بعد أيام من المفاوضات في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وقع رئيسا السودان وجنوب السودان الخميس الماضي اتفاقيات لتأمين حدودهما المشتركة وتعزيز التجارة في خطوة ستؤدي إلى استئناف صادرات النفط وإنشاء منطقة منزوعة السلاح على الحدود المشتركة ،وبالرغم من عدم التوصل إلى اتفاق بشأن جميع القضايا العالقة كترسيم الحدود في عدة مناطق متنازع عليها وأبيي فإن هذا الاتفاق يمثل خطوة هامة لترميم العلاقة الشائكة بين البلدين والتي وصلت ذروة حدتها في شهر أبريل الماضي حين أوشكا على الدخول في مواجهة مسلحة شاملة. وبنظر مراقبين فإن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من المفاوضات سيكون بمثابة حبل نجاة للاقتصاد المنهك للبلدين وسيمنع استئناف القتال بين البلدين الشقيقين، غير ان احد الملفات الثمانية التي تم التوقيع عليها ويعتبر من اهم هذه الملفات هو ملف « الحريات الاربع» الذي اثار جدلاً كثيفا في جولات التفاوض السابقة بعد مواجهته بتعبئة اعلامية مضادة غير مسبوقة لتأليب الرأي العام ضده ولكن امس الاول تجاوز الطرفان هذا الملف بالتوقيع عليه من مفاوضي البلدين بحضور الرئيسين المشير عمر البشير وسلفاكير ميارديت حيث جاء ملف الحريات الاربع في مجلد كامل تناول الاتفاق على حريات التنقل والتملك والعمل والاقامة واقر الاتفاق تكوين عدد من اللجان الوزارية المشتركة لتفعيل تنفيذ الاتفاق والدفع به لبرلمان البلدين للمصادقة عليه ليصبح ساريا بعد ذلك . بيد ان البعض يتشاءم من القدرة على تنفيذه لجهة ان الاتفاق سيواجه بذات الحملة الاعلامية من الجهات الرافضة لتوقيعه مع دولة جنوب السودان وعلى رأسها منبر السلام العادل الذي سيوجه كل امكاناته لاجهاض تنفيذ ذلك الاتفاق مثلما فعل في الماضي القريب عندما استطاع تأليب الرأي العام ضد الاتفاق الاطاري للحريات الاربع في الجولة السابقة للمفاوضات في مارس الماضي وحينها تحدث رئيس منبر السلام العادل في مؤتمر صحفي بانهم في المنبر سيوفرون كافة امكانياتهم المادية والبشرية لافشال ذاك الاتفاق حتى ان احد ابناء الجنوب وفي حالة نادرة استجدى مصطفى التخلي عن أطروحاته وسياساته الداعية إلى طرد الجنوبيين وترحيلهم من السودان وتحريض الحكومة على عدم توقيع أي اتفاق مع حكومة الجنوب، وطلب المواطن والدموع تملأ مقلتيه ترك انتقاد اتفاق الحريات الأربع وعدم تحريض الحكومة على إلغائه وزاد موجها حديثه لمصطفى « عليك الله خلي اتفاق الحريات الأربع يمشي وبعد داك أي مواطن جنوبي يغلط الحكومة ترحلوا» مشيرا إلى أن لا ذنب لهم فيما يجري من سياسات تتبعها حكومة الجنوب وأنهم كبش فداء لسياسات بعض النافذين في حكومة الجنوب، كاشفا عن معاناة يعيشها مواطنو الجنوب خلال رحلة العودة الى الدولة الوليدة. غير ان مراقبين يرون انه ربما تكون الخرطوم وجوبا نجحتا في تجاوز الحرائق المتبادلة بالاتفاق الذي يجعل مواطنيهما مطمئنين على أنفسهم وأملاكهم ومعاشهم، لكن حملة نسف الاتفاق تلك تؤذن بحرائق داخلية، وطبقاً لمحللين، فان الحرائق تظل واردة حال لم يتم حسم عدم توظيف ما يمس الامن القومي في الصراع السياسي، خصوصاً في القضايا الاستراتيجية، بيد ان خبيرا امنيا فضل حجب هويته قلل في حديثه ل(الصحافة ) امس من الحملات التي تستهدف الاتفاقات الرسمية وقال (أئمة المساجد على سبيل المثال ، لا يحددون السياسة الرسمية للدولة مع احترامنا لآرائهم ، لكن المسئولية السياسية والتاريخية والوطنية ملقاة على عاتق الحكومة، كما أن مصلحة البلد هي مسئوليتها). وينأى المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية بروفيسور صلاح الدومة برأيه ويخالف كل من سبقوه، مبشرا بان اتفاق الحريات الاربع الذي وقع ضمن حزمة من الاتفاقات المماثلة سيكون في مصلحة طرفي الاتفاق» السودان وجنوب السودان» وقال في حديثه ل( الصحافة ) امس ان الطرفين سيستفيدان من الاتفاق بالرغم من من ان شكل الاستفادة سيكون مختلفا لدى الطرفين لجهة ان الجنوبيين سيستفيدون من فرص العمالة والخدمات والسلع بينما سيستفيد الشماليون من التسويق لتلك الخدمات والتي بدورها ووفقا للدومة ستمهد الطريق مستقبلاً الى عودة «الوحدة» سواء كانت كلية او جزئية ان تم تنفيذ هذا الاتفاق، ويرى انه وفي هذه الحالة سيكون الشمال هو المستفيد الاول من اتفاق الحريات الاربع وان الجنوبيين في المقابل سيجنون ذات الفائدة من تنفيذ الاتفاق ان حدثت الوحدة لاحقا، لأن الافضل للجنوبيين التقرب الى الشمال بدلا من اثيوبيا ويوغندا وكينيا وتابع الدومة « ليس بالضرورة ان تتطابق الفائده التي يجنيها الشمال وتلك التي يجنيها الجنوب» مشيرا الى ان الكل سيستفيدون من الحريات الاربع خاصة وان الدول تتجه الآن الى الاتحاد بينما نتجه نحن في السودان وجنوب السودان الي التشرزم واضاف ان الطرفين لم يعرفا قيمة بعضهما البعض الا بعد الإنفصال .ويرى الدومة ان عمالة الجنوبيين التي يوفر لها الاتفاق تواجدا دائما بالشمال هي افضل لنا في السودان من العمالة «الاثيوبية والبنغالية»، مشيرا الى ان الحريات الاربع حسب رؤيته اولى ان تطبق مع الجنوبيين وليس مع المصريين ، مشيرا الى ان الفائدة ستكون اكبر حال تطبيقها مع جنوب السودان لان السودان حينها سيكون اكثر خبرة من الجنوب في تطبيقها وسيجني فوائد جمة من الاتفاق مثلما فعلت مصر مع السودان في تطبيق ذات الاتفاق حيث كانت هي المستفيد الأكبر منه. الصحافة