لوح الرئيس السوداني عمر البشير بعصاه في الهواء للمرة الثانية، وتحدث مجددا عن انتصارات رائعة على أعدائه، فيما كان الألوف من المؤيدين المنتشين يرقصون ويهللون, لكن الرهانات هذه المرة تبدو عالية جدا. فحرب شاملة ضد دولة جنوب السودان التي نالت استقلالها حديثا قد لا تكون في مصلحة السودان العليا. كما أن إشهار السيوف من قبل دولة جنوب السودان تعد مبادرة ليست مستقلة بالكامل، ذلك أن تجاوزاتها على الأراضي السودانية الأخيرة، التي نتج عنها احتلال اكبر حقل نفطي للسودان في هجلج في 10 أبريل الماضي، ثم الانسحاب السريع منه بعد 10 أيام، قد يكون هدفها جر السودان إلى صراع أشمل. وبعد أن أدى الاستيلاء على حقل هجلج الذي يؤمن حوالي نصف إنتاج البلاد من النفط أعلن البشير الحرب، وعن رغبته في تحرير سكان جنوب السودان من حكومة مشكلة من حشرات. والبيانات الصادرة عن حكومة جنوب السودان من الواضح كانت مدروسة بشكل افضل، وأخذت في الاعتبار جمهورا دوليا مستهدفا. فقد قال سلفا كير، رئيس جنوب السودان، إن قواته خرجت من المنطقة بعد مناشدات من المجتمع الدولي، وهذه المناشدات تضمنت وصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الهجوم على هجلج بانه اعتداء على سيادة السودان وعمل غير قانوني واضح. وقبل انسحاب جنوب السودان السريع بيوم واحد، زعم الناطق باسم الحكومة برنابا بنجامين انه ليس هناك نزاع في الأساس، ووصف السودان بالجارة والدولة الصديقة. حقيقة قائمة ومع ذلك، تبقى الحقيقة انه حيثما يوجد نفط، لا يمكن أن يؤخذ السرد السياسي على سجيته. فالسودان واقعة في صراع متعدد الأبعاد يشمل تجارة الأسلحة وعدم الاستقرار الداخلي والحروب الأهلية المتعددة وحقيقة وجود لاعبين من الخارج لهم مصالح خاصة، كل هذه تطرح عراقيل جدية أمام أي محاولة تهدف إلى تصحيح الوضع. فمجموعة كاملة من الصراعات عرضة للاشتعال بعمل عدواني واحد. إنها طبيعة السياسات بالوكالة، حيث مجموعات مسلحة كثيرة تسعى لانتهاز الفرص للسيطرة على الأراضي وللكسب المالي. كما تتحدث التقارير الإخبارية عن احتمال تورط أوغندا في حال عبرت الحرب الوليدة بين الخرطوموجوبا حدودها التقليدية. يقول إلكسيس أوكيو على موقع نيويوركر: قال قائد القوات العسكرية لأوغندا، الجنرال إروندا نياكيريما، إن جيشه قد يجبر على التدخل في حال أسقط البشير نظام جنوب السودان. والسودانيان يخوضان حربهما الخاصة ضد جماعات متمردة مختلفة. وعلى الرغم من نقص الغذاء الأساسي في أجزاء من المنطقة، فان كثيرا من الأسلحة يجد سبيله دون جهد إلى حيث يوجد صراع محتمل. تأجيج الصراع وفي بيان لمنظمة العفو الدولية صدر أخيرا، دعت المنظمة الدول الأعضاء في الأممالمتحدة إلى السيطرة على شحنات الأسلحة إلى السودان وجنوب السودان. واتهمت أميركا وروسيا والصين بتأجيج الصراع السوداني من خلال إشعال سباق تسلح. والتأييد الأميركي لجنوب السودان معروف تماما. وتقول القناة الإخبارية روسيا اليوم في 19 أبريل الماضي نقلا عن برقية دبلوماسية نشرت بتاريخ ديسمبر 2009 على موقع ويكيليكس الآتي: تفيد التقارير أن أميركا تقدم للجيش الشعبي لتحرير السودان 100 مليون دولار سنويا من المساعدات العسكرية. واستنادا إلى مؤلف الكتب السياسية، ريزن وافاواروفا، فإن المصالح الأميركية في جنوب السودان ليست وليدة الصدفة، وحافزها ليس القضايا الإنسانية. وقد قال أخيرا على قناة روسيا اليوم: لن يكون مفاجئا إذا حاولت أميركا الاستفادة من ضعف جنوب السودان في إقامة قاعدة لافريكوم في مكان ما من إفريقيا شبه الصحراوية، وتمضي روسيا اليوم إلى الإشارة إلى صحيفة الانتباهة السودانية وتقاريرها حول إمدادات الأسلحة الإسرائيلية إلى جوبا. والدعم العسكري الأميركي والإسرائيلي لجوبا ليس ظاهرة جديدة. فالحرب الأهلية في السودان خلال الفترة 1983-2005، والتي كلفت ما يقرب 2.5 مليون من الأرواح تمكنت من الاستمرار بفعل مصادر ثابتة من التمويل العسكري. وعلى الرغم من أن اتفاق السلام الشامل لعام 2005، والاستفتاء عام 2011، واستقلال جنوب السودان في يوليو، هي كلها كان إجراءات كان يقصد منها بدء حقبة من السلام والتعاون الجديدين، فان أيا منهما طبق على ارض الواقع. وتنازلات السودان عن الأراضي برهنت على إنها الأكثر كلفة، أما جنوب السودان المدمرة والتي تفتقر إلى منفذ بحري، فقد كانت جاهزة لكي تستغل من الخارج. ودول قوية مثل أميركا وروسيا والصين، بل أيضا إسرائيل ولاعبين عرب وأفارقة إقليميين استغلوا الصراع لصالحهم حيثما كان هذا ممكنا. وفي تحليل لمجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، أشارت المجموعة إلى الحاجة لاستراتيجية جديدة لتفادي اندلاع ازمة أكبر حجما. وأوصت بقيام مجلس الأمن بإعادة تأكيد دوره في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، بما في ذلك تطبيق مهام الرقابة على الحدود على النحو المبين من قبل القوة الأمنية المؤقتة التابعة للأمم المتحدة في إيبي. لكن القبول بدور لمجلس الأمن في الواقع السياسي يبدو متفائلا قليلا. فقيام أميركا بتسليح جنوب السودان ودعمه، واستمرار روسيا والصين بتأييد الخرطوم، يجعل التنافس في الحقيقة داخل أروقة الأممالمتحدة نفسها. وفي سبيل التوصل إلى إطار سلمي دائم في المستقبل، فان سيادة الأراضي السودانية يجب أن تحترم، ويتعين على جنوب السودان أن لا يُدفع إلى حافة اليأس. والتنافس بين أميركا والصين وروسيا لا يمكن أن يستمر على حساب دول تتأرجح ما بين المجاعة والحروب الأهلية، وبصرف النظر عن الأيادي الخفية التي تمعن في استغلال محن السودان، فان البلاد بحاجة إلى تعريتها وعزلها الآن. البيان