حزب الأمة القومي: يجب الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه بين كباشي والحلو    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    الفنانة نانسي عجاج صاحبة المبادئ سقطت في تناقض أخلاقي فظيع    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الأمم المتحدة: آلاف اللاجئين السودانيين مازالو يعبرون الحدود يومياً    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    ((كل تأخيرة فيها خير))    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إمام الأنصار يقلب صفحات ثورتي نوفمبر و «21» أكتوبر
نشر في الراكوبة يوم 23 - 10 - 2012

ثورة 21 أكتوبر 1964 في السودان لم تكن حدثاً عادياً، لأنها مثلت أول انتصار لجماهير عُزل على نظام عسكري في كل القارة الأفريقية، وما أعقبها كان نظاماً ديمقراطياً تعددياً بالمفهوم الأوربي الغربي.. ولأنها كذلك كان من حق هذا الجيل الذي لم يشهد الأحداث معرفة كل الأسرار والخلفيات والتحركات التي أدت الى سقوط نظام عسكري قوي قابض على السلطة بقوة.. الإمام الصادق المهدي لم يكن ضمن المشهد السياسي آنذاك، ولكنه كان في البيت الذي احتضن حزب الأمة المتهم بأنه كان خلف تسلم العسكر للسلطة في السودان في نوفمبر 1958م، وهو نفس الحزب الذي كان أول من صادم حكومة عبود وهذا الا نتقال من التأييد الى المعارضة ثم المشاركة في ثورة اكتوبر يحوي فصول صراع مثير، وليس هناك أنسب من الإمام الصادق المهدي الذي كان في قلب تلك التطورات ليقدم لنا تفسيراً:
حكومة نوفمبر بقيادة عبود أدت الى ثورة اكتوبر كيف جاء عسكر نوفمبر؟ يقال إن حزب الأمة أتى بهم؟
- حقيقة انقلاب 17 نوفمبر من أسبابه خلافات داخل حزب الأمة حول اتحاده مع الشعب الديمقراطي، الذي تقوده طائفة الختمية أم مع الحزب الوطني الاتحادي الذي يقوده الزعيم اسماعيل الأزهري، وأيهما يقود لاستقرار البلاد، وهذا الطرح خلق تيارين داخل حزب الأمة تيار يقوده رئيس الحزب السيد الصديق ويرى أن الاستقرار في البلاد يتحقق من خلال تحالف الأمة والوطني الاتحادي.. أما التيار الآخر بقيادة عبد الله خليل فيرى أن يواصل حزب الأمة في الائتلاف مع الشعب الديمقراطي، ومن نتائج ذلك أنه أصبح هناك عدم استقرار مع من سيكون الائتلاف!! السيد عبد الله خليل رأى أن الأحزاب مختلفة وغير قادرة على الاتفاق وكتابة الدستور، لذلك رأى أن يسلم السلطة للقوات المسلحة لفترة وجيزة، حتى يكتب الدستور.. ثم عرض الأمر على المجلس الإداري والذي بدوره عرضه على المجلس القيادي للحزب، والذي رفضه، وقد كان المجلس مكوناً من 15 عضواً السيد الصديق رئيس الحزب، والسيد عبد الله حسين سكرتير الحزب، وأمين التوم، وعبد الله خليل، وجميعهم رفضوا تسليم السلطة للقوات المسلحة، وكانوا يرون أن تسلمها للسلطة غير معروف العواقب.
