«أوكسيتك» شركة رائدة في مجال التكنولوجيا الحيوية البريطانية لمعالجة حمى الضنك والآفات الزراعية الضارة، وبدأت أخيراً باختبار سلاح جديد في الحرب على حمى الضنك: تعديل البعوض الذي يحمل هذا المرض وراثيا لتصبح ذريته خاضعة للتدمير الذاتي. بدأت حمى الضنك، الموجودة في أكثر من 100 دولة، بالظهور في الولاياتالمتحدة في كي وست بولاية فلوريدا عام 2009، وفي العام الماضي في ميامي. يصيب الفيروس ما يصل إلى 100 مليون شخص سنوياً على مستوى العالم، أي حوالى 20 ضعف عدد حالات الإنفلونزا الخطيرة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO). في أبشع صورها، قد تتسبب حمى الضنك بأعراض تشبه أعراض الإنفلونزا ونزيف مميت. في ماليزيا، جزر كايمان، والبرازيل، اختبرت شركة «أوكسيتك» مشروع تعديل البعوض الذي يحمل هذا المرض وراثياً لتصبح ذريته خاضعة إلى التدمير الذاتي، فواجه اقتراح هذه التجربة في كي ويست مقاومة من المجتمعات التي تعارض التعديل الجيني. لكن، مع عدم وجود لقاحات للوقاية من حمى الضنك وأي أدوية لعلاج هذا المرض المؤلم، لدرجة أنه يعرف بأنه «كسر عظم الحمى»، يعتبر هذا النهج خياراً قابلاً للتطبيق على نحو متزايد للحد من العدوى. «إنها تكنولوجيا واعدة» يقول جيمس لوغان، وهو محاضر في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، ويدرس السيطرة على الحشرات الناقلة للأمراض. يضيف: «إذا توقفوا عن تعريضنا للّدغ، يمنعون بذلك انتقال هذا المرض». جهود «أوكسيتك» جزء من حملة أوسع نطاقاً لكبح جماح حمى الضنك. نوفارتيس، من بازل بسويسرا، تبحث عن أدوية مضادة للفيروسات، وقد اختبرت واحداً تسبب بآثار جانبية على الكلاب. ولدى صانع الأدوية الفرنسي سانوفي لقاح لحمى الضنك في مراحل الاختبارات النهائية، وقد يكون متاحاً اعتباراً من عام 2015. بحسب الشركة، قد يولد اللقاح ما يصل إلى 1.3 مليار دولار في المبيعات السنوية. لكن، إلى أن يتم الموافقة على لقاح أو دواء، تبقى مكافحة البعوض السبيل الوحيد للحد من العدوى. انتشار واسع حوالى نصف سكان العالم معرض لخطر الإصابة بهذه الحمى، فانتشارها يتزايد مع ارتفاع عدد السكان والتغير المناخي الذي يسبب انتشار البعوض على نطاق واسع، كما تقول منظمة الصحة العالمية التي تتخذ من جنيف مقراً لها. تم العثور على البعوض الذي ينقل حمى الضنك في ما لا يقل عن 28 ولاية في الولاياتالمتحدة بسبب درجات الحرارة الدافئة، كما قال وزير مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية. وفي حين أن هذه الحمى تقتل فقط 2.5 في المئة من الناس الذين يصابون بها في أشد حالاتها، تتكلف الولاياتالمتحدة حوالى 840 مليون دولار سنوياً في تكاليف الرعاية الطبية، وفقاً لدراسة نشرت في العام الماضي من باحثين في جامعة برانديز في المجلة الأميركية للطب الاستوائي والنظافة. ووجدت الدراسة أن حمى الضنك تؤدي أيضاً إلى نحو 1.2 مليار دولار في التكاليف غير المباشرة. اكتشف رئيس العلماء في «أوكسيتك» لوقا الفي وسيلة لينال من الحمض النووي للبعوض الحامل للحمى من دون استخدام الإشعاع، ويقول إن هذا يتسبب في أضرار وراثية واسعة النطاق لهذه الحمى. يدرج العلماء نسخة واحدة من جين متغير في البعوض، فيدفعها هذا التعديل إلى إنتاج كميات كبيرة من البروتين الذي يعطل آلياتها الخلية، إلا إذا كانت تعطى