ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن الكثير من خبراء السودان متشككون بشأن ما إذا كانت الحكومة السودانية التى يقودها الرئيس عمر حسن البشير الذى استولى على السلطة فى انقلاب عسكرى فى عام 1989 هى على وشك السقوط. ونقلت الصحيفة فى سياق تقرير بثته امس الجمعة على موقعها الإلكترونى عن أندرو ناتسيوس المبعوث الخاص الأمريكى السابق للسودان قوله "إن أموال البشير التى يدفع منها للقوات تنفذ بسرعة مما يزيد من فرص تمرد عسكري، وإنه إزاء ذلك قام بتقديم خطة بديلة ملتوية للتشبث بالسلطة". وأوضح ناتسيوس أن البشير كون قوة يقدر عدد قوات الأمن الخاصة بها ما يساوى 30 ألف فرد مجتذبا أعداد كبيرة من قبيلته العربية إلى جانب ثكنات تحت الأرض وترسانات مخبأة ليكون كل هذا جاهزا للدفاع عن النظام فى الشارع كخط دفاع أخير. وأعرب ناتسيوس عن اعتقاده بأن هناك فرصة قوية لأن تحاول قوات البشير إذا اختبرت بشكل حقيقى جعل السودان بدون حكومة مما يتيح للاسلاميين المتشددين الوصول للحكم. ونسبت الصحيفة إلى ناتسيوس قوله "لست متفائلا بشأن الطريق الذى تتجه إليه السودان الشمالية حاليا إذا سقط حزب المؤتمر الوطنى أو لا". ونقلت الصحيفة عن إى جيه هوجندورن مدير مشروع القرن الأفريقى لمجموعة الأزمات الدولية وهى منظمة موجودة فى بروكسل تدرس النزاع قوله "فى الوقت الذى بدت فيه جولة الاحتجاجات الجديدة مختلفة وتصاعد الضغط الثورى بشكل أكيد، هناك أجزاء مهمة لا تزال مفقودة". وأضاف هوجندورن على عكس مصر حتى الآن يفتقد السودانيون إلى حزب منظم ومنضبط مثل الإخوان المسلمين يمكن أن يشكل جوهر حركة الاحتجاجات. ورأت الصحيفة أن اقتصاد السودان الذى يسير فى منحنى تنازلى هو الفتيل الظاهر الذى يمكن أن يشعل الأمور، ففى منتصف شهر يونيو الماضى أعلنت الحكومة أنها لا تستطيع تحمل دعم الغاز أكثر من ذلك. وأوضحت الصحيفة أن المشاكل الاقتصادية تتزايد سريعا فى كل من السودان وجنوب السودان لكن حكومتى الدولتين تحاولان باستماتة الصمود حتى تنهار الأخرى أولا. الاهرام الخبر من بترجمة أخرى خدمة «نيويورك تايمز» المبعوث الأميركي السابق للسودان: لست متفائلا سواء سقط الحزب الحاكم أولا البشير أعد قوات أمن خاصة من 30 ألف جندي وشيد ثكنات تحت الأرض وخبأ أسلحة كخط دفاع أخير نيروبي: جيفري جيتلمان* إنهم يطلقون عليها جمعة «لحس الكوع» في إشارة إلى المستحيل. على مدى الأسابيع القليلة الماضية واجه المئات وربما الآلاف من المحتجين بداية من شوارع العاصمة السودانية الخرطوم بقيظها الشديد، وصولا إلى مدينة عطبرة الهادئة المطلة على النهر، هراوات الشرطة وقنابل الغاز المسيل للدموع لمناهضة النظام. وكانوا يحملون لافتات عليها عبارة «يسقط يسقط حكم العسكر»، بينما يصيحون «لا لارتفاع الأسعار»، مما أدى إلى مواجهتهم من قبل أفراد مكافحة الشغب المعتادين على ضرب المحتجين بعنف على رؤوسهم وإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع حتى أمام المستشفيات مما تسبب في حدوث حالات اختناق لبعض المرضى. كل هذا يثير سؤالا هو: هل سيمتد الربيع العربي إلى السودان؟ بالنظر إلى هذه الأحداث، يبدو أنه قد وصل بالفعل، حيث النظام القمعي الذي يحكم منذ 23 عاما والأزمة الاقتصادية الطاحنة وحركات التمرد المسلح في عدد من المناطق وحركة الاحتجاجات التي تجاوزت حدود الطلبة والشباب العاطل كما هو معتاد لينضم إليها بائعو أحذية وربات بيوت مستعدون بكل إرادتهم لتلقي الضربات، أضف إلى ذلك كل الكتابات التي تحملها الجدران. أدى الغضب الشعبي، في كل من مصر في الشمال وليبيا في الشمال الغربي مضافا إليه ضربات حلف شمال الأطلسي الجوية في حالة ليبيا، إلى إسقاط حكام مستبدين ظلوا متربعين على عروشهم لفترة طويلة. كذلك للسودان تاريخ طويل من الثورات الشعبية التي نجحت في إسقاط أنظمة، فقد حدث ذلك عام 1964 و1985. مع ذلك يشك الكثير من الخبراء بالشأن السوداني في قرب سقوط النظام السوداني، الذي يقوده الرئيس عمر البشير منذ قيامه بانقلاب عسكري عام 1989. أولا، رغم أن المال الذي يدفعه البشير لقواته ينفد، وهو ما يزيد احتمالات حدوث تمرد عسكري، أعد البشير خطة بديلة، على حد قول أندرو ناتسيوس المبعوث الأميركي السابق للسودان، ومؤلف كتاب صدر حديثا عن السودان. بحسب ناتسيوس، أسس البشير قوات أمن خاصة قوامها 30 ألفا أكثرهم من القبائل العربية، وكذلك شيد ثكنات تحت الأرض وترسانات أسلحة مخبأة، مما يدعم الدفاع عن النظام في كل شارع من شوارع البلاد باعتبارها خط الدفاع الأخير. ويعتقد ناتسيوس أنه من المرجح أن تحاول قوات البشير، إذا اختبرت حقا، أن تجعل السودان غير قابل للسيطرة مما يمنح الإسلاميين المسلحين الفرصة للانقضاض على الحكم. وقال: «أنا لست متفائلا بوجهة شمال السودان حاليا سواء سقط حزب المؤتمر الوطني الحاكم أو لا». وقال إي جي هوغندورن، مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل والتي تعنى بدراسة الصراع، إنه على الرغم من اختلاف الموجة الجديدة من الاحتجاجات وتنامي الضغط الثوري، لا تزال هناك بعض العناصر غائبة عن المشهد. وأوضح قائلا: «على عكس الوضع في مصر، يفتقر السودانيون حتى هذه اللحظة إلى حزب منظم منضبط، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي تستطيع أن تكون قلب حركة الاحتجاجات». وقال جون فول، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة جورج تاون، والمتخصص في الشأن السوداني منذ زمن طويل، إن الجيش السوداني يرفض حتى هذه اللحظة اتخاذ جانب المحتجين بشكل صريح، وهو ما كان عاملا حاسما في تغيير النظام عامي 1964 و1985. ولن يستسلم المحتجون رغم أنهم أول من أقروا بأن حركتهم عفوية وبلا قيادة. وقالت شابة تدعى منى، ولم ترغب في الكشف عن هويتها بالكامل خشية الاعتقال: «الاحتجاجات ليست منظمة. من يقوم بها سودانيون طفح بهم الكيل من النظام». وأضافت: «أنا فتاة سودانية وفخورة بجنسيتي، وأعلم أن بلدي غني بالموارد الطبيعية وأنني أستحق حياة جيدة». واستخدم الطلبة في الخرطوم العام الماضي موقع «فيس بوك» ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، في الدعوة إلى مظاهرات صغيرة نسبيا تم قمعها، لكن منذ بضعة أسابيع، انتفض طلبة مرة أخرى في جامعة الخرطوم، وهذه المرة انتشرت الاضطرابات وامتدت إلى أحياء الطبقة الوسطى حيث قطع الناس الطرق بإطارات مشتعلة. بعد ذلك دعا المحتجون إلى جمعة «الكتاحة» في الثاني والعشرين من يونيو (حزيران)، ثم جمعة «لحس الكوع» في التاسع والعشرين من يونيو، وهو يوم تجمع المسلمين وبالتالي يعد أنسب وقت لحشد الناس والخروج في الشوارع. ويعد الوضع الاقتصادي المتأزم الذي يمر به السودان هو السبب المباشر لاندلاع الاحتجاجات، ففي منتصف يونيو، أعلنت الحكومة عن عدم قدرتها على تحمل دعم الغاز. نتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الوقود بنسبة 60 في المائة وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات بدءا من السيارة الأجرة وصولا إلى الطماطم. ويشهد الاقتصاد السوداني تراجعا منذ بداية العام الحالي بعد توقف حكومة جنوب السودان، الذي انفصل عن شماله منذ عام، عن إنتاج النفط. ويوجد الجزء الأكبر من النفط في الجنوب، لكن الأنابيب تمر عبر الشمال. ولم يتوصل الجانبان بعد إلى اتفاق حول توزيع أرباح النفط وأصبحوا عالقين في لعبة سياسة حافة الهاوية الخطيرة. وتزيد المعاناة الاقتصادية على جانبي الحدود، لكن تحاول كل من حكومة السودان وحكومة جنوب السودان باستماتة الصمود والتماسك في انتظار كل منهما لانهيار الطرف الآخر. واتخذت حكومة البشير خلال الأسبوع الماضي إجراءين في محاولة لتهدئة الانتقادات الخارجية، وهو ما يدل على تمتعه بمهارات الخداع والمكر التي تعينه على البقاء. في البداية، أعلنت الحكومة يوم 27 يونيو عن السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى جبال النوبة التي تشهد تمردا من أجل الحصول على الحكم الذاتي، والتي ضرب عليها حصار منذ أكثر من عام، مما دفع الآلاف إلى حافة المجاعة. وتشك منظمات المساعدات الإنسانية في هذا التغيير المفاجئ في مواقف الحكومة وتقول إن البشير تعمد الإعلان عن هذا الموقف بعدما بدأت الأمطار في الهطول وبات من الصعب السير على الطرقات، مما يعني تعسر توصيل المساعدات الإنسانية. يوم الثلاثاء، برأت محكمة سودانية سيدة اتهمت بالزنا وحكم عليها بالإعدام رجما. الجدير بالذكر أنها أثارت غضبا دوليا عارما. وقال ميسر، أحد المحتجين يبلغ من العمر 24 عاما، إن البشير الذي يواجه اتهامات بالإبادة الجماعية من قبل المحكمة الجنائية الدولية بسبب تورطه في مذابح بمنطقة دارفور، التي تقع غرب السودان، ليس لديه رؤية واضحة لإدارة الدولة. وأوضح ميسر، الذي لا يرغب في الإفصاح عن اسمه بالكامل خوفا من تنكيل النظام، أنه يخرج في مسيرات بالشوارع لعدم وجود حرية في البلاد. * شارك إسماعيل كشكش في إعداد هذا التقرير من الخرطوم. * خدمة «نيويورك تايمز»