ما قرأناه أن سكرتير حزب الأمة السيد عبد الله خليل سلَّم السلطة للفريق عبود، فهل يعقل أنه فعل ذلك دون موافقة القيادة الدينية للحزب؟
-الوالد السيد الصديق كان قد ذهب في خطوات اتفاق مع الزعيم الأزهري، ذهبت الى مدى بعيد جداً، وحسب الاتفاق كان البرلمان سيطرح الثقة في حكومة رئيسها عبد الله خليل، ويغيرها بحكومة أخرى تأتي ائتلافاً بين الأمة والوطني الاتحادي، ويكون رئيسها الزعيم الأزهري.. السيد عبد الله خليل رأى أن يقطع الطريق ويسلم القوات المسلحة السلطة، وهذا الأمر لم يكن ليكتمل لولا سفر الوالد الى خارج السودان.. حيث كان يعتقد أن الأمور تسير بصورة طبيعية، وعندما سمع بما حدث قطع رحلته وعاد الى السودان ولكن (قد سبق السيف العزل) كان يرى أن هذا الانقلاب موجه ضد حزب الأمة في المقام الأول، لأن حزب الأمة كان يسير في اتجاه آخر وهو قيام حكومة ائتلافية جديدة.
أين كنت آنذاك وما هو دورك في هذه الأحداث؟
-أنا في ذلك الوقت كنت موظفاً في المالية، ولم يكن لي دور سياسي في أجهزة حزب الأمة، وكنت بعيداً عن أجهزة الحزب- ودخلت الحكومة- كنت بالمنزل أثناء هذه الأحداث، حيث اتصل بي الوالد السيد الصديق من الخارج وطلب مني أن استقبله بالمطار، ولم يكن في استقباله شخص وفعلاً ذهبت لاستقباله بالمطار، وعندما قابلني قال لي «دا شنو دا» وكان مندهشاً جداً جداً لما حدث، فقلت له نحن كلنا مندهشون ورافضون لكن الحصل- أهوكدا- فسألني أين الإمام؟ ويقصد عبد الرحمن المهدي رددت عليه بأن الإمام بالسرايا في الخرطوم، فطلب مني أن أصطحبه إليه- الإمام الصديق كان من أكثر الأبناء طاعة لوالده، وعلاقتهما نموذجية، لكن ما حدث هذه المرة هو أن دخل الإمام الصديق مع والده الإمام عبد الرحمن وهو في مجلس من «الناس»، وقال له قبل السلام «دا شنو دا السويتوهو دا»!! وأضاف «مافي سبب يخلينا حاجة في يدنا نديها غيرنا» الإمام عبد الرحمن يبدو لي أنه لم يكن متابعاً، لأنه أصدر بيان تأييد في ظل اعتقاده بأن الأحزاب غير قادرة على إجازة الدستور، وأن هذا الاجراء سيكون حلاً لما تعانيه البلاد لكن الشاهد أن موقف حزب الأمة كان واضحاً ورافضاً، وقد صوت 13 عضواً داخل مجلس قيادته من 15 عضواً، كان رأيهم أن لا يكون هناك اي تفاهم مع القوات المسلحة .
كيف انتهى الصدام بين والدك ووالده الذي أيد الانقلاب؟.
-هذه كانت أول مرة يحدث فيها كلاش صدام بين الأب وابنه، وما حدث هو أن الإمام عبد الرحمن أخذ ابنه ودخل به الى الداخل، وهدأ ثورة الوالد وخرج الوالد وقال: (نحن يجب أن ننهي هذا الوضع الشاذ)، كان ذلك في 18 نوفمبر.
ما هو موقف ضباط الجيش الذين ليست لهم علاقة بعبد الله خليل من تسليم خليل السلطة للذين نسق معهم؟
-الطريقة التي تكون بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم تكن مرضية لعدد من الضباط، وذلك لأنها لم تستوعب عدداً من الضباط «السناير» ضمن تشكيلة المجلس العسكري إضافة الى وجود شبهة اتفاق ضباط مع عبد الله خليل، ولذلك ما حدث هو أن اتفق قائدا القيادة الشمالية والشرقية وحضرا وطوقا المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقالوا هناك أفراد رتبهم ليست عالية دخلوا لازم يطلعوا، واللذين قادا الحركة في الظاهر هما الفريق عبود وأحمد عبد الوهاب، وهو رجل عبد الله خليل، وكان يرى أنه لابد من معاقبة الضباط الذين فعلوا ذلك ويقدموا الى محاكمة، ولم يتفق معه الآخرون، وفي ذلك شعر بأن الاتفاق مع حزب الأمة لن يتم، وإن الضباط الذين قاموا بذلك فعلوه حتى يتم إقصاء أي شخص مقرب من عبد الله خليل، بعد ذلك وبعد هذا الحديث في سنة 1959 شهر مارس انتقل الإمام عبد الرحمن المهدي إلى جوار ربه - والذي شعر بخيبة أمل شديدة- وكأنه يحمل شيئاً جاء بالضرر على البلاد.
