أحد اكثر الممثلين جاذبية منذ الانفجار الذي بدأ به حياته المهنية في السبعينات كما انه رمز جنسي عالمي، ريتشارد غير، الذي عادة ما يتلبس شخصية العاشق المغوي في افلامه، اخبرني عندما التقيته في فندق الفور سيزونز في بيفرلي هيلز انه مستغرب كثيرا من كونه ما زال مطلوبا للعمل في السينما. 'صدقا، ليس لدي أي جواب،' الممثل ذو ال63 عاما يتعجب وهو يطرف بعينيه. 'انا مأخوذ بأنني في هذا العمر وما زالت هناك عروض عمل ضمن ادوار العاشق هذه. هذا العقد الخامس من عملي كممثل في فيلم، 6 عقود كممثل عموما، وليست لدي فكرة ما الذي يراه الناس في ادائي التمثيلي'. الممثل الذي ترعرع في المنطقة الشمالية من مدينة نيويورك، والذي كان والده مقاول شركات تأمين وأم ربة منزل بدأ سيرته كممثل في المسرح بداية السبعينات قبل ان يمثل فيلمه الأول في 'تقرير الى المستشار' عام 1975، والذي أتبعه بأدوار رئيسية في في 'ايام الجنة' و'اخوة الدم' (1975). وبعد ان حصل على سمعة سيئة بتمزيق ملابسه على الشاشة، ما لبث غير ان انطلق نحو النجومية مع 'اميريكان جيغولو' (1980)، والذي مثل فيه دور رجل مغرور يمارس الدعارة مع النساء مقابل المال. بعد انحطاط طويل في عمله خلال الثمانينات، حين تراجعت اغلب افلامه تجاريا وانتقدها النقاد، ما لبث الولد الشقي النرجسي ان قام بتحول ليغدو البطل ذا الشعر الفضي المدافع عن البوذية، والثقافة التيبيتية والقضايا السياسية التقدمية. 'حياتي ذهبية، ليست لدي اية مشاكل،' قال بلغة عاطفية. 'العالم مليء بالمشاكل وعلينا ان نهتم بهذه القضايا. يجب ان نتكلم بصراحة ونستمر بالكلام. كنت سعيدا جدا عندما قامت هيلاري كلينتون، التي قامت بلقاءات حديثا في الصين، بذكر التيبيت. واشارت الى الأشخاص الذين يحرقون أنفسهم داخل تيبيت كشكل من اشكال الاحتجاج. هذا شيء مهم جدا بالنسبة لي'. نشاط غير السياسي ليس محصورا بالتيبيت وبنضال شعبها للاستقلال من الصين، بل انه اشتغل على موضوع النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. عندما زار ذلك الموقع المضطرب من العالم، التقى بقوس قزح من الناشطين السياسيين من منظمة الجهاد الاسلامية الى المستوطنين الاسرائيليين، لكن محاولاته لنشر السلام هناك كانت بلا طائل. 'أفكر بهذا كل الوقت. هذا شيء يمكن ان يمضغك ثم يرمي بك' يقول وهو يحرك رأسه بتواضع. الحل الذي يقترحه لهذا النزاع القديم هو البوذية. 'هناك بعض المعلمين البوذيين الذين أقوم برعاية مجيئهم الى اسرائيل والضفة الغربية. على هذا المستوى، هذا يستغرق وقتا طويلا، لكنك لا تستطيع ان ترى هذا النوع من التغيير. انه شيء لا يمكنك ان تضع اصبعك عليه او تكتب مقالة عنه، لكن له تأثير على الجو المحيط واذا كان بامكانك ان تغير الجو المحيط، فان الناس يمكن ان يظهروا بأحسن حالاتهم. من الصعب ان نكون أنفسنا عندما نكون تحت ضغط، صحيح؟' يقول مبتسما وهو يهزّ راسه. قبل سنتين، قام الممثل المخضرم باجازة من حملته لمعالجة المناطق المأزومة في العالم حين تلقى نصا من وكيله عنوانه 'اربيتراج'، عن مدير صندوق استثمار، روبرت ميلر، الذي يقوم اثناء محاولته اليائسلة بيع امبراطوريته التجارية بخطأ ما يجبره على اللجوء الى شخص غير عادي لطلب المساعدة. 'كنت مسافرا من لوس انجلس الى نيويورك. قلت 'عن ماذا هذا النص؟' فقال 'لست مضطرا لمعرفة اي شيء، فقط اقرأه'. وهكذا قرأته على الطائرة والشيء الأول الذي فعلته حين وصلت الى نيويورك هو الاتصال بوكيل اعمالي لأقول له ان النص رائع'. كان هناك عقبة مع ذلك. المخرج، نيكولاس جاريكي، الذي اختار اربيتراج، لم يقم باخراج أي فيلم من قبل. لكن بعد ان عرف أكثر عن المخرج من وكيله، قرر غير ان يدعوه الى بيته في بيدفورد. 'كان ذلك مثل الموعد الأول لك مع امرأة' قال ساخرا وهو يشير الى المخرج الجالس في اقصى الغرفة. 'تحدثنا عن السيناريو وسألني عن اللقطات مع فتاة، فقلت 'أعتقد اننا نستطيع ان نجد أشياء أخرى في السيناريو. اعتقد ان هناك بعض التوتر، هناك بعض الاشياء الغريبة التي يمكن ان نجدها.' وانتهى بنا الأمر بقيامنا ببعض التجارب الارتجالية. لبس تنورة وثوبا وسوتيان، انه لطيف جدا' قال وهو يضحك. من خلال اللعب بالمشاهد ساعد المخرج غير على استخراج التناقضات الاخلاقية في شخصية الرجل، الذي كان عليه ان يكذب على عائلته عن ممارساته غير القانونية واخفاء علاقته الغرامية خارج الزواج كي يحافظ على صفقته المالية. وبالنهاية يقرر ان يجعل الأمر تقليدا لما فعله الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون الذي واجه ورطة اخلاقية مماثلة خلال فترة رئاسته. 'لم يكن لدي اهتمام بلعب دور الشخص السيء القاتم، ولم تكن لدي مصلحة في تمثيل شخصية المحتال العالمي بيرني مادوف لأنه لم يكن يشبهه. مادوف كان شخصا مريضا اجتماعيا بحسب تقييم كل من يعرفه ولم أعتقد ان ذلك كان مثيرا كفاية اذا أردت ان اقول الحقيقة. كنت أريد ان العب شخصية رجل يمكن ان نتعرف فيه على أنفسنا واعتقد ان هذا كان من الاسباب التي جعلت الناس يتقبلونه، كما لو يريدونه ان ينجح، وفي الوقت نفسه يعرفون انه قام بقرارات خاطئة. 'كلينتون هو شخص لم يكن ناضجا عاطفيا عندما كان رئيسا للولايات المتحدة. كان لديه الكثير ليتعلمه بعد لكن بذكاء غير عادي، كاريزما، وشخصية متفوