بعد 23 عاماً من الحكم الشمولي، و13 سنة علي تصدير البترول، هاهو النظام يعلن علي رؤوس الأشهاد عن فشله الإقتصادي، وهاهي المؤشرات تنبئ عن أزمة شاملة تضرب مفاصل الاقتصاد. وتزداد الأزمة عمقاً لأن السياسات أو القرارات التي كانت سبباً فيها مستمرة ، فالتضخم المنفلت يريد النظام كبحه بالمزيد من رفع الأسعار، والجنيه الذي يتهاوي أمام الدولار تُخفض قيمته بشكل كبير، والإنفاق الحكومي يتصاعد في مواجهة إيرادات تتناقص، وتتصاعد بالطبع معدلات الفساد ونهب الأموال العامة وخصخصة المؤسسات الحكومية، والحال هكذا فإن الضائقة المعيشية تشتد، والمجاعة تتمدد علي طول البلاد، والفقر يتسع وليس أمام الغالبية العظمى من الناس، سوي الثورة علي هذه الأوضاع السياسية والاقتصادية التي أوردت بلادنا موارد التهلكة. غلبة الإنفاق الجاري على التنمية، واستيلاء المركز على معظم موارد الميزانية تأتي كنتاج للطبيعة الاجتماعية لنظام الحكم، والأجهزة والهياكل المستمدة من هذه الطبيعة. أجهزة القمع من جيش وأمن وشرطة باتت تشكل القوام الرئيسي لجهاز الدولة ومنها يستمد النظام الشمولي بقاءه، مما يجعل الاتفاق بسخاء على هذه الأجهزة شرطاً لازماً لحراسة النظام الحاكم وترسانة قوانينه وممارسته السياسية والاقتصادية، وكل ما من شأنه خلق البيئة الملائمة لثراء المسؤولين ورموز الشريحة الاجتماعية الحاكمة وأفرادها، بما يضمن إعادة إنتاج سيطرتها وتمدد نفوذها. إضعاف القطاع العامِ سياسات الخصخصة وتفكيك أوصال قطاع الدولة في كل القطاعات الاقتصادية وتحويل ملكية الوحدات المملوكة له بأشكال مختلفة إلى ملكية القطاع الخاص الأجنبي والمحلي وأيلولة عدد من هذه الوحدات إلى منظمات حزبية وأفراد من الحزب الحاكم من دون مقابل، وتصفية ونهب ممتلكات عدد آخر من هذه الوحدات هي السبب الرئيس الذي يضعف قطاع الدولة والهيئات والشركات الحكومية ويحول دونها وأن تكون رافداً حقيقياً لإيرادات الخزينة العامة، وتكفي الإشارة إلى ما آل إليه حال مشروع الجزيرة وهيئة سكك حديد السودان من السياسات الحكومية تجاهها. وفي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على إزالة قطاع الدولة من خريطة اقتصاد البلاد بالبيع والأيلولة والتصفية والإهمال والنهب، فإنها تدعم قيام شركات مجهولة الهوية بواسطة الأجهزة الأمنية لا تساهم في رفد الخزينة بأية إيرادات، كما تساهم في رؤوس الأموال. هذه الميزانية رصدت 812 مليون جنيهاً كمساهمة في رؤوس الأموال، علماً بأن العائد المتوقع لا يتجاوز ال119 مليون جنيهاً، ويعتبر هذا العائد ضئيلاً للغاية بالمقارنة مع ما دفعت وظلت تدفعه هذه الحكومة تحت مسمى المساهمة في رؤوس الأموال سياسات الدولة الرامية إلى إضعاف قطاع الدولة من ثم تفكيكه؛ تؤكد أن مشاركة الحكومة في رؤوس الأموال الهدف من ورائها ليس رفد الخزينة بإيرادات حقيقية إنما تسخير موارد الدولة لتوسيع دائرة الملكية الخاصة. إذ تبدأ هذه العملية بالمشاركة في رؤوس الأموال وتنتهي ببيع نصيب الحكومة إلى أفراد أو جماعات محلية أو أجنبية تنتمي إلى