كتب جيفري جيتلمان مدير مكتب نيويورك تايمز في شرق أفريقيا و الحائز على جائزة بولترز في عام 2011 للتقارير الدولية عن الاحتجاجات والمظاهرات التي جرت في السودان خلال الأسابيع القليلة الماضية قائلا تحدى المئات وربما الآلاف، من المتظاهرين السودانيين هراوات الشرطة والغاز المسيل للدموع للتظاهر ضد الحكومة. وقد امتدت تلك المظاهرات من الشوارع الساخنة في الخرطوم العاصمة الى عطبرة البلدة النهرية الهادئة. وقد كتب المتظاهرون على اللافتات التي رفعوها عبارات "يسقط .. يسقط حكم العسكر "، وكانوا يهتفون : "لا، لا، للغلاء!" مما ادى الى قيام رجال شرطة مكافحة الشغب بحملة شرسة قاموا فيها بضرب المتظاهرين على رؤوسهم وأطلقوا الغاز المسيل للدموع في ساحات المستشفى ، مما أدخل بعض المرضى في نوبات مرضية. كل هذا يطرح السؤال التالي: هل اجتاح الربيع العربي السودان؟ على ما يبدو فأن الكثير من الأفعال المؤججة تجري هناك فعلا: فوجود النظام القمعي الاستبدادي الذي ظل ممسكا بالسلطة لمدة 23 عاما؛ وأزمة اقتصادية خانقة؛ وتمرد مسلح تسليحا ثقيلا في عدة اماكن من أنحاء من البلاد، بالإضافة الى حركة احتجاج ضخمة تجاوزت المشتبه بهم المعتادين من الطلاب والشباب العاطلين عن العمل إلى أصحاب المحلات التجارية وربات البيوت، حيث كان الجميع على استعداد لتلقي الضرب. أطاحت الكتابة على الجدران في كل من مصر، الواقعة في شمال السودان ، وليبيا، الواقعة في الشمال الغربي في نهاية المطاف ، بالإضافة الى الغضب الشعبي (جنبا إلى جنب مع الغارات الجوية لحلف شمال الاطلسي في حالة ليبيا) بالمستبدين المتحكمين بالبلاد منذ فترة طويلة. وأكثر من ذلك، فإن للسودان تاريخ حافل بالثورات الشعبية المؤدية الى اسقاط الحكومات حيث حدث ذلك في عامي 1964 و 1985. ولكن العديد من الخبراء في الشان السوداني يشككون في أن الحكومة السودانية بقيادة الرئيس عمر حسن البشير، الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري في عام 1989 على وشك السقوط. ففي البداية، فإن اندرو ناتسيوس، المبعوث الأميركي الخاص بالسودان السابق ومؤلف كتاب صدر حديثا عن السودان قال: على الرغم من ان المال لدى البشير يتناقص بسرعة للدفع لقواته مما يزيد من احتمالات التمرد العسكري، فإن السيد البشير قد وضع خطة بديلة ملتوية للتشبث بالسلطة، ووفقا للسيد ناتسيوس، وقد بني السيد البشير قوة من الأمن الخاص يصل تعدادها الى 30،000 جندي ينتمون بشكل كبير الى قبيلته العربية و الذين هم على استعداد "للدفاع عن النظام من شارع الى شارع" تشكل خط دفاعه الأخير مع ثكنات تحت الارض وترسانات خفية. ويعتقد السيد ناتسيوس أن هناك فرصة قوية بأن قوات السيد البشير، إذا ما تم اختبارها فعليا ، فستحاول أن تجعل السودان غير قابل للحكم وبالتالي فإن المليشيات الإسلامية قد تستولي على السلطة. واضاف السيد ناتسيوس "لست متفائلا الى أين سيتجه شمال السودان - سواء سقط حزب المؤتمر الوطني أو لم يسقط ". أما السيد إي. جيه هوجندورن، مدير مشروع القرن الأفريقي التابع لمجموعة الازمات الدولية، وهي منظمة مقرها في بروكسل متخصصة في دراسات الصراع، فقد قال انه في حين ان جولة جديدة من الاحتجاجات بنكهة مختلفة وضغط ثوري وبناء بكل تأكيد ، فإن بعض الأفعال الحاسمة لا تزال مفقودة. يقول السيد هوجندرون "فخلافا لما حدث في مصر ، فإن السودانيين يفتقرون ، حتى الآن ، الى حزب منظم ومنضبط، مثل جماعة الاخوان المسلمين في مصر يمكن أن يشكل نواة لحركة الاحتجاج". أما السيد جون أو. فول ، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة جورج تاون، والمتخصص في الشئون السودانية منذ فترة طويلة فقد قال (إن الجيش السوداني وحتى الآن رفض علنا الوقوف الى جانب المتظاهرين، وقد كان الجيش السوداني عاملا حاسما في تغيير النظام في عامي 1964 و 1985). لم يستسلم المحتجون حتى الآن، على الرغم من أنهم هم أول من يعترف