إقليم دارفور تكاد تصل نسبة إسلام أهله مائة بالمائة حتى إن الكنيسة الوحيدة بمدينة نيالا يؤمها إما رواد غير سودانيين، أو من غير أهل البلد الأصليين. ويتميز أهل دارفور بعراقة الإرث الحضاري، فهم أهل سلطنات إسلامية ممتدة منذ عام 1445م حيث بداية تأسيس سلطنة الفور على يد سليمان صولونج ومنه انحدرت سلالة سلاطين الفور وحتى آخر سلاطينهم التي انتهت باستشهاد السلطان علي دينار في عام 1916م. وكسائر أهل السودان؛ فإن الحفاوة باستقبال شهر رمضان تبدأ مبكرة منذ أول شعبان، أو أوسطه حيث تقوم كل البيوت بإعداد العدة والترتيبات المعتادة لمائدة رمضان ويستقبل اهالي دارفور المعروفون بتدينهم وحفظهم لكتاب الله شهر رمضان المعظم بجملة من الطقوس والترتيبات تبدأ من شعبان، حيث تقوم النسوة بتجهيز مستلزمات المائدة الرمضانية الدارفورية. وتتميز المائدة الدارفورية بخصوصية وطابع فريد يميزها عن مختلف موائد رمضان في السودان. ولم تغير ظروف الحرب القاسية في الاقليم عادات الدارفوريين الاصيلة في الكرم واكرام عابري السبيل بافطارهم في الساحات. وتتشابه العادات الغذائية لسكان دارفور بمختلف انتماءاتهم العرقية، ويعتبر طبق الدامرقة"عصيدة الدخن الطبقى الرئيسي في المائدة الدارفورية، ويصنع من طحين الدخن المنزوع القشرة مخلوطا بالماء ويقدم مع عدة ادامات من بينها "ملاح الكول" وهي نبتة قاسية الرائحة طيبة المذاق، وادام المرس، ويصنع من امعاء المواشي التي تدفن في باطن الارض لفترة من الزمان لتتخمر ثم تطبخ بعد ذلك. ايضا يقدم طبق الدامرقة مع ادام التقلية المصنوعة من اللحم المجفف"الشرموط"الممزوج بالبامية الجافة"الويكة". ومن الاطباق المحببة للصائمين في رمضان بدارفور ادام "الروب" او ملاح الروب" المصنوع من الزبادي المخلوط بالبامية الجافة والفول السوداني، ويعتبر ادام الروب قاسما مشتركا ووجبة تراثية بين مختلف مناطق السودان. يذكر ان اهل دارفور يتناولون الذرة، ولايقدمونها للضيف، ويعتبرون تقديمها للضيف نوعا من الاهانة. أما المُلاح: أو الإدام الذي يؤكل مع العصيدة؛ فهو أصناف، أشهرها ملاح " الروب " ويُصنع من اللبن الرائب، و" الكَوَل " وهو نبات يُدفن تحت الأرض لفترات طويلة ؛ ثم يُعالج بطريقة خاصة ليُطبخ وحده أو مع "الويكة" وهي البامية المجففة المسحوقة أو يُضاف إلى ملاح آخر. وهناك ملاح " المِرِس " و" التقلية " وملاح السمك المجفف، أما ملاح "الدودري" فهذا طبق لاتعده إلا الماهرات من النساء، حتى أن المرأة التي تجيد صناعته يطلق عليها لقب " الميرم ". ولاتختلف مشروبات المائدة الرمضانية في دارفور عن مختلف الموائد في انحاء السودان الاخرى، خاصة الحلو مر او "الابري"، وعصير العرديب والقنولقيس، والقضيم وهو مشروب محلي مدر للدم حسب اعتقاد السكان المحليين، وينصح المرضي ضعيفي الدم بتناوله لرفع معدلاته، بالاضافة الى عصائر الفواكه مثل الليمون والبرتقال التي تشتهر مناطق جبل مرة بانتاج اشهر انواعه في العالم"البرتقال ابو صرة ". وفي السحور يتناول الصائمون في دارفور "العجينة" التي تصنع من الماء المغلي والزبادي"الروب" مضافا اليها السكر ويتناول اهل دارفور افطارهم في الساحات الخارجية المجاورة لمنازلهم في جماعات اسوة ببقية انحاء السودان الاخرى الناس يعرف مكان الافطار ب " الضرا "، وليس فيهم من يتناول إفطاره داخل داره، فهم يعدون ذلك عيبا كبيرا. ومن البخل عند أهل دارفور أن يعود المرء بالصينية "الاناء الذي فيه الطعام الى الضراء " إلى داره وبها شيء من الطعام. ويأتي رمضان هذا العام وجزء كبير من الدارفوريين المعروفين بالكرم والجود يقبعون في معسكرات النزوح بسبب الحرب التي شردتهم عن قراهم وتنظم الجمعيات الخيرية القطرية افطارات ضخمة في معسكرات النازحين في دارفور تخفيفا لحجم معاناة سكان الاقليم، بجانب تقديم معونات غذائية وخدمات للمعسكرات تعين الصائمين. ودرجت المنظمات الخيرية القطرية على تنظيم الافطارات في ولايات دارفور المختلفة طيلة الشهر الفضيل لافطار معسكرات باكملها. نيالاوالفاشر رمضان في مدينة نيالا له نكهة خاصة.. فإقليم دارفور عموما معروف عن أهله اهتمامهم بالقرآن وحفظه، وبالعلم ودرسه.. حتى كان يقال " الما قرأ ابن عاشر ما يخش الفاشر " بمعنى أن الذي لم يقرأ متن ابن عاشر في الفقه المالكي لا يجوز له أن يدخل مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور. وأهل دارفور أهل تاريخ عريق، وعادات وتقاليد تتميز بالعمق في تمثل خبراتهم في شتى جوانب الحياة.. كما أن طبيعة المرحلة التي يمر بها الإقليم بسبب الحرب وما ترتب عليها من نزوح إلى المدن الكبرى يجعل من رمضان هذا العام ذا طعم مختلف.. ويلقي على عاتق المسلمين مسؤولية جسيمة تجاه إخوانهم في هذا الجزء من العالم. ويأتي رمضان هذا العام في اعقاب سلام دارفور في الدوحة وتسلم سلطة دارفور الاقليمية لزمام الحكم في الاقليم. وافرز سلام دارفور واقعا معاشا اكثر امنا من السابق مما حفز الكثير من الدارفوريين على العودة الى قراهم والانخراط في نمط حياتهم الطبيعة وممارسة انشطتهم الحياتية المعتادة قبل الحرب. وتبنت المنظمات الخيرية القطرية بدعم من الخارجية القطرية. ووصل وفد قطري خلال الفترة الماضية الى السودان للشروع في تنفيذ مبادرة تنمية دارفور والمشاريع المستدامة. يذكر أن المنظمات القطرية الإنسانية تعتزم تنفيذ مشروعات تهدف إلى توطين وتوفير الخدمات الأساسية وإقامة المستشفيات لتقديم العلاج للنازحين تشجيعا للعودة الطوعية للدارفوريين. وبدء حياتهم الطبيعية في مناطقهم الأصلية. الشرق