قدمت في عمود يوم الأحد أول أمس إطاراً نظرياً لرؤيتي الشخصية لموضوع استيراد السيارات المستعملة. بشكل عام أعتقد أن أسلوب منع الاستيراد هو أسلوب ضار بالاقتصاد الوطني فحرية الاستيراد هي الأصل وإذا أردنا تشجيع أو عدم تشجيع استيراد سلعة معينة أو نوعية معينة من تلك السلعة فهناك أدوات اقتصادية عديدة يمكن استخدامها كالرسوم الجمركية والضرائب والتسهيلات والمزايا الممنوحة للمستورد. إن قطاع تجارة السيارات المستعملة هو قطاع كبير لا يستهان به وله مساهمة كبيرة في إيرادات الدولة من رسوم جمركية ورسوم حكومية للموانئ وغيرها وضرائب بالإضافة إلى أن استيراد السيارات المستعملة كان يوفر فرص عمل مستمرة لقطاع النقل من بورتسودان إلى الخرطوم... وهذا يعني أنه قطاع يساهم في دفع دوران عجلة الاقتصاد الوطني. إذا تحدثنا عن الضوابط التي يمكن وضعها لاستيراد السيارات المستوردة فهي عديدة فيمكن مثلاً منع استيراد سيارات مستعملة من دول غير مصنعة للسيارات كدول مجلس التعاون الخليجي ويسمح فقط باستيراد السيارات المستعملة من الدول المصنعة... سيارات يابانية من اليابان... سيارات كورية من كوريا... سيارات أوربية مختلفة كالمرسيدس والاسكودا والفيات وغيرها من دول الاتحاد الأوربي... هذا الشرط يتيح لنا فرصة استيراد سيارات مستعملة مجددة حيث أن معظم الشركات المصنعة أصبحت لديها خطوط تجديد للسيارات المستعملة لأن السيارات المستعملة المستوردة من الدول غير المصنعة للسيارات وخاصة دول الخليج هي سيارات مستخدمة استخداماً فردياً هو في معظم الأحيان سيئ للغاية بسبب انعدام ثقافة الصيانة الوقائية الدورية بالإضافة إلى التأثيرات المناخية على السيارات حيث ارتفاع درجة الحرارة ودرجة الرطوبة... إذا طبقنا هذا الشرط فلن نحتاج لوضع حد أقصى لموديل السيارة... فهناك سيارات مستعملة في السوق الألماني والبلجيكي والياباني بحالة جيدة للغاية وبمواصفات عالية فموديلات التسعينيات من القرن الماضي يمكن أن تنافس موديلات 2012 التي تأتي إلينا جديدة لأنها قد صنعت وفق مواصفات الاتحاد الأوربي أو مواصفات اليابان. هناك أيضاً أسلوب آخر يجبر مستوردي السيارات المستعملة على استيراد سيارات مستعملة مجددة بحالة جيدة وموديلات حديثة وهو اتباع نظام الاستيراد بدون دفع الرسوم الجمركية... بمعنى أن لا يدفع المستورد الرسوم الجمركية وتحفظ السيارات داخل حظيرة معرضه التي سيكون بها موظف جمارك باعتبارها «حظيرة سيارة غير مجمركة» BONDED WAREHOUSE ويتولى المشتري دفع الرسوم مباشرةً للسلطات الجمركية بعد أن يسدد قيمة السيارة لصاحب المعرض... هذا النظام معمول به في يوغندا... ولهذا النظام ميزتان... الميزة الأولى هي أن المستورد سيمتلك القدرة المالية على استيراد سيارات مستعملة بحالة جيدة لأنه لن يتحمل العبء المالي الكبير للجمارك... الميزة الثانية هي تشجيع إعادة التصدير للدول المجاورة... إريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان وتشاد... فهذه الدول تستورد أعداداً كبيرةً من السيارات المستعملة فإذا وجدت سيارات غير مدفوعة الجمارك فسيشجعها ذلك على الشراء من السودان لأن المشتري سيدفع الرسوم الجمركية مرة واحدة في بلده... هذا بالإضافة إلى أن الأجنبي الذي سيشتري سيارةً مستعملة غير مجمركة سيدفع القيمة بالعملة الصعبة التي ستساعد المستورد في تمويل استيراد سيارات أخرى... الآن يوغندا تعيد تصدير السيارات المستعملة إلى رواندا والكنغو وجنوب السودان وبكميات كبيرة. لقد أتيحت لي فرصة التعرف على هذا النظام عن قرب بكمبالا وأرجو أن تُدرَس التجربة اليوغندية في مجال استيراد السيارات المستعملة بكل جوانبها. أما بالنسبة لما يتوهمه بعض مستوردي السيارات الجديدة وكلاء الشركات المصنعة بأن استيراد السيارات المستعملة يهدد وضعهم فهذا غير صحيح بالتجربة فدولة إثيوبيا مثلاً بها عدد كبير من وكلاء السيارات يفوق عدد الوكالات بالسودان وبها مصانع تجميع سيارات وبها أيضاً تجارة واسعة للسيارات المستعملة بل واستيراد حر بدون قيود فالمستورد يستطيع أن يستورد موديل 1920م ما دام قادراً على دفع الرسوم الجمركية والحكومية... بالرغم من ذلك لا يشكو أحد من المنافسة فلكل قطاع شريحة اجتماعية تتعامل معه... والدليل المحلي على أن تجارة السيارات المستعملة لا تعني مباشرةً انتعاش تجارة السيارات الجديدة هو أن هذا الحظر قد أنعش تجارة السيارات المستعملة محلياً مع ملاحظة ارتفاع جنوني في أسعارها بسبب حظر استيراد السيارات المستعملة. خلاصة القول هي أن حظر استيراد السيارات المستعملة يؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني لأنه يساهم في إضعاف القدرة الذاتية للاقتصاد الوطني ويضيع على الدولة إيرادات كبيرة في وقت تعاني فيه ميزانية الدولة عجزاً كبيراً. الصحافة