومنبوذة بشدة، وهذا ما أكسبها التعاطف بلا شك.. وشخصيا لا أجد مبررا من الخوف، لأن وصول الإسلاميين للحكم جاء بالديمقراطية التي نادت بها تلك الشعوب، وأسقطت بسببها ديكتاتوريات عريقة، فبما أنهم جاءوا بالديمقراطية فسيستمرون فيها أو ربما يذهبون بها". ولكن الكاتب اللبناني أحمد بزون لم يكن يتمنى أن تذهب الانتفاضات لصالح طرف سياسي ديني، ويقول "أنا علماني وأفضل أن يحكم العلمانيون. إلا أني أتفهم أن يأتي الأخوان المسلمون إلى الحكم، عندما تكون الانتخابات ديموقراطية". ويضيف لن أقف ضد الديمقراطية التي أوصلتهم، لكني لن أستسلم إلى حكمهم الذي بالطبع سوف يفشل، كونهم لن يستطيعوا الحكم من خلال الدين في عصر تقدم مدنياً على كل الشرائع الدينية، التي لم تستطع بسبب انغلاقها وجمودها اللحاق به". ويضيف بزون "إن فشل الحركات والأحزاب القومية العربية في التقدم وتحويل أنظمتها إلى دكتاتوريات، وفشل الأحزاب اليسارية مع انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي، تركا فراغاً كبيراً في المنطقة لم يكن أي طرف مهيئاً لملئه غير الإسلاميين. وفي أي حال لن يستطيع طرف القضاء على السلفيين والحركات الإسلامية المتطرفة المتزايدة عندنا إلا الإخوان المسلمين أو الإسلاميين المعتدلين". ويرى أن "الأمور تسير بشكل طبيعي، والتاريخ مستمر، فالانتقال من الدكتاتوريات إلى حكم الإسلاميين لا يعد تأخراً أبداً، فالتقدم سوف يستمر ليتخطى الإخوان الذين لن يستطيعوا إيقاف أمواج الحرية التي زرعت الربيع العربي، وحركة التاريخ لم تعد بطيئة". ولا تستبشر الكاتبة والشاعرة الإماراتية أسماء بنت صقر القاسمي خيرا بصعود تيارات الإسلام السياسي واستيلائها على الحكم في العديد من البلدان العربية، وقالت "أقرأ انعكاساته على الأمة من الآن، لأنه في النهاية من هيأ لهم الصعود درس الخطة بإتقان، من صعود لفشل لحروب طائفيه ومذهبية، وبعدها تدخل باسم حقول الأقليات أو الأديان وغيرها من أمور رتبت سلفا وتقطيع أوصال الأمة، فما حدث في العراق والسودان والقادم الجديد ليبيا فمصر فسوريا صفحات مقروءلا يحتاج لتأويلات وسترى". ويرجع الشاعر والكاتب محمد فريد أبو سعدة هذا الصعود إلى فساد الحكم خلال أربعين عاما، أي منذ تصفية المشروع القومي الناصري، والتحالف مع خصوم هذا المشروع في الغرب وفى المنطقة العربية، الأمر الذي أدى إلي بيع القطاع العام، وتبنى الاقتصاد الحرّ في مرحلته المتوحشة، وسيطرة رأس المال على الحكم "أي الرجوع عن أحد أهم أهداف ثورة يوليو!"، فتفشى الفساد وعادت الأمور إلى ما يشبه الوضع الاقتصادي قبل 1952، "أقلية تملك كل شيء وأغلبية لا تملك أي شيء على حد تعبيرهز ويضيف "لقد صار أكثر من 40 % من المصريين تحت خط الفقر، كانت مصر حبلى بالثورة، وكانت بروفتها الأولى في أحداث يناير 77، لكن لا أحد من الذين يحكمون فهم وتمادوا أكثر، وفي ظل هذا الوجع الذي لم يعد يكفيه المسكنات التي أخذت شكل التسول من جهة والرشوة من جهة أخرى "كما في الصياح في عيد العمال : المنحة يا ريس !" كان الشعور بأن النظام الذي يدّعى انه ديمقراطي، ويضع في دستور 71 المادة الثانية "التي تقول إن مصر دولة إسلامية، وأن الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع". ويقول أبو سعدة "هذا وغيره صنع مفارقة هائلة بالاضافة إلى اضطهاد هذا النظام للإخوان المسلمين! وكان رد الفعل هو تنامي شعور بقبول فكرة أن تجرب مصر هؤلاء المضطهدين عوضا عن نظام فاسد، وقد كانوا - خلال الأربعين عاما - يعملون بصبر ودأبوا على تقديم الأعمال الخيرية للفقراء والمحتاجين الذين يزدادون مع تزايد الفساد والمفسدين". ويعلل رأيه كان فوز الاسلاميين متوقع، وما سقط لم يكن سوى نظام فاسد وحكم غير رشيد، ولعل أهم ما أرسته الثورة هو تداول السلطة عبر بطاقة الانتخاب، وهذا مكسب جوهري، إذا أردنا أن نستعيد دور مصر الرائد في إقليمها. ويقول أبو سعدة أن "معركة الثقافة في المرحلة القادمة معركة حياة أو موت ولابد أن نخوضها وندافع عن مواقفنا المستنيرة، فالإبداع لا يمكن أن يتقيد أبدا بأي شيء، وسبق لنا كمثقفين أن صمدنا ضد قوانين الحسبة وتقييد الحريات والإبداع". ويقول أشرف أبو اليزيد روائي مصري " تبدو لي خريطة مصر اليوم، وهي تنوء بنتائج الانتخابات التي تم تجييشها، وتحييدها لصالح الدولة غير المدنية، وقد تحولت دلتاها إلى مثلث أسود يمثل لحية، يتسلل طرفها مثل خيط غليظ أسود كان نهرًا لسبعة آلاف سنة، فأصبح اليوم سلسلة تقيد الأمة المصرية إلى الخلف". ويضيف "نحن نعود بقوة إلى المربع صفر، حيث تبدأ أسئلة حول البديهيات وكأننا على عتبات القرن التاسع عشر.. أسئلة في الحلال والحرام. تساؤلات عن النقاب والحجاب. استفسارات عن الزي الشرعي والموسيقى والرسم. حتى أن فيهم من يقرر أي حزب ديني يليق بك أن تتزوج، وكأننا لم نعبر مائتي عام من العزلة، عزلة الاحتلال، والاستقلال المنقوص بسبب الفساد السياسي وسوءات أخرى". ويوضح أبو اليزيد "في عصر الإقطاع، كان الحكم للقبيلة المالكة، وفي عصر الاستعمار تحول الحكم لأيدي الفئة الموالية له، وفي عصر الاستقلال بعد 1952 أصبح للقبيلة اسم آخر وهو النظام العسكري، الذي أخذ يبتلع الحريات والحقوق بحجة أنه الوحيد القادر على إعادة منحها وتقدير توزيعها". ويضيف "حين استقر حكم القبيلة بأيدي رجال الأعمال تم احتكار الهواء الذي نتفسه، واليوم، بعد خروج العائلة الهالكة، نُواجَه بخطر حظر الحياة، ومنع التفكير، ووصد باب الإبداع، وهدم أسقف الحرية. حين ذهب شيخ الأزهر مصطفى عبد الرازق إلى باريس قبل نحو القرن، رأينا سماحة الإسلام، في تقبله للآخر المسيحي، بل وللهنود عابدي البقرة، وحواره معهم، واليوم يُقتل أزهريون وسواهم بأيدي مصريين، وتسحل نساء بأيدي مصريين، وتفقأ أعين الشباب بأيدي مصريين، وتشتد الدعوة إلى كراهية الآخر المخالف في الرأي والدين، حتى ولو كان مواطنا يجمعنا به نيل واحد وأرض موحدة". ويؤكد أبو يزيد أن "المستقبل لا يبدو مبشرا، لكن صناع الثورة يؤمنون بأنها لا تموت، ومن حق الشهداء علينا أن نبدأ من جديد. لهذا يولد التفاؤل من قلب اليأس. الأمل أن تحاول القوى