واشنطن - جابرييل تشوايك – أصبحت عودة الجنود الامريكيين من العراق هي الموضوع شبه اليومي في جميع وسائل الإعلام الأمريكية، خاصة بعد ما أوفي الرئيس باراك أوباما بوعده وعاد جميع الجنود من العراق للاحتفال بعيد الميلاد وبداية العام الجديد مع أسرهم وذويهم. في المطارات نجد لافتات الاستقبال من الأقارب والأصدقاء جميعها تعبر عن مدى الفرحة بعودة الغائب ومدى افتقادهم له ونسمع هتافات الصغار لأبائهم العائدين ودموع في عيون كل من يشهد الموقف. وفرحة في عيون كل الأمريكيين تواجه الرئيس اوباما، الذي شارك بنفسه يرافقه نائب الرئيس جو بايدن في احتفال اقيم بمناسبة عودة الجنود من العراق بحضور 26 جنديا بلباسهم العسكري في قاعدة اندورز العسكرية بالقرب من واشنطن. وحيا الرئيس الذي لم يلق خطابا رسميا بهذه المناسبة، العسكريين بصورة ودية ومنحهم أوسمة التكريم التي يستحقونها عن المهمة التي انجزوها في العراق، بالرغم من تفجر المشاكل وارتفاع وتيرة أعمال العنف في البلد العربي قبل أقل من 24 ساعة على رحيل آخر جندي أمريكي. وقد تسلم الرئيس الأميركي باراك اوباما رمزيا علما أمريكيا كان يرفرف في العراق وذلك بعد أربعة أيام على انسحاب اخر جندي أمريكي من هذا البلد بعد نحو تسع سنوات من الحرب. وغادر اخر جندي أميركي العراق عبر الحدود البرية مع الكويت. ووضع هذا الانسحاب حدا للالتزام الأميركيفي حرب أوقعت اكثر من مئة ألف قتيل في صفوف المدنيين العراقيين وحوالى 4500 في صفوف الأمريكيين. وفي البيوت بينما تستعد بعض الأسر للاحتفال بالوافدين الجدد وقد تراكمت الهدايا حول شجرة عيد الميلاد، إلا أن هناك أسرا كثيرة لا تملك من المال ما يكفي حتى لتجهيز وجبة عشاء تليق بعودة الغائب حيث عليهم أن يقفوا في طابور طويل من أجل الحصول على سلة تحتوي على بعض المواد الغذائية وكوبون للحصول على ديك رومي كما حدث في عيد الشكر حيث تقدمت مئات الأسر للحصول على هذه الكوبونات في فورت بلفوار وفورت ميييد بالقرب من واشنطن وقد طرق أبناء هذه الأسر العديد من الابواب من قبل من أجل الحصول على وظيفة. إن أمريكا تحب جنودها وتعتز بهم ودائما ما تطلق عليهم الأبطال، فالزي العسكري له احترامه وتقديره من الجميع سواء من الديموقراطيين أو الجمهوريين ومع ذلك فإن كل هذا التقدير لا يصل إلى أسرهم وعائلاتهم فهم لا ينامون على أسرة محاطة بالزهور ولا حتى الجنود الذين يخاطرون بحياتهم في العراق وأفغانستان يتمتعون بهذا القدر من الرفاهية. وينتظر الجنود العائدون إلى وطنهم بعد طول غياب تحدي كبير يتمثل في الاصطدام باقتصاد مثقل بالأزمات والهموم حيث كشفت مؤخرا تقارير إخبارية أن معدل البطالة بين الجنود يصل إلى 8.6 % وهي نسبة مرتفعة جدا وتزيد هذه النسبة بين الجنود العاملين في الجيش بعد هجمات11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 حيث تصل النسبة بينهم إلى 12 % أما الجنود الذين تتراوح أعمارهم من20 إلى 24 سنة فنسبة البطالة بينهم تتراوح بين 1% إلى 3%. ومن الأسباب الأساسية لارتفاع نسبة البطالة أن أصحاب المؤسسات وأرباب الأعمال لا يعتدون بخبرات الجندي وهو بالنسبة لهم مجرد شخص عديم الخبرة، كما يرى بعضهم أن خبراته العسكرية لا تلائم احتياجات العمل بالنسبة للمستثمرين. وقد انتقد توم تارتينو عضو مؤسسة اللافا (LAVA) إحدى منظمات المحاربين القدامى في العراق وأفغانستان قانون العمل الذي يتمسك به المستثمرون، قائلا إن الجندي يحصل على أجر أقل بكثير من غيره على نفس الدرجة في الوظيفة كما صرح براندون شونوفر وهو جندي سابق في البحرية لجريدة (USA Today) "الولاياتالمتحدة اليوم" أنه قد درس الاقتصاد بعد إنهائه الخدمة العسكرية ومع ذلك فهو إلى الآن لا يستطيع أن يجد عملا بدوام كامل حيث أن كل خبراته تتركز في أربع سنوات في منصب قائد وحدة في منطقة قتال في العراق يقول براندون "ماذا يمكن أن تفيد خبراتي في عالم الواقع؟". أما أرباب العمل فيترددون دائما في قبول المحاربين القدامى خوفا من استدعائهم مرة أخرى للتجنيد أو خوفا من إصابتهم بمشاكل نفسية نتيجة للأهوال التي تعرضوا لها بسبب المعارك وكثرة القتل والدم الذي شاهدوه بأعينهم، ومن بينها الصدمة أو الاكتئاب. وقد أكدت جمعية لافا (LAVA) أن الدراسات توضح أن حوالي من 20% إلى 35 % من الجنود الذين شاركوا في العراق وأفغانستان يعانون من "جراح نفسية غير مرئية" وغالبا ما تظهر على شكل زيادة في استهلاك الكحوليات وارتفاع معدلات الانتحار. يقول تارتينو إن 59 % من الأعضاء المشاركين في لافا يعرف كل منهم واحد على الأقل قد انتحر بالإضافة إلى أن أغلب المحاربين القدامى بلا مأوى وكذلك حوالي 30 % من الأعمار فوق المتوسطة. وقد يستمر بعض الجنود العائدين إلى أرض الوطن في العمل في الجيش وعلى الرغم من أن أرباح العسكرية أكثر من أي وقت مضى إلا أن الأسر تجد صعوبة كبيرة في تغطية نفقات الحياة وقد ذكرت جريدة "واشنطن بوست" أن 26 % من زوجات الجنود يعانون من البطالة والسبب في ذلك هو اضطرارهم إلى ترك أعمالهن والتفرغ لرعاية الأطفال خاصة مع سفر الأزواج إلى الحرب. وبينما تتفاقم المشكلات يحاول الكونجرس في خضم هذه الأزمة الحفاظ على الجنود والمحاربين القدامى وبإجماع نادر الحدوث اتفق كل من الديموقراطيين والجمهوريين على سن قانون جديد يعمل على تخفيف الضرائب عن الشركات مقابل توفير فرص عمل لهؤلاء الجنود. ومع ذلك فإن أبعاد المشكلة تتفاقم بوتيرة متسارعة خاصة مع عودة الجنود من أفغانستان، في الوقت الذي قدر البيت الأبيض ضرورة تشغيل مليون جندي في وظائف مدنية على مدار السنوات الخمس المقبلة.