هل تعتقد بأن الإمام عبد الرحمن شعر بالندم؟
-«أيوا..أيوا» مؤكد وقد أثر ذلك على صحته، وكان متأثراً جداً لأن توقعاته تبددت، وذلك بعد أن قطع الانقلاب داخل الانقلاب أي اتصال بعبد الله خليل، أو أي جهة سياسية، وقد شعر بالندم في أيامه الأخيرة، وأصبح يردد أنه ندم على تأييد شيء غير مضمون العواقب.. المهم هو انتقل في مارس وأصبح الإمام صديق خليفته والذي اعتبر أن مهمته هي تنفيذ القضاء على النظام العسكري.
ما هي أولى خطوات الإمام الصديق في اتجاه عودة الديمقراطية إذن؟
-قام بتكوين جبهة اشتركت فيها كل الأحزاب السياسية وانضم اليهم عبد الله خليل، وضمت الحزب الشيوعي وكل الأحزاب الموجودة في الساحة.. حيث قدموا مذكرة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، طالبوا فيها القوات المسلحة أن تعود الى ثكناتها وتعود الديمقراطية، ونتيجة لذلك اعتقل كل الذين وقعوا على المذكرة عدا الإمام الصديق، وتم ترحيل المعتقلين الى جوبا.
لماذا لم يتم اعتقال الإمام الصديق؟
-(ما اعتقلوه(
هل تذكر أسماء المعتقلين من قيادات الأحزاب الأخرى؟
-أذكر منهم.. عبد الله خليل، ومبارك زروق، وزعماء الأمة، والاتحاديين والشيوعيين.
ما الذي حدث بعد ترحيلهم لجوبا؟
-برأيي أنه منذ ذلك الوقت تصاعد الموقف الرافض للنظام، وظهرت أنشطة كثيرة جداً في كل المناسبات والأعياد العامة، حيث أصبحت هناك خطب رافضة للنظام وتنادي بعودة الديمقراطية، لكن حدث شيء وهو أن المولد الشريف الذي صادف شهر اكتوبر 1961م، وكانت هناك تعبئة شعبية كبيرة جداً ومنبر للأنصار، كان به تجمع كبير جداً، وخطب ضد النظام وما حدث في ذلك اليوم هو أن هجموا على الناس وقتلوا 12 وجرحوا بعضهم وقتل البوليس أشخاصاً، وهذا أكثر ما حزّ في نفس الإمام الصديق الهجوم على مدنيين لا يملكون سلاحاً، وهذه الأحداث بالمولد كانت سبباً أساسياً في «الذبحة» التي أدت الى وفاة الوالد.
متى توفي الوالد بالضبط؟
-بعد شهرين فقط من هذا الحادث، وتوفي في هذه الغرفة وقال وصيته بها، وقال كلاماً واضحاً جداً فيما معناه إنه لا مطلب خاص لنا وإنما نطالب بحريات الجماهير، وقد أملاني وصيته وهي الحرص على حريات الناس واستمرار الديمقراطية.
كم كان عمرك في ذلك الوقت ما هو دروك بعد وفاة الوالد؟
-25 سنة وأملاني هذا الحديث ووصاني على الأنصار، ولكن ما يهمنا هنا هو أنه ترك وصية بإزالة النظام واسترداد الحريات وعودة الديقمراطية في السودان، وهذه الوصية معلقة في رقابنا جميعاً، بعد ذلك استمرت الجبهة الوطنية التي كونها كل الزعماء ولكن لم تحدث مواجهة بيننا والنظام برغم أننا في الندوات والأعياد دائماً ما كان يتشكل موقف شعبي ضد النظام.