الليبرالية التنويرية أن تعلي من مقدرات المجتمع، كالتعليم، والوعي المديني، فهذه هي التي ستروض الوحوش الكاسرة ولو بعد حين. وسأظل أغني قصيدتي: "قابلني في التحرير!" فهناك أعدنا صياغة الحياة الجديدة لأمة حرة وخالدة". ويحلل الباحث والناقد نادر عبد الخالق الحياة السياسية في البلدان العربية قائلا "كانت تشهد في السابق، ممارسة قمعية للمعارضين، وكان المشهد السياسي أحادي الجانب والفكر والآلية، وظل هذا الوضع لفترات امتدت عقودا طويلة وكانت البلدان العربية من قبل ترزح تحت نيران المستعمر البغيض أزمانا ممتدة" ويضيف "من هنا فإن ممارسة الحياة السياسية الحقيقية في البلدان العربية لم تتحقق بالقدر الذي يتناسب مع طموح الأمة العربية وتاريخها الطويل ونهضتها وماضيها العريق، وفى الجانب الأخر كان الفكر الوطني في مظاهره المختلفة وتياراته العديدة في صراع مع الواقع يبحث عن دور حقيقي يمكن أن يؤديه، وكذلك الروح الإسلامية في وجوهها المختلفة مثل (الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين والسلفيين والحركات والأحزاب) أيضا في حالة صراع دائم مع الواقع في محاولات مستمرة لبلوغ الحكم وتطهير الحياة السياسية" ويضيف "كانت مثل هذه الحركات تقابل بغير اكتراث، حتى كانت الثورات وكانت الشخصية العربية، التي تود التغيير والانتقام، من الحاكم الأوحد ومن الرأي الأوحد والنظام السلطوي الهرمي، الذي يجلس في قمته شخص واحد لا يخطأ ولا يمرض ولا يموت ولا ينازعه في الرأي أحد، فكان الإقبال الشديد على التيار الديني بكافة أشكاله حرصا على الوسطية ورغبة في الخروج من هذه الحالة الصراعية الفكرية السياسية". ويرى عبد الخالق أنه إذا نظرنا إلى التجربة المصرية كنموذج ومثال سنرى كيف ارتقى الإسلاميون الى السلطة وما دلالة ذلك على مستقبل الحياة والشخصية المصرية؟ وقال "الحقيقة أن الحياة السياسية المصرية تشهد انطلاقة كبيرة تختلف عن السابق، هذه الانطلاقة تصاحبها اتجاهات جديدة في الفكر وفى الأسلوب وفى الحرية التي فرضت نفسها بعد نجاح ثورة 25 يناير". ويضيف "والمتأمل في حقيقة الأمر يجد أن الصراع الحقيقي يكمن في الأيدلوجية النفسية للشخصية المصرية المعاصرة التي تواجه تحديا اجتماعيا وسياسيا كبيرا في هذه المرحلة، ويمكن تحديد نوع هذه الأيدلوجية وحصرها في العاطفة والعقيدة والطموح، فالعاطفة تتمثل في عملية الخوف من المغامرة السياسية غير المحسوبة، والعقيدة هي الإطار الذي لا تريد الشخصية مغادرته كحصن نفسي وأمان روحي، والطموح لا يبعد عن فكرة التطور والانتقال نحو مرحلة سياسية تعبيرية جديدة مختلفة تضمن ثبات الموقف وعدم الرجوع للخلف مرة أخرى". ويؤكد أن "هذه الأفكار وغيرها كانت وراء انحسار الصوت الانتخابي في دائرة العقيدة دون المغامرة في محاولة التجريب التي قد تفرض أنماطا مختلفة من الفكر الذي يتعارض مع روح الشخصية المصرية المعاصرة التي تخشى بدورها الخسارة السياسية أو الدخول في حسابات أخرى بعيدة عن المنطق". ويبين أن الشخصية المصرية مازالت في طورها الأول من الممارسات الديمقراطية الحقيقية، وأنها تنطلق في تعبيرها بحرص شديد ووعى نفسي عقائدي، ومن ناحية أخرى فإن التيارات السياسية الأخرى المتصارعة مثل الليبرالية والتحررية والسلفية وحتى التقليدية التي تتوهم أنها تحمل فكرا ومنطقا مختلفا، لم تكن على مستوى التمثيل القريب من تكوين الشخصية والعقلية المصرية التي تخشى المغامرة. ويقول عبد الخالق "رأينا وسمعنا في وسائل الإعلام وشبكات الإنترنت تحذيرات وتهديدات وأفكارا تمثل دعاية سلبية متناقضة تدل على عدم الوعي لدى هذه التيارات بالشخصية المصرية وتكوينها الداخلي، حيث أن الوسطية والاعتدال والتوازن سمات عامة فى النسيج المصري بكل طوائفه، حتى وإن بدا غير ذلك في بعض الأوقات، وليس أدل على ذلك سوى الموقف الأخير في هذه الانتخابات نفسها والذي ظهر في عملية الاندفاع الكبير نحو صناديق الاقتراع، وقد أخذ مظهرا حضاريا لم يكن متوقعا في مثل هذه الظروف الصعبة في ظل انحسار الأمن، لهذه الأسباب وغيرها اندفع الناخب المصري نحو العقيدة الدينية والعاطفة والطموح الذي يأمل أن يحقق فلسفة وفكر التيار الإسلامي المتمثل في الإخوان المسلمين". ويبرر قوله "ليس معنى هذا أن الشخصية المصرية تبحث عن الإسلام السياسي أو أنها تتشكل حسب الاندفاعات التأثيرية الدينية، بقدر ما هي تدرك تماما فراغ التيارات المتصارعة الأخرى، وتدرك عملية التدرج في بلوغ الديمقراطية وبلوغ المرحلة الجديدة من الحرية الشخصية والحرية الاجتماعية والسياسية". ويضيف "من يبحث في مراحل التكوين الأنثربولوجي للطبقات المصرية على مدار تاريخها المعاصر يمكنه أن يقف على هذه الملامح العامة في الشخصية المصرية، مما يعنى أن الفوز الكبير للتيار الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في مختلف المراحل يرجع إلى الخوف وعدم الثقة من التيارات المتصارعة الأخرى وفراغ منهجها وفكرها وغرابته على العقلية الاجتماعية البسيطة التي تمثل الشريحة العظمى في البلاد، ويرجع كذلك إلى أن الدين يمثل فى المجتمعات المصرية ملاذا أمناٌ وحصنا روحيا ونفسيا". أما عن التوقعات السياسية لهذه الجماعات وما سينتهجونه فى الحياة العامة، ومدى التوفيق والنجاح أو العكس، فيقول "هذا متروكا للتجربة ومسارها على مستوى التطبيق وعلى مستوى الوعي، لدى العضو البرلماني المنتخب، وثقافته الشخصية لا ثقافة الجماعة فقط، لأن الفكر الشخصي الصحيح مهما جدا في اتخاذ القرارات المفاجئة والفورية، ولا يمكن أن تنهض الأمم وفكر أشخاصها وأفرادها خاليا من الوعي بالدور الذي يمكن أن يؤديه". ويضيف "هذا ينطبق كذلك على أصحاب التيارات الغربية الذين يتبنون المنهج الليبرالي أو الاشتراكي، وأيضا أصحاب القومية والوطنية والناصرية وغيرهم، فهؤلاء جميعا في حاجة ماسة لمعرفة الطبيعة الاجتماعية للشخصية المصرية في المرحلة القادمة، وللسياسة التي تتوافق مع المجتمع المصري بكل طوائفه وأنماطه المختلفة، حتى تتم التنمية السياسية والفكرية والاقتصادية، ويصبح الدور السياسي محققا ومتواصلا بين أطراف الحياة في مصر". ميدل ايست أونلاين