لم يجد أبو عبيدة كوراك عناء في توضيح مدى التآلف والانسجام بين المسلمين والمسيحيين في جنوب السودان حيث إن بيته في جوبا -الذي زرناه فيه بشكل مفاجئ- كان عامرا بالشخصيات المسيحية والمسلمة التي جاءت لتؤدي واجبات اجتماعية. وكوراك -الذي ولد في جوبا- ينحدر من أصول شمالية ومتزوج بجنوبية وينشط في مجال التجارة، وهو شخصية معروفة في المجتمع، وتربطه علاقات حميمة مع جيرانه من المسلمين والمسيحيين. ومن الشخصيات التي وجدناها في بيت كوراك ضابط مسيحي جنوبي بالجيش الشعبي جاء يقدم واجب العزاء لقريبته التي توفي زوجها المسلم في بيت كوراك حيث كان يعيش الزوجان. وفي نفس البيت التقينا موظفا في المحكمة وهو جنوبي مسلم متزوج بامرأتين كلتيهما من شمال السودان. وأكد كل من التقيناهم في بيت كوراك على متانة العلاقة بين الجنوبيين وأن كل شخص يزاول طقوسه الدينية بحرية دون مضايقات، مشيرين إلى أن البيت الجنوبي الواحد قد يكون فيه مسلم ومسيحي. ومن مشاهد التعايش التي ذكرها كوراك للجزيرة نت، أن السوق في الجنوب يشهد تعاونا وشراكة في العمل بين المسيحيين والمسلمين. مستقبل العلاقة وعن مستقبل العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في جنوب السودان إذا أفضت نتيجة الاستفتاء المقرر في يناير/كانون الثاني المقبل إلى انفصال الجنوب عن الشمال، أعرب المتحدثون عن توقعهم لاستمرار الود، مؤكدين أن الخلافات بين السياسيين لن تؤثر على متانة العلاقة بين أفراد المجتمع. فقد أكد رئيس الأساقفة للكنيسة الأسقفية السودانية دانيال دين بول على متانة العلاقة بين المسيحيين والمسلمين بجنوب السودان، وأوضح للجزيرة نت -بعد أن صلى قداس الأحد في كاتدرائية جميع القديسين بجوبا- أن البيت الواحد في الجنوب يكون فيه مسيحيون ومسلمون ولا دينيون دون أن يؤثر ذلك على العلاقة الأسرية بينهم. غير أنه أعرب عن خشية من حدوث خلاف بين الجانبين إذا حدث تدخل خارجي في المجتمع، مشيرا إلى أن أي محاولة لإقحام ثقافة أو مفهوم ديني من خارج الجنوب ستكون لها آثار سلبية على علاقات الجنوبيين ببعضهم بعضا. واعتبر أن ما يميز الحكومة المحلية بجنوب السودان أنها "علمانية لا تتدخل في دين الناس وتعامل جميع الناس بالمساواة بغض النظر عن دينهم"، مستنكرا في الوقت نفسه السياسة التي تدير بها حكومة الخرطوم شؤون البلاد، ومعتبرا أنها تضيق على المسيحيين في الشمال. أشكال الانسجام من جهته أوضح الأمين العام للمجلس الإسلامي لولاية الاستوائية الوسطى جمعة تومبي فرج الله -وهو من أبناء جوبا- أن الوئام والانسجام بين مكونات المجتمع الجنوبي مسألة قديمة ومتينة. وبيّن للجزيرة نت أن من أشكال الانسجام داخل المجتمع، المشاركة في المناسبات الدينية من الطرفين مسلمين ومسيحيين، وأضاف أن المسلمين شاركوا في بناء كنائس في جوبا وساهموا بأموال بهذا الشأن ويقدمون العون لإخوانهم المسيحيين عند الحاجة. ورغم الانسجام الذي ذكره فرج الله، فإنه لم ينف حدوث توترات بين الطرفين عبر العقود السابقة، عازيا السبب إلى سياسات حكومية حددها بفترة الرئيس الأسبق جعفر النميري الذي فرض تطبيق الشريعة، وفترة الحكومة الحالية التي قال إنها تعمل على أسلمة الحياة في البلاد. وعن مستقبل العلاقة بين الطرفين إذا تم الانفصال، لم يستبعد فرج الله حصول مشاكل محدودة خاصة إذا عمدت حكومة الجنوب إلى وضع العقبات أمام المسلمين وخاصة في مجال بناء المساجد أو المدارس الدينية. وئام اجتماعي عضو المجلس السوداني الإسلامي المسيحي المشترك الحبر حزقيال كندو أكد للجزيرة نت أن هناك وئاما بين المسلمين والمسيحيين على المستوى الاجتماعي، غير أنه لم ينف وجود مشاكل على المستوى السياسي بين الجانبين. وإذا أدى الاستفتاء لانفصال الجنوب، أعرب الحبر عن خشيته أن تعمل حكومة الخرطوم على زعزعة الوضع في الجنوب وتخريب العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، مؤكدا أن الانفصال إن تم سيكون سياسيا فقط. تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد إحصاءات دقيقة حول نسبة المسيحيين والمسلمين في جنوب السودان، إلا أن الكتاب السنوي للتبشير الصادر عن مجلس الكنائس العالمي أورد إحصاءات عن عام 1981 حول الأديان في الجنوب تفيد بأن 65% وثنيون و18% مسلمون و17% مسيحيون.