المضاد الحيوي التتراسيكلين. عندما تطلق ذكور البعوض التي تحمل هذا الجين، وتتكاثر بعدها مع الإناث البرية، فإن البعوض الحديث يرث العيب الوراثي ويموت قبل سن البلوغ، من دون المضادات الحيوية، بحسب الفي، أستاذ زائر في علم الحيوان في جامعة أكسفورد. في الولاياتالمتحدة، تشتد معارضة تجارب «أوكسيتك»، بسبب عدم التأكد من المخاطر الصحية المحتملة. وقد شارك ألفي والرئيس التنفيذي لمكتب الشركة هايدن باري في اجتماع في كي ويست دعا الى التحقق من نتائج «أوكسيتك». تنفق فلوريدا ما يقرب من مليون دولار سنوياً على مكافحة البعوض، بما في ذلك رواتب 12 مفتشاً بدوام كامل يزورون حوالى 8،000 مجموعة، وفقاً لمايكل دويل، مدير منطقة التحكم بالبعوض في فلوريدا. وقال دويل إن تم توظيف 10 موظفين إضافيين بدوام كامل بعد اندلاع حمى الضنك. أوضح دويل في بريد إلكتروني أن تكلفة استخدام نهج «أوكسيتك» سيكون حوالى 500،000 دولار في السنة الأولى، وأقل في السنوات المقبلة، قائلاً إنه في حال نجاحه ونشر الحشرات المعدلة وراثياً، «سيسمح لمعظم الموظفين الميدانيين في المنطقة بالعمل على مشاريع أخرى، ما يقلل كثيراً من استخدام المبيدات الحشرية». كذلك أضاف أن هذا المشروع هو قيد الانتظار حتى يتم إعطاء التصاريح النهائية ل «جهود قمع كامل»، أو نشر صغير للبعوض المعدل وراثياً لجمع البيانات للمنظمين. تشريع قسم الزراعة في الولاياتالمتحدة الأميركية الذي أشرف على اختبارات «أوكسيتك» أوضح أنه لا يملك تشريعاً في هذا الإطار، فيما ذكرت إدارة الأغذية والعقاقير في رسالة إلكترونية أنه لن يتم الإفراج عن البعوض المعدل وراثياً في الولاياتالمتحدة من دون الرقابة التنظيمية المناسبة. في مكان آخر في العالم، أظهرت هذه التقنية نتائجها. في جزيرة كايمان الكبرى، «تم القضاء على 80 في المئة من البعوض بعد جيلين أو ثلاثة أجيال، ما كان كافياً لمنع انتقال الوباء»، يقول آلفي. «من المجدي محاولة ذلك» يقول بول هيرلينغ، رئيس معهد نوفارتيس لأمراض المناطق المدارية في سنغافورة. ويجب أن يتم الإفراج عن البعوض المعدل وراثياً أسبوعيا بحسب ألفي، الأمر الذي من شأنه أن يكلف المجتمعات في البلدان ذات الدخل المتوسط حوالى خمسة دولارات إلى 10 دولارات لكل شخص محمي في السنة. وتهدف الشركة إلى دفع تكلفة تصل إلى دولار لكل شخص سنوياً في البلدان الأكثر فقراً. ويقول باري إن تكنولوجيا «أوكسيتك» آمنة، والشركة حصلت على إذن محلي، «في مناطق حمى الضنك، نحن نعمل دائماً مع الجهة الحكومية». معارضو البعوض المعدل وراثياً، مثل هيلين والاس، المديرة التنفيذية في المملكة المتحدة لمراقبة الجينات، يقولون إن بعوض «أوكسيتك» يهدد التوازن في الطبيعة. توضح والاس: «نحن قلقون من أن البعوض المعدل وراثياً قد يعيش ويتكاثر لإنتاج أجيال مقبلة، ومن شأن البعوض أن يصبح جزءاً من النظام الإيكولوجي المعقد الذي قد يقوم بردات فعل قد تكون سيئة على الصحة». وتذكر والاس للتدليل على ذلك معهد باستور في باريس، الذي عاش 18 في المئة من البعوض المعدل وراثياً في مختبره. في جميع الأحوال، التحديات التي تواجه «أوكسيتك» لم تثن المستثمرين، الذين قدموا 23 مليون دولار من رأس المال. وقد فازت الشركة أيضاً بخمسة ملايين جنيه في شكل منح من مصادر من بينها منظمة «ميلندا غيتس» في سياتل، والحكومة البريطانية.