كان إنشاء محكمة الجنايات الدولية في العام 1998 حدثاً في نظام العدالة الدولية, بل يتجاوز حدود القانون لعالم السياسة الدولية وجدل السيادة الوطنية, مما يستدعي فهماً عالمياً للعدالة يتجاوز القوانين المحلية, يأتي قيام مؤتمر كمبالا الاستعراضي هذا بعد انعقاد عدة مؤتمرات لجمعية الدول المصادقة على ميثاق روما, وسوف يكون المؤتمر الاستعراضي ساحة جديدة لتداول الآراء والأفكار عوضاً عن مناقشة الأجندة المطروحة على جدول أعمال المؤتمر, مثل تعريف جريمة العدوان, وتعديل بعض مواد ميثاق روما عبر المقترحات المقدمة من الدول الأعضاء. ويرى الأستاذ مصطفى آدم أحمد (المدير التنفيذي لمنظمة الزرقاء للتنمية) أن قيام المؤتمر ومن خلال مسيرة المحكمة منذ تأسيسها, سوف يتم مراعاة المصادقة على ميثاق روما حيث أنه صادقت حوالي 111 دولة على نظام روما الأساسى, يشمل ذلك الاتحاد الأوروبي وجميع دول أمريكا الجنوبية ومعظم دول أفريقيا, وعلى الرغم من انضمام بنغلاديش أخيراً إلا أن قارة آسيا ودول منطقة الشرق الأوسط تظل في ذيل القائمة, وهناك دول على وشك المصادقة مثل نيبال_ مولدوفا_ أوكرانيا_ أندونيسيا وغيرها. ويرى آدم أنه لابد أيضاً من مراعاة المصادقة على الاتفاقية بشأن امتيازات المحكمة وحصاناتها, حيث أن الدول التي لم تصادق على الاتفاقية بشأن امتيازات المحكمة الجنائية الدولية وحصاناتها, بما في ذلك الدول الأطراف في نظام روما الأساسي, ينبغي عليها الإسراع بالتصديق على (أبيك) دون تأخير. كما يرى عدد من المراقبين أن المؤتمر الاستعراضي المزمع قيامه بكمبالا يوفر حافزاً للدول لتعزيز واستكمال تنفيذ التشريعات الخاصة, ومن المرجح أن تشمل المناقشات تطورات الدول في ما يتعلق بتنفيذ التشريعات الوطنية كجزء من عملية التقييم في المؤتمر الاستعراضي, أما بخصوص المصادقة على الاتفاقية بشأن امتيازات المحكمة وصلاحياتها, فيرى مراقبون أن البدء أو حتى الانتهاء من مواءمة التشريعات يمكن أن يحدث قبل أو بالتزامن مع المصادقة على نظام روما الأساسي. التوعية العامة والدعم ويقول آدم إن المؤتمر الاستعراضي هو أيضاً فرصة لزيادة التعريف بالمحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسى, ولهذا الهدف يمكن تحضير مواد بناء القدرات التي تظهر أن المؤتمر الاستعراضي هو بمثابة المعيار في تاريخ المحكمة وتوزيعها على الحكومات, ووسائل الإعلام والمجتمع المدني. ويضيف آدم أن المؤتمر ليس مؤامرة كما يعتقد البعض بل تطور طبيعي في مسيرة ميثاق روما وصولاً للعالمية. كما تنشط سكرتارية تحالف المحكمة الجنائية, اللجنة التوجيهية ِوأعضاء التحالف في حملة تأييدية لزيادة الدعم للمحكمة الجنائية الدولية, في ضوء المؤتمر الاستعراضي المقبل عن طريق حث الحكومات على المصادقة على كل من نظام روما الأساسي, والاتفاقية بشأن امتيازات المحكمة وصلاحياتها لتشريعات التكامل والتعاون، وزيادة وعي الجمهور وتأييده للمحكمة الجنائية الدولية في جميع أنحاء العالم. وقد اعتمد التحالف نهجاً متعدد الجوانب والذي سوف يشارك فيه صناع القرار. يأمل التحالف من أعضائه العالميين الاستفادة من خبراتهم والقيام بواحد أو أكثر من الإجراءات كجزء من استراتيجية زيادة الدعم للمحكمة, عبر تشجيع حكوماتهم على تقديم تعهد تؤكد به من جديد التزامها الرفيع المستوى للمحكمة الجنائية الدولية, وتشجيع حكوماتهم على المصادقة أو تنفيذ نظام روما الأساسي أو الاتفاقية بشأن امتيازات المحكمة وصلاحياتها, أو طرح خطة لكيفية دعم المحكمة الدولية في المستقبل وعقد اجتماعات تأييدية رفيعة المستوى مع المسؤولين الحكوميين, للحث على مصادقة وتنفيذ نظام روما الأساسي وتنظيم حلقات عمل وطنية بشأن المصادقة على نظام روما الأساسي, أو عن تشريعات التعامل والتكامل مع الجهات المعنية الرئيسية وتنظيم حلقات عمل وطنية حول قضايا المؤتمر الاستعراضي, وعقد المؤتمرات الصحفية /ووسائل الاعلام/ ورشات تدريبية / وغير ذلك من الأنشطة الإعلامية, وإنتاج مقالات رأي وبيانات صحفية وحث وسائل الإعلام وكبار المعنيين في كل بلد على نشر مقالات ومواد عن المؤتمر الاستعراضي المقبل للمحكمة الجنائية الدولية. ومن المقرر انعقاد المؤتمر