يقال إن مشكلة الجنوب كان لها دور أساسي في انفجار اكتوبر فما هو هذا الدور في تقديرك؟
-مشكلة الجنوب هناك من يؤرخ لبدايتها مع تمرد توريت 1958 لكن بعد أحداث توريت تمت معالجتها وانتهت باستيعاب الجنوبيين في الحكومة ومجلس السيادة، لكن عندما وقع انقلاب 1958 لم تكن هناك أي أحداث مواجهة عسكرية بالبلاد، وكانت مؤمنة من جميع الاتجاهات، ولم تكن هناك أي مشاكل بجنوب السودان، واذكر أنني طفت بالجنوب بمديرياته الثلاث مع والدي، لم يكن هناك أي «حتة» فيها تمرد، ولكن ما حدث هو أن هناك عاملين أديا الى الحرب الأهلية الأول.. أن الجنوبيين كان لهم وجود سياسي في الحكومة الديمقراطية وممثلين في البرلمان وأعضاء في الحكومة ومجلس السيادة، طردوا بعد ذلك بحل الأحزاب ومجلس السيادة، ولم يبقَ لديهم سوى ممثل واحد في الحكومة هو سانتينو دينق.. وفي السابق كان لديهم وزيران على الأقل في الحكومة، وعضو بمجلس السيادة، وثلث البرلمان.. إضافة الى أحزابهم السياسية.
لكن هناك عملاً قامت به الكنيسة ودول الجوار لغرس أول بذور التمرد في الجنوبيين؟
-الكنيسة جاء دورها بعد أن طرد الجنوبيون من الحكومة.. والجنوب لا يسمح بقطاعات خاصة لاستيعابهم، وبذلك أصبحوا بلا عمل فلجأوا الى دول الجوار مثل الكنغو ويوغندا.. حيث كونوا هناك (سان) (Sudan African
Union) وهذه أول بذرة
للحرب الأهلية، وقبل ذلك لم يكن هناك تخطيط لعمل ثوري ضد الحكومة في الخرطوم، إضافة الى عامل آخر هو أن الذين اشتركوا في تمرد 1955 واعتقلوا وحوكموا وكانوا موجودون بالسجن، اطلق عبود سراحهم عندما كان مغادراً الى أديس أبابا ملبياً دعوة لحضور الجلسة الأولى لتكوين منظمة الوحدة الأفريقية في 1963م، فرأى أن يطلق سراحهم كإبداء لحسن النوايا، لكن هذا العفو لم يتبع باستيعاب لهم في هذا النظام، معروف في هذه الحالة D.D.R وتعني تسريح ونزع سلاح وإيجاد حياة بديلة، وكل ذلك لم يفعله عبود يعني «فكوهم عكس الهوا».. عدد منهم ذهب الى كمبالا والكنغو وبمساعدة من الحركة التبشيرية كونوا حركة الأنانيا، وهذه هي أول بداية للحرب الأهلية 1963 وليس 1955.م.
ü ما قصة كتابك حول مسألة الجنوب هذه الذي كان سبباً في اعتقالك؟
-ما حدث أنه في هذه المرحلة بدأت اسرائيل تتدخل وبدا الجنوب يجد المساعدات هنا في الخرطوم، بدأوا في التفكير ضد هذا الموقف، ومن الاجراءات التي قاموا بها هي الأسلمة والتعريب، ومن ضمن اجراءات الأسلمة التي قامت بها الحكومة تغيير عطلة الجنوب من الأحد الى الجمعة، ولكن المسيحيين لديهم قدسية ليوم الأحد، خاصة وأن ذلك تم في وجود عدد كبير من المبشرين وحركاتهم، الذين استنكروا هذا الأمر وبدأ التوتر، فقامت الحكومة بطرد القساوسة الأجانب.. على الجانب الآخر كانت الكنيسة العالمية تحتضن الجنوبيين بالكنغو ويوغندا، في ذلك الوقت قمت بتأليف كتابي بعنوان «مسألة جنوب السودان» حيث قلت فيه إن هذه المشكلة ليست أهلية تحل بالاجراءات الأمنية، بل هي مشكلة تتناول جانباً سياسياً واقتصادياً وثقافياً.. إضافة الى مظالم ويجب أن تكون هناك حريات لمناقشة حل سياسي وليس عسكري، كتبت هذا الكتاب في أبريل 1964 وما حدث هو أن تم استدعائي من وزير الداخلية في ذلك الوقت وهو أحمد نجومي البحاري لمقابلته في المكتب، ودار بيننا هذا الحديث.
ماذا قال لك وزير الداخلية ؟ وماهو ردك عليه ؟ و هل تم اعتقالك أم أنهم تركوك؟
دخلت لمكتب الوزير فقال لي هذا الكتاب معادي للثورة «الحكومة» ويفتح ثغرة كبيرة، وهذا الكتاب «غلط».. والآن الحكومة كلفتني لاخبرك أنها لا توافق على هذا الخط، ولولا أننا لا نريد تصعيد الأمور كان من المفترض أن «نعتقلك».. ولكننا ننبهك على أن هذا الإتجاه «خطأ» فرددت عليه بأن هذا الاتجاه صحيح وهذا رأيي.. وعلى أية حال إذا أردتم اعتقالي أم لا.. فهذا رأيي.. دار هذا الحوار بيننا وخرجت من مكتبه دون أن يعتقلني، لأنه كان قدر الأمور عند هذا الحد، وهذا دليل على أن «جماعة» انقلاب 17 نوفمبر عقلاء جداً بالقياس على من أتوا بعدهم من مايويين والإنقاذ فهم يتحسبون، وليسوا كما يفعل هؤلاء «ديل عندهم خرق» ينفذوا ثم يفكروا، ثم خرجت، وبعد ذلك أصبحت قضية الجنوب قضية رأي عام، وأصبح هناك نشاط داخل جامعة الخرطوم حول ما هو المستقبل لحل مشكلة الجنوب؟.
لكن حسب ما قرأنا في تاريخ الثورة فإن الترابي هو أول من أشعل شرارة قضية الجنوب، والتي قادت لأكتوبر بندوة بجامعة الخرطوم؟
- طلاب جامعة الخرطوم قدموا دعوة لحسن الترابي، وقد كان في ذلك الوقت عميد كلية القانون ليحاضرهم في موضوع قضية الجنوب تقريباً. الترابي قال «نفس الكلام الأنا قلتو في شهر ابريل في اكتوبر»، حيث قال إن المشكلة لن تُحل إلا بتوفر الحريات لمناقشة القضية سياسياً، لكن الفارق هنا في كون الترابي قال ذلك في تجمع طلاب، بينما كتبته أنا في «كتاب».. الكلام دا» خلق رأياً عاماً داخل الجامعة، ندوة الترابي انتهت بسلام، بعد ذلك الطلاب أقاموا ندوة ثانية حول قضية الجنوب في داخلية «البركس»، وكان ذلك نتيجة الموقف المعارض الذي تشكل.
الموقف المعارض تشكل بعد ندوة الترابي إذاً؟
- أصلاً كان هناك موقف معارض عندما انتقل الإمام الصديق الى رحمة مولاه، وحضر الطلاب مشهد تشييع الجثمان وهم يهتفون «نحن أقوى منكم قسماً سنحاسبكم» وذلك يعني أن الإمام الصديق «دق المسمار الأول» بأن هذا النظام ليس لديه شرعية.
