على طريقة المعارك القديمة، التقت لجنة الأطباء مع وزير الصحة وأركان حربه بصالون الراحل سيد أحمد خليفة، طيلة خمس ساعات احتدم صليل (المواقف)، كل فئة ترى الحق إلى جانبها وتستميت في مظاهرته، ولذا كان طبيعياً بأن تحمل الفئة الأولى على الثانية بكلما أوتيت من قوة ورباط خيل، فكثر الطعن والاتهامات والمقاطعات والمخاشنات اللفظية، وعندما تحين اللحظة المناسبة تنتقل الفئة الثانية إلى خانة الكر، فيما تتوارى الأولى بدروعها وتروسها تأهباً لاستعادة أراضيها، حتى إذا ما زاد الطعن وأثخنت الجراح وأنهكت القوى وتنامي لعلم الطرفين (عبثية) معركة الحوار الدائرة بأن تفضي لانتصار طرف على الآخر أو تقود لمنطقة وسطى بينهما، قنعا بالانسحاب ولملمة الأطراف دون تغيير يذكر في المواقف، طاوين يومهم وراية المعركة المزيّنة بشعار مستلف من محمد الحسن سالم حمّيد، ويقول: (الليلة يا موت يا حياة.. خاتي البيختار الوسط). وللحقيقة، نقول بأن المعركة دار رحاها - كلية - بين اللجنة وممثليها المحشوين حماسة لقضيتهم وأركان حرب الوزارة الممتعضين مما يثار، فيما كان الوزير بحر أبو قردة الأكثر هدوءاً، ولعب ببراعة دور (الجودية) ولكن للأسف أبحرت (جودي) كل طرف بموازاة الآخر طيلة الصالون ما حال دون التقائهما وإن كانت الأرض كروية. أبو قردة أقر بوجود مشكلات حقيقية في قطاع الصحة، منها ما هو متعلق بظروف البلاد الاقتصادية عقب انفصال الجنوب وهي الصدمة التي قال انهم بحاجة لسنتين لامتصاصها.. وبعدها توكل على الحي الذي لا يموت، انتقد صرف الدولة على الصحة حتى بات التكليف بحقيبتها الوزارية يمثل نوعاً من السخط (لم يقل الترضية) ومن ثم لخّص مهامهم بعد أيلولة مستشفيات العاصمة الكبيرة (الخرطوم وبحري وأم درمان) لولاية الخرطوم في وضع الإستراتيجيات والخطط والإشراف والتدريب والتنسيق بين المستويات الصحية، وقال مسدداً فاتورة الأيلولة: الوزارة لن تتدخل إلا للضرورات. وكنوع من الترتيب نشرع أولاً في طرح المشكلات التي قال بها ممثلو لجنتي الاختصاصيين والأطباء بروفيسور محمد عبد الرازق ود. سيف الدين وراق ود. حياة الحاج ود. نهلة عثمان ود.عبد الخالق عبد الفتاح ود. بندر صلاح، اللجنة - وسنقول اللجنة لجهة تماهي المواقف - اتهمت الحزب الحاكم بالسيطرة على مفاصل العملية الإدارية بأروقة الصحة، ودَلّلت على ذلك بما تسميه اقتصار البعثات التدريبية على منسوبيه ما انعكس في الأخطاء الطبية الناجمة عن غياب التأهيل، وتسنم كوادر يافعة تنتمي للمؤتمر الوطني لمناصب كانت بيد خبرات وأصحاب (صلعات) حد تعبيرهم، كما حملت بشدة على قرار الأيلولة ووصفته بأنه (جريمة في حق الشعب) لصالح تمهيده الطريق لخصخصة العلاج لمواطن مثقل بالهموم (وتارة الديون) لجهة انتفاع بعض من أصحاب العيادات والمستشفيات الخاصة مع استفادة المالية من قرار خصم (20%) من موازنة المستشفيات الكبرى دون نسيان أن تلك المستشفيات ظلت ولعقود مرجعية في التخصصات النادرة بل وملجأً لتدارك أخطاء المستشفيات التابعة للولاية، فيما ردّ رأي متزمت الأيلولة لصالح إفراغ وسط الخرطوم من بؤر يُمكن أن تُشكّل خطراً إبان التظاهرات، ولتستنكر بعده عضوية اللجنة المزاوجة حضانة المستشفيات الحكومية لاستثمارات خاصة بداخلها (قسم الأشعة بمستشفى بحري). وفي السياق ذاته، عارضت اللجنة قرار بيع مستشفى العيون وحصرت البيع في خانة (سمسرة) أرض غالية الثمن وتطل على شارع النيل، بعدها هاجمت إتحاد الأطباء وقالت بغيابه المستمر ونادت بالاستعاضة عنه بنقابة فئوية، واتهمته بالغش والتدليس فيما يخص حديثه إنشاء مستشفى خاص لعلاج الأطباء، وقالت: المستشفى لم ينشأ من عدم وهو المستشفى الوطني الكائن بحي العمارات. وأخيراً دعت اللجنة، لاحترام الطبيب داخل المؤسسات الطبية، وحذّرت من أن تقود حوادث التعدي عليه أو التشهير بأخطائه الناجمة عن غياب التدريب ضمن صفحات الجريمة بالصحف والمردود المالي الذي يتناسب عكسياً وعمله وتردي بيئة المشافي إلى هجرته للمهنة أو الوطن. وفي ذات خندق اللجنة، نادى د. فتح الرحمن فضيل، رئيس لجنة تحسين خدمة الأطباء لإنفاذ ما تم التوافق عليه بشأن رفع موازنة الأطباء في بندها الثاني ودفع بدل في ثنايا سبعة بنود أهمها: طبيعة العمل والعدوى والمخاطر ودعم السكن وملء الأورنيك الجنائي والشهادة في المحاكم. وفي الجهة المقابلة دافع د. الشيخ صديق، الأمين العام لاتحاد أطباء السودان عن الاتحاد رغم إقراره بعجزهم عن مقابلة تفريخ الجامعات ل (4) آلاف طبيب سنوياً، ولكنه أوضح بتدريبهم لعدد كبير من الأطباء، ونفى أن تكون نسبة عضوية المؤتمر الوطني ضمنهم تتعدى ال (20%)، وأكد عملهم على تمليك الأطباء عربات خاصة وإنشاء مستشفى خاص بهم دفع لتأهيله (3) ملايين جنيه ويفتتح الأسبوع المقبل، واتهم ضمناً أعضاء في اللجنة بالعمل على عودة النقابة الفئوية على حساب نقابة المنشأة التي تضم كل منسوبي القطاع الصحي. بدوره، اعترف د. عصام محمد وكيل الصحة، ابتداءً بأن قضية الصحة أكبر من الوزارة، بيد أنه قطع بوجود مؤشرات دالة على تحسن الأوضاع الصحية كتقرير وفيات الأمهات الذي تصدره منظمة الصحة العالمية (اليونسيف) وأكد لاهتمام متعاظم من الدولة بالصحة وجهود أسفر عنها توفير دعم خارجي قاد لفوز السودان بلقاح للسحايا مدة وقايته عشر سنوات. ودافع د. طلال فاضل، عضو أمانة بالوزارة، حتى إنه لم يبق شيئاً، فأوضح أن المالية الاتحادية مسؤولة عن الصرف على المستشفيات الآيلة للولاية طيلة (3) سنوات، وكشف أن بيع مستشفى العيون بناءً على طلب من إدارته - حال تم - كفيل ببناء مستشفى متخصص للعيون من خمسة طوابق ومزوّد بآخر التقنيات العلاجية، بجانب توفير سيولة لبناء (15) مستشفىً فرعياً في الولايات! من جهته، ثمّن العميد يوسف عبد الفتاح رئيس مجلس إدارة مستشفى بحري، بشراكتهم مع القطاع الخاص الوطني وجلب أجهزة حديثة للرنين المغنطيسي وإيجار (3) مبانٍ كاستراحات للأطباء، بينما ترك سؤال ممثلي اللجنة عما إذا كان الفحص بتلك الأجهزة خاصاً أو عاماً معلقاً في سماء الصالون. أما مشاكل الصيادلة فأثارها د. ياسر ميرغني، الأمين العام لجمعية حماية المستهلك، بانتقاده خروج المجلس القومي للصيدلة والسموم من (حوش الوزارة) إلى فضاء القطاع الخاص، وعاب على المجلس جلبه أدوية للسرطان من صيدليات بالقاهرة، واستهجن رفض (3) مستشفيات إعادة أجهزة مستعملة لموردها انصياعاً لقرار منع استيراد الأجهزة الطبية المستعملة. لينبري له أبو الحسن امام الأمين العام للأدوية والسموم، جمال خلف الله مدير هيئة الإمدادات الطبية بتوضيحهما التالي: المجلس جهة مستقلة بتوصية من (اليونسيف) للرقابة على القطاعين العام والخاص، وجود بلاغ مفتوح بحق المستشفيات ال (3)، وشرح لمجلس الوزراء بضرر الخطوة في قبالة الاستئناف القضائي، فيما دفع خروج شركة موردة لأدوية السرطان للجوء الإمدادات لاستيرادها من صيدليات مصرية بناءً على اتصالات بين الجانبين وبإذن من وزارة المالية. على كلٍّ، هذه بعض من مشاهد الكر والفر بالصالون، ومن وجد منكم جزيرة يمكن أن تحط بها سفن الجميع دونما فرز، في خضم ذلك البحر الهادر.. فليرمني بحجر. الراي العام