في العاصمة اليوغندية (كمبالا) في الفترة من 31مايو2010م حتى 11يونيو2010م, ويناقش المؤتمر أجندة عديدة أهمها تعريف جريمة العدوان ومقترحات بتعديل بعض المواد في ميثاق روما, وتتمثل في المادة (124) الخاصة بالفترة الانتقالية للمصادقة والمادة (98) المتعلقة بالسيادة الوطنية والإفلات من العقوبة, وهناك عدد من المقترحات مقدمة من عدد من الدول الأعضاء. هذا ويشرف المؤتمر بان كي مون (الأمين العام للأمم المتحدة) وكوفي أنان (الأمين العام السابق للأمم المتحدة), والذي يترأس لجنة في تحالف المحكمة الجنائية. وقد تم توجيه دعوة للحكومة السودانية وعدد من المنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية. وعلى الرغم من أن ذلك المؤتمر لا علاقة له بأزمة الجنائية مع الحكومة السودانية بدليل تقديم الدعوة إليها, إلاّ أن الحكومة السودانية بدت متوجسة من الأعمال الاعتيادية للمؤتمر, رغم نفي جهات عديدة ذات صلة أن تكون أعمال المؤتمر ذات علاقة بالحكومة السودانية وقضيتها مع المحكمة الجنائية. وفي هذا الاتجاه يقول السفير أنس الطيب الجيلاني مسؤول ملف الاتحاد الأفريقي ببعثة السودان بالاتحاد الأفريقي بأديس أبابا في تصريحات صحفية: إن السودان ليس معنياً بهذه الاجتماعات ولا يهتم بها كثيراً ولا يشجع الانضمام إليها, مضيفاً أن السودان يحاول أن يوضح للجميع أنها محكمة معيبة وأنها جهاز سياسي وليس جهازاً عدلياً أو قانونياً ولا علاقة لها بالقانون إطلاقاً, بحكم الممارسات التي ظهرت والسلوك الذي أبداه المدعي العام للمحكمة الجنائية, والذي برز فيه كأنه ناشط سياسي وليس رجل عدل أو قانون. على الرغم من هذه التصريحات وتلك إلا أن الحكومة السودانية تبدو متوجسة من انعقاد هذا المؤتمر في العاصمة كمبالا, وعززت ذلك التوجس بعدد من الإجراءات عندما منعت السلطات الأمنية بمطار الخرطوم سياسيين معارضين ونشطاء قانونيين من السفر ليوغندا, لحضور المؤتمر الدولي لمناقشة واستعراض عمل المحكمة الجنائية الدولية وتطوير تشريعات تحد من الإفلات من العقوبات. وقال عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والخبير في القانون الدولي الأستاذ صالح محمود: إن السلطات استدعتهم بعد تكملة إجراءات السفر واحتجزت وثائق سفرهم وأخطرتهم بقرار حظر سفرهم بدون إبداء أي أسباب. وأكَّد صالح رفضه القاطع لإجراء منعهم من السفر إلي يوغندا بواسطة الأجهزة الأمنية، واعتبره انتهاكاً لحرية السفر والتنقل والتنظيم، وأضاف بأنه كخبير في القانون الدولي يحق له المشاركة في القضايا الحقوقية. من جانبه قال الخبير في القانون الدولي بروفيسور بخاري الجعلي إن مؤتمر كمبالا المزمع عقدة يوم اليوم الاثنين ويستمر لمدة عشرة أيام, حُدد منذ عام 2003م ولا علاقة له بقرار المحكمة الدولية الخاص بتسليم هارون وكوشيب، مشيراً إلي أنه يشارك بصفته المهنية كخبير في ورقتي التعاون الدولي والمسألة القضائية ومدى العلاقة بين المحكمة الدولية والقضاء الوطني، وأكّد أن قرار منعهم من السفر يمثل انتهاكاً للحقوق الدستورية ويضر بوضع السودان الدولي. من جهتها أوضحت مريم المهدي عضو المكتب السياسي بحزب الأمة القومي المعارض, أن الدعوة للمؤتمر قدمت من قبل الأمين العام للدول الموقعة على ميثاق روما وعددها (111) دولة من بينها 30 دولة أفريقية, مشيرة إلى أن المؤتمر يهدف إلى مراجعة واستعراض وتقييم عمل المحكمة وبمشاركة منظمات المجتمع المدني. وقد اعتبر حزب المؤتمر الوطني مشاركة قوى المعارضة في أعمال مؤتمر كمبالا بخصوص المحكمة الجنائية أمراً مستفزاً للحكومة, وفي هذا الاتجاه قال الحزب على لسان القيادي د. قطبي المهدي إن أحزاب المعارضة السودانية فقدت شرعيتها السياسية ووجودها الجماهيرى, فهرعت مرة أخرى لتستقوي بأعداء السودان ومن يقف خلفهم من صهاينة واستعماريين، مشيراً إلى أن تحالف جوبا رهن نفسه لأبواق الدعاية الاستعمارية وتعاون معها أمنياً وعسكرياً لتدمير السودان. وقال قطبي إن اتجاهات تعاون التحالف مع الدول المساندة للجنائية وترتيباتهم للمشاركة في مؤتمر كمبالا هو استفزاز لمشاعر السودانيين واستخفاف بعزتهم وكرامتهم وفخرهم بسيادتهم الوطنية. صحيفة الحقيقة ---------