تونس: تميّزت الفترة الأخيرة في تونس بتتالي الاعتداءات المادية على إعلاميين وسياسيين يعرفون بمواقفهم المعارضة للحكومة التي تمثل حركة النهضة الأغلبية فيها ودعوتهم المستمرة إلى إقامة دولة علمانية يفصل فيها بين الدين والسياسة ما يثير في اغلب الأحيان حملات تشويهية ضدهم واتهامهم بالإلحاد و كنّ الكره للإسلام. وقال عصام الشابي القيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي ل(ايلاف ): "نشعر بقلق شديد إزاء تدهور أوضاع الحريات في تونس، فحرية التعبير والإعلام أصبحت مهددة والصحافيون أصبحوا مهددين في سلامتهم الجسدية والحقوقيون والسياسيون كذلك معنيون بالتهديدات". من جانبه أكد سعيد العايدي وزير التشغيل والتكوين السابق والناشط السياسي في إفادات ل(ايلاف): "الأحداث التي جدت خلال الفترة الأخيرة تنبئ بخطر محدق بالحريات الفردية والعامة من أحداث كلية منوبة الى محاكمة قناة نسمة وما صاحبها من اعتداءات على الإعلاميين ونحن نطالب بإيقاف الانتهاكات، فمواجهة البطالة والفقر أولى الأولويات حاليا وليس تهديد الصحافيين والحقوقيين والاعتداء عليهم ومحاولة السيطرة على الجامعة". يرى الصحافي ورئيس جمعية الوعي السياسي سفيان الشورابي خلال حديثه ل(ايلاف)"أن ما يتعرض له الإعلاميون والسياسيون من اعتداءات جسدية يذكر بفترة حكم النظام السابق نفسها، ويؤكد أن مشوار الدفاع عن الحريات لا يزال طويلا". ويتابع الشورابي: "هناك أيضا خطر آخر يهدد الحريات يتمثل في تواصل العمل بقوانين وتشريعات كان يستعملها النظام السابق في قمع معارضيه وتقييد الحريات ولم يتم الى اللحظة التخلي عنها وإلغاؤها مثل القوانين المتعلقة بالأخلاق الحميدة وتعكير الصفو العام وغيرها من القوانين الفضفاضة ". وتظاهر آلاف التونسيين أواخر الأسبوع الماضي وسط تونس العاصمة للتنديد بتدهور الحريات في البلاد، والدفاع عن حرية الإعلام والتعبير، والحريات العامة، وحقوق الإنسان فيما نزل ما يقارب 2000 شخص للشارع في محافظة صفاقس (270 كم عن العاصمة) للتعبير عن رفضهم للانتهاكات المتكررة. الى ذلك تهاطلت بيانات الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية المنددة بالتراجع الصارخ للحريات والانتهاكات المتكررة لها في تونس منذ اعتداء ملتحين متشددين على إعلاميين وحقوقيين أثناء محاكمة قناة نسمة على خلفية بثها لفيلم يجسد الذات الالهية. ودعت حركة الإصلاح والديمقراطية إلى"التحرك العاجل لوقف نزيف العنف الذي أصبح يهدد الحريات الفردية والعامة والمجتمع التونسي بأسره". وعبرت حركة التجديد عن استيائها مما وصفته ب"التصرفات الهمجية التي تسيء للبلاد ودعت الحكومة إلى ضمان حرية الإعلام وحماية الصحافيين وكل المواطنين من كل أشكال الاعتداء على حرمتهم الجسدية والمعنوية . ومن جانبها نددت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالاعتداءات اللفظية والمادية والتهديد بالقتل التي طالت عددا من الإعلاميين والحقوقيين وحملت السلطة المسؤولية الكاملة . وقال الرئيس التونسي في بيان "إن اللجوء إلى العنف "مناقض لقيم الثورة" و "أن المجال الوحيد للاختلاف في الرأي هو التعبير الحر". وأكد المرزوقي تضامنه الكلي ومساندته لكل مكونات الأسرة الإعلامية والقضائية، متوجها بنداء إلى كل التونسيين لتغليب منطق الوسطية والتسامح والتآلف والابتعاد عن العنف والتطرف بما ينأى بالثورة التونسية عن كل ما من شأنه أن يمس وحدة الوطن. وأكد شكري بلعيد الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين أنه سيقاضي وزير الداخلية الإسلامي علي لعريض بسبب الإهمال وعدم اتخاذ أي إجراء ردعيّ ضد المعتدين على خلفية الهجمات والاعتداءات التي ارتكبت في حق بعض الصحافيين والمحامين أثناء محاكمة قناة نسمة، وأضاف أنه وقع تهديده بالتصفية الجسدية وسط صمت متواطئ لأعوان الأمن، على حد تعبيره. الى ذلك تعرض في وقت سابق إعلامي في قناة نسمة الى اعتداء بالعنف أثناء تظاهرة أمام وزارة الداخلية