تزداد العلاقات المتوترة أصلا بين الخرطوم وكمبالا تعقيدا إثر تعقيد غذته مواقف أوغندا الأخيرة المؤيدة لقرار المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير. ويخشى مراقبون من أن تلقي تلك الخلافات بثقلها على المشهد بمنطقة البحيرات وعلى الأوضاع في جنوب السودان في حالتي الوحدة والانفصال. فما إن تجاوز السودان أزمته مع جارته الغربية تشاد بعودة العلاقات بينهما إلى طبيعتها، حتى ظهرت أوغندا واحدة من دول الجوار المثيرة لقلق الحكومة السودانية. فعلى الرغم من التوتر الذي ظل يسود العلاقة بين الجارتين منذ فترة تجاوزت عشرين عاما، فإن ذلك لم يقض مضجع الخرطوم كما هو كائن الآن بعد ما أضحت كمبالا العاصمة الأفريقية الوحيدة التي تؤيد قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير والداعمة لانفصال جنوب السودان والرافضة لاتفاقيات مياه النيل السابقة. ويبدو أن التأييد والدعم الأوغندي لانفصال الجنوب هو القشة التي ربما قصمت ظهر العلاقة المتأرجحة أصلا. مصالح أجنبية غير أن محللين سياسيين يرون أن مصالح أجنبية هي المحرك الأول والأكبر للعلاقة بين الخرطوم وكمبالا، ولم يستبعدوا شعور حكومة الرئيس يوري موسفيني بالتهديد والخطر بعد استلام الإسلاميين للسلطة في السودان والمعارضة في الصومال بدعم من السودان بحسب المفهوم الأوغندي. فالخبير السياسي حسن مكي أشار إلى وجود تراكمات كبيرة دفعت بالعلاقة بين الدولتين إلى حافة التوتر، متوقعا تواصل التوتر في ظل ما أسماه "المهددات التي يتوقعها كل طرف من الآخر". وقال للجزيرة نت إن تراكمات الأزمة بين الخرطوم وكمبالا بدأت منذ طلب موسفيني من الإدارة الأميركية إنشاء منطقة عازلة بين السودان وأوغندا "بما فسر بأنه مخطط أوغندي لدعم إنشاء دولة في جنوب السودان". وأشار إلى توترات أخرى أجملها في موضوع جيش الرب واعتقاد أوغندا حمايته ودعمه من الخرطوم، إضافة إلى زيارتي موسفيني لجنوب السودان والمشاركة في مراسم تنصيب رئيس حكومة الجنوب دون رغبة الخرطوم، والتصريحات الأوغندية المتواترة عن المحكمة الجنائية الدولية. ولم يستبعد مكي تواصل اختلاف الرؤى بين الجانبين على الأقل في الوقت الراهن "لانتفاء عوامل الثقة بينهما". أما المحلل السياسي محمد موسى حريكة فاعتبر أن أزمة جنوب البلاد وموقف أوغندا من وحدة السودان بجانب أزمة جيش الرب، من الأجندة القديمة التي ترهق العلاقة بين الدولتين. ولم يستبعد أن تكون هناك أبعاد إقليمية ودولية تلعب الدور الخفي في أزمة الثقة بينهما، مشيرا إلى أن التأييد الأوغندي المطلق لانفصال الجنوب "يثير بعض التوتر والرعب في الموقف السوداني"، إضافة إلى سبب ثانوي آخر هو موقف أوغندا من مشكلة مياه النيل. استمرار الأزمة ودعا حريكة في تصريح للجزيرة نت الطرفين إلى اعتراف كل منهما بالآخر لتجاوز المشاكل العالقة بينهما لأن "لكل منهما تأثيراته المباشرة على أمن الآخر". ومن جهته اعتبر الخبير الإستراتيجي الحاج حمد أن تمثيل كمبالا للمصالح المتطرفة في المنطقة يقودها للخلافات مع كافة دول المنطقة وعلى رأسها السودان، مشيرا إلى اعتماد الاقتصاد الأوغندي على جنوب السودان في حالتي السلم والحرب. وقال إن عدم وقوف الخرطوم عند مقتل زعيم الحركة الشعبية جون قرنق ربما أغرى أوغندا باتخاذ كثير من المواقف السالبة ضد السودان، مشيرا إلى استفادة أوغندا من بترول الجنوب "مما يجعلنا نرى أن عداء السودان يموله بترول السودان في حالة أوغندا تحديدا". وأشار إلى تخوف كمبالا من وجود دولة إسلامية في الصومال "وهذا ما تعتبره حكومة موسفيني مهددا لوجودها"، متوقعا أن يساهم استفتاء الجنوب في خلق تعقيدات أخرى لكافة المنطقة بسبب التداخل القبلي بين أوغندا وجنوب السودان وكيفية التفريق بين الأوغنديين منهم والسودانيين ممن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم. المصدر: الجزيرة