الشريحة الاجتماعية التي يرتكز عليها النظام الحاكم أو جهات أجنبية تتحالف معه من جماعات الإسلام السياسي ودوائر الأعمال المرتبطة به. هذا علماً بأنه وعلى الرغم من استمرار سياسة الخصخصة فإننا لم نلحظ أي عائد من جراء بيع وحدات قطاع الدولة أو أسهم الدولة في شركات أخرى ضمن إيرادات أية ميزانية بل العكس من ذلك حيث يظهر الإنفاق السنوي على اللجنة الفنية للتصرف في مرافق القطاع العام ضمن الصرف الجاري في كل الميزانيات السنوية لحكومة الإنقاذ!!. تعويضات العاملين : الصرف المتزايد في هذا البند و الذي لم يعد يعترض عليه صندوق النقد الدولي، يعود في المقام الأول إلى سعي نظام الإنقاذ المتواصل للتوسع في الأجهزة العسكرية والأمنية والشرطية، وكذلك في القطاع السيادي والصرف عليها بسخاء. هذه الأجهزة تستحوذ على معظم الاعتمادات المخصصة لبند تعويضات العاملين، فتعويضات العاملين في قطاع الدفاع و الأمن والشرطة والقطاع السيادي تشهد زيادة سنوية- مطلقة ونسبية من جراء الزيادة المستمرة في أعداد العاملين فيها وزيادة مرتباتهم ومخصصاتهم، والبيانات أدناه توضح الزيادة في بند تعويضات العاملين لقطاع الدفاع والأمن والشرطة والقطاع السيادي. لأجور والمرتبات الكبيرة التي يتقاضاها شاغلو الوظائف العليا في هذين القطاعين فضلاً عن المخصصات والمزايا النقدية والعينية التي يحصلون عليها، تثقل كاهل الدولة وتبدد مواردها، وفقاً لأحد الباحثين المهتمين بالشأن العام فإن قانون مخصصات الدستوريين للعام 2003م قضى بأن يكون المرتب السنوي لرئيس الجمهورية (520) ألف جنيها ، ومرتب نائب رئيس الجمهورية (490) ألف جنيها ورئيس المجلس الوطني 485 ألف جنيها، أما الراتب السنوي لمساعد رئيس الجمهورية ومستشار رئيس الجمهورية ونائب رئيس المجلس الوطني فتتراوح مابين(390)ألف جنيها و(445) ألف جنيها، أما مرتب الوزير الاتحادي فيبلغ(390) ألف جنيها ورئيس مجلس الولاية(370)ألف جنيها في السنة، أما مرتبات وزير الدولة والوزير الولائي ورئيس اللجنة الدائمة بالمجلس الوطني والمعتمد فتتراوح مابين 325 ألف جنيها (للمعتمد) و345 ألف جنيهأ في السنة لكل واحد منهم. (الصحافة العدد 6611 بتاريخ 25/12/2011م) هذا بالإضافة إلى العديد من المخصصات والامتيازات النقدية والعينية التي يحصل عليها هؤلاء من بينها الصيانة الدائمة والعلاج المجاني لكل واحد منهم ولأفراد أسرهم وتعليم الأبناء على حساب الدولة والسكن المؤقت وتذاكر السفر وفوائد ما بعد الخدمة السخية ....... الخ ، علماً بأن هذا القانون قد تم تعديله في العام 2005م ليصبح أكثر سخاءاً من سابقه تجاه هذه المجموعة من الطفيليين التي تزداد ثراءاً وتراكم الثروة، على حساب فقراء السودان. المرتبات الضخمة ، إلى جانب المزايا الأخرى التي تحصل عليها مجموعة الدستوريين هي التي جعلت وزير المالية ورئيس المجلس الوطني يصران علي ضرورة إجازة الميزانية دون أن يتم تعديل قانون مخصصات الدستوريين للعام 2005م ، ليواصل الدستوريون الاستمتاع بمرتباتهم ومخصصاتهم التي يجيزها لهم هذا القانون المعيب .