اتهم أنصار حركة النهضة بالضلوع فيها باعتبار أن الإعلامي يعرف بمواقفه المناهضة للحركة فيما نفى الحزب الإسلامي أن تكون له أي صلة بالاعتداء . وقالت الحركة في بيان " تعلن حركة النهضة تمسّكها بضرورة احترام حرية الإعلام والتعبير والتظاهر السلمي، فإنها تنفي أي صلة لمنتسبيها بما حدث من اعتداء على الصحافي سفيان بن حميدة ، وتدعو إلى أن يتحمل المعتدي مسؤوليته كاملة ". وفي سياق متصل اتهم المنتمون إلى حركة النهضة الإسلامية في وقت سابق بتعنيف المنسق العام لحركة الشعب وأحد النواب في المجلس التأسيسي. وقالت أحزاب سياسية في بيان اطلعت عليه (ايلاف) " عمد أعضاء من حركة النهضة إلى تعنيف المناضل محمد ابراهمي المنسق العام لحركة الشعب وأحد نواب الشعب في المجلس التأسيسي على خلفية مواقفه داخل المجلس وتعرض للضرب والإهانة اللفظية". وأضاف البيان ذاته " كما تم الاعتداء على عديد المواطنين غير المتفقين مع مواقف النهضة وصاحبت هذه الأحداث مظاهر غريبة ومناقضة لاحترام القانون ومؤسسات الدولة تذكرنا بالأساليب القمعية للنظام السابق ". الحكومة تندد ! انتقدت أحزاب سياسية ونشطاء في المجتمع المدني ما وصفوه ب"تراخي" الحكومة في اتخاذ الإجراءات الضرورية لوقف استشراء ظاهرة العنف والتصدي لكل الأطراف التي تقف وراء انتهاك الحريات الفردية والتضييق على حرية التعبير واعتبروا أن مسؤوليتها تتجاوز الشجب والتنديد. في هذا السياق قال القيادي البارز في الحزب الديمقراطي التقدمي عصام الشابي ل(إيلاف): "الحكومة تتراخى في الردع والوقوف في وجه التجاوزات وانتهاكات الحريات التي لا تحصى في الفترة الأخيرة ونحن نطالبها بالتخلي عن الإدانة وإصدار البيانات وباتخاذ مواقف صارمة وحزمة من الإجراءات التي تدعم مجال الحريات وتضمن الكرامة الفردية للتونسيين، وكما رأى الكل المجتمع المدني مستعد للنزول للشارع للدفاع عن حريته لذا فلا مجال للتراجع عنها والعودة إلى ما قبل 14 يناير". من جانبه أكد رئيس جمعية الوعي السياسي سفيان الشورابي ل(ايلاف): "الحكومة لم توفق منذ تشكيلها في حماية الحريات وهي غير جدية في التصدي للتجاوزات المتعددة من اعتداءات جسدية ومعنوية على الصحافيين والسياسيين ولم تبادر الى اللحظة لوضع حد لانفلات الجهات الدينية المتطرفة خاصة والتي تخرق القانون باستمرار ولكنها لم تجد سلطة صارمة في التعاطي معها". سعيد العايدي وزير التشغيل والتكوين السابق أشار خلال لقاء مع (إيلاف) قائلا" لا نريد الدخول في النوايا ولكن على الأقل يمكن الجزم بأن الحكومة تصمت يومين أو ثلاثة قبل أن تدين ما يحصل من تجاوزات وانتهاكات الحريات بلغت حدود الاعتداء ماديا على إعلاميين وسياسيين لذا يجب على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها ويجب أن يكون خطابها ومواقفها واضحين". وتجدر الإشارة الى أن رئيس الحكومة التونسية ندد خلال إحدى جلسات المجلس التأسيسي بالاعتداء الذي تعرّض له صحافيون وحقوقيون أمام قصر العدالة في العاصمة التونسية ووعد بفتح تحقيق. وفي سياق متصل، أثارت في وقت سابق مداخلة في المجلس التأسيسي للصادق شورو القيادي البارز في حركة النهضة دعا فيها الى تطبيق الشريعة الإسلامية لإنهاء الاعتصامات التي تعيشها تونس منذ أشهر، جدلا وانتقادات لحركة النهضة الإسلامية. واتهم شورو بتأجيج الفتنة بين التونسيين في وقت تشهد فيه البلاد موجة عنف وانقساما على أسس عقائدية ودينية. وقال الصادق شورو إن من يقطع الطرقات والسكك الحديدية ويشل عمل المصانع والمناجم ويشعل النار في المرافق العمومية في تونس هم "جيوب الردة التي تبعث في الأرض فسادا" ودعا الى إقامة الحد عليهم. وأصدرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بيانا اتهمت فيه الصادق شورو بالتحريض على العنف والقتل. واستنكرت حركة النهضة الإسلامية نفسها تصريحات الصادق شورو وقالت إن تطبيق الشريعة ليس على أجندة الحركة، ويصف ملاحظون الصادق شورو بأنه يمثل الفكر السلفي داخل حركة النهضة.