نعود إلى الندوة الثانية بداخلية «البركس» ما الذي حدث؟
- ما حدث أن الحكومة أرادت أن توقف هذا التيار المعارض فجاءوا وفضوا الندوة بالقوة، وفي رأيي أن البوليس قام بدور غبي جداً، لأنه إذا كان بنيته تفريق الطلاب فلا حاجة لاستخدام السلاح وتوفي اثنان، منهم الشهيد أحمد القرشي طه.. أما الترابي وأحمد عبد الحليم كأساتذة بجامعة الخرطوم كانا متابعين لهذا الموقف عن قرب وكذلك نحن كنا متابعين، وذهبت وزرت الجرحى في المستشفى، ثم طالبنا بتسليمنا جثمان أحمد القرشي طه ورفضوا تسليمنا إياه، ولكنهم وافقوا على أن يسلموه للأساتذة لأننا علمنا أنه سيدفن في «القراصة» وهي قريته، وبقي لنا أن نشيعه من المشرحة إلى منطقة الخرطوم جنوب، وفعلاً تحركنا في موكب كأنه مظاهرة.
الإمام الصادق المهدي هو من صلى على القرشي ماذا بعد ذلك؟
- فعلاً طُلب مني أن أصلي على «الجثمان» وهذه كلها إجراءات ضد القانون، وبعد صلاتي عليه تم حمل الجثمان على «السيارات» ليتجهوا به إلى قريته، بعد ذلك ما حدث هو أن أصبح الخطباء يتخطبون ضد النظام ولكنها «انتهت» في «مكانها».
المظاهرات والمذكرة التي قدمتها الهيئات والعصيان المدني متى بدأت تفاصيله؟
- أولاً قدم الإمام الهادي مذكرة للرئيس عبود ورفاقه بأن لابد أن يعودوا لثكناتهم، وأن تعود الديمقراطية، ما حدث بعد ذلك قرر الأساتذة والهيئات المختلفة أن يتصلوا بالقضاء والطلاب والمحامين ليقدموا مذكرة تطالب بالتحقيق في أحداث الجامعة، هذا هو المطلب، ولكن ما رفع مستوى الاحتجاج هو بابكر عوض الله رئيس القضاء وعبد المجيد إمام نائب رئيس القضاء اللذان تقدما الموكب، وفي تقديري أن المطلب كان متواضعاً ومحدوداً، إلا أن الحكومة قررت أن تمنع هذا الموكب من تسليم المذكرة وعندما اعترض أحدهم ضابط البوليس أصدر عبد المجيد إمام تعليمات عسكرية للضابط بالإنسحاب، باعتبار أن السلطة التشريعية الأعلى رتبة من البوليس، إلا أن الضابط رفض امتثال التعليمات وحدث صدام بين السلطة التشريعية والتنفيذية.. ما حدث هنا هو أنهم قرروا إعلان الإضراب العام الى أن يستجاب لمطالبهم.
ما هو دوركم كقوى سياسية من هذه الأحداث؟
- نحن كقوة سياسية أعلنا تأييدنا للإضراب العام وأعلنا أنه يجب أن يتخذ الجميع موقفاً، واعتصمنا ببيت المهدي كجبهة وطنية بينما كونت النقابات والهيئات والاتحادات والعمال جبهة الهيئات واعتصموا «بنادي الأساتذة» في الخرطوم، وأصبح بذلك هناك جبهتان.. في أثناء ذلك كانت هناك إضرابات ومظاهرات حتى في الولايات، وأصبح هناك تحرك كبير جداً ضد النظام.
وكيف كان يتعامل النظام مع هذه الاحتجاجات هل كان يطلق الرصاص؟
- نظام عبود في رأيي تصرفاته عاقلة بالنسبة لما يفعل الأسد الآن في سوريا ونميري والإنقاذ في السودان، عندما أصبح هذا هو الموقف العام أرسل لي حسن بشير أخاه طه بشير وهو «حزب أمة» وكانت رسالته لي فيما معناها أن نحضر إليهم في القصر ونعقد إتفاقية.
أرسل لكم كجبهة وطنية أم كحزب أمة لتعقدوا اتفاقاً ثنائياً؟
- أرسل لنا كحزب أمة وطلب منا أن نعقد اتفاقية ثنائية، لكن قلت له إن الموقف لا يتحمل حلاً ثنائياً، ولو كنا انتهازيين كان من الممكن أن نفكر ونتفاهم معاهم لكننا لم نفعل و«مات» هذا الخط بعد ذلك.