حركتهم بأن حركتهم احتجاجية. فقد قالت فتاة شابة تدعى منى، التي لم تشأ الكشف عن اسمها بالكامل خوفا من الاعتقال. (إن المتظاهرين ليسوا منظمين) و (هؤلاء هم أهل السودان الذين ضاقوا ذرعا بالنظام)." وأضافت منى: (أنا فتاة سودانية وانا فخورة بجنسيتي. وأنا أعرف كيف ان بلدي غنية بالموارد الطبيعية. أنا أستحق حياة أفضل " في العام الماضي، استخدم طلاب في الخرطوم الفيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي لتحفيز احتجاجات صغيرة نسبيا، والتي تم وأدها في مهدها. ولكن قبل بضعة أسابيع، تظاهر الطلاب في جامعة الخرطوم من جديد، وفي هذه المرة امتدت الاضطرابات الى عمق أحياء الطبقة المتوسطة المجاورة حيث أغلق الناس الطرق بالإطارات المشتعلة. ثم جاءت بعد ذلك الجمعة يوم 22 يونيو التي سماها المتظاهرون "العاصفة الرملية" ومن بعدها جاءت جمعة يوم 29 يونيو التي عرفت ب "لحس الكوع" حيث أن يوم الجمعة هو يوم الصلاة، وأسهل وقت لحشد الناس للوصول إلى الشوارع. أعلنت الحكومة في منتصف شهر يونيو الجاري، أنها لم تعد قادرة على تحمل دعم المحروقات ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الوقود بنسبة 60 في المئة، مما رفع أسعار كل شىء بصورة دراماتيكية، بدءً بسيارات الأجرة وانتهاءً بالطماطم (البندورة). وقد عاش اقتصاد السودان في سقوط حر منذ بداية العام، عندما أغلقت الدولة المستقلة حديثا في جنوب السودان، بشكل كامل أنابيب انتاج النفط. حيث تقع معظم حقول نفط السودان في الجنوب، ولكن يمر خط الأنابيب عبر الشمال. ولم يتفق الجانبان بعد على صيغة لتقاسم عائدات النفط ويخوضان الآن لعبة خطيرة جدا من ألعاب سياسة حافة الهاوية. تتفاقم المشاكل الاقتصادية بسرعة كبيرة في كلا الجانبين من الحدود، ولكن حكومتي السودان وجنوب السودان تقومان بمحاولة يائسة للتماسك حتى ينهار الآخر أولا. في الأسبوع الماضي أو نحو ذلك، قامت حكومة السيد البشير بشيئين لتهدئة الانتقادات في الخارج، كدليل على مهاراته في المراوغة. أولا، أعلنت الحكومة في 27 يونيو انها ستسمح بوصول المساعدات الإنسانية الى جبال النوبة، وهي منطقة القتال التي يسيطر عليها المتمردون المنادون بالحكم الذاتي والتي تم اغلاقها منذ اكثر من عام، مما دفع بالآلاف من الناس إلى حافة المجاعة. وتشكك منظمات الاغاثة في الموقف المفاجئ للحكومة ويقولون أن السيد البشير قدم عمدا هذا الاعلان في هذا التوقيت فقط عندما بدأ هطول الامطار وأصبحت الطرق غير سالكة تقريبا، مما يعني وصول القليل من المعونة. ثم، في يوم الثلاثاء، أسقطت محكمة سودانية جميع التهم ضد امرأة كانت قد اتهمت بالزنا وحكم عليها في البداية بالرجم حتى الموت. وكانت هذه الحالة وقد ولدت غضبا دوليا. وقال ميسر المتظاهر البالغ من العمر 24 عاما، إن السيد البشير الذي صدرت ضده لائحة اتهام من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية بسبب المذابح في منطقة دارفور في غرب السودان، (لا يملك رؤية واضحة لادارة البلاد). وقال ميسر الذي لا يريد أيضا أن يستخدم اسمه الكامل خوفا من انتقام الحكومة، وقال انهم يخرجون الى الشوارع نظرا الى "أننا نفتقر الى الحريات". ولكن التظاهر قد لا يكون كافيا. فقد قال السيد فول أنه على عكس المتظاهرين في مصر وليبيا و البحرين، ففي السودان لم تكن المظاهرات قادرة على احتلال أي منطقة، ولا حتى مربع واحد الساحات العامة. وواصل قائلا (وعندما أرى الخيام قد نصبت وتمت السيطرة الناجحة على مكان مميز، وهي حركة تحتل ميدان ولو ليوم واحد أو اثنين فقط،" وقال " ساعتها سوف أكون أكثر استعدادا للتفكير في تغيير النظام في المدى القريب." ربما أن ذلك يقد يحدث قريبا. وربما لن يحدث. ولكن هناك شيء واحد فقط واضح: تعال يوم الجمعة، وربما جمعات كثر بعد ذلك، فسوف يعود المتظاهرون السودانيون الى الشوارع مواصلين لكفاحهم في لحس أكواعهم. سيف النصر محمد الحسن جوال 00966502188751