يُقال إن هناك أحزاباً كانت تصدر بيانات تأييد للنظام فهل هذا صحيح؟
- في ذلك الوقت كان حزب الشعب الديمقراطي ما زال مع الحكومة وعندما بدت هناك معارضة أصدر شيخ علي عبد الرحمن وجماعة الختمية بيان تأييد للحكومة.
يُقال إنك تقدمت وفداً من الأحزاب لتتفاهم مع عبود بالقصر الجمهوري ما هي تفاصيل ذلك اللقاء؟
- كان واضحاً جداً أن التظاهرات في جميع أنحاء السودان، إضافة إلى وجود جبهتين وضغوط بعض الضباط داخل الجيش على عبود للإستجابة لمطالب الشعب والتي كانت سبباً في أن عبود اقتنع بأنه لابد من إحداث تغيير فعلاً، حل المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمجلس التشريعي والحكومة، «بعد داك بقى داير يشوف يتفاهم مع منو؟».. فأرسل لي اثنين من ضباطه الأنصار هما: الطاهر عبد الرحمن المقبول- وعوض عبد الرحمن صديق- جاءاني في بيت المهدي وقالا لنا نطلب منكم أن تأتونا في القصر الجمهوري لنتفاهم معكم.. في تلك الأثناء سمعت جبهة الهيئات بالخرطوم بأن عبود أرسل لنا، فكونوا وفداً برئاسة بابكر عوض الله وآخرين جاءونا في بيت المهدي فاخبرتهم بما دار، واقترحت عليهم تكوين وفد مشترك، وقد كنت أنا قائداً للوفد- رغم صغر سني في ذلك الوقت- حيث لم يصل عمري ثلاثين عاماً وارسلت لحزب الشعب الديمقراطي وقلت لهم «إدلوا من موقفكم وتعالوا خلاص» «الموضوع دا منتهي» وفعلاً استجابوا وتكون الوفد مني أنا، وبابكر عوض الله، وحسن الترابي، ومبارك زروق، وأحمد سليمان، وأحمد السيد، ممثل جماعة الختمية، دخلنا على عبود وكان معه مستشاره القانوني أحمد العتباني فسألنا عبود «انتو دايرين شنو؟» فتحدثت أنا وقلت له «نحن دايرين القوات المسلحة تعود الى ثكناتها ويعود نظام الديمقراطية بموجب الدستور الانتقالي» الذي «حلوه هم» أدهش ما في الأمر أن عبود سألنا «الدستور الانتقالي دا شنو؟!!».
برأيك هل هذا عدم معرفة بالدستور الانتقالي فعلاً؟
- «عدم» «عِرفة» طبعاً لأن هو دا الدستور «الشرطو» «الانقلابات دي لأنها بتجيء بقفزة ساكت»، أحمد العتباني أدرك أن هذا الموقف محرج، وقال نحن ندرس هذا الاقتراح ونتصل «بيكم تاني» عبود ما عارف الدستور الانتقالي الذي «حلاهو دا شنو» خرجنا بعد ذلك.
ما الذي حدث بعد ذلك هل عاد عبود واتصل بكم؟
- ما حدث هو أنهم قاموا بتكوين وفد تفاوضي آخر من قادة القوات المسلحة، وهذا ما جعلني أؤكد أنه كان هناك ضغط عسكري، وفعلاً التقوا بنا، لكن بدلاً عن القصر هذه المرة كان اللقاء في القيادة العامة للقوات المسلحة، قبل أن نذهب ونتحرك من بيت المهدي هنا طُرح السؤال ما الذي يجمع بيننا كأحزاب سياسية؟... تحرك وفد الإمام الصادق المهدي والأحزاب بعد أن أجابوا على السؤال؟ وجلسوا على طاولة المفاوضات مع وفد عبود من ضباط الجيش.. في الحلقة القادمة ستجدون في الحوار التفاصيل الكاملة لما دار وكيف اشترطت القوات المسلحة بقاء عبود؟!
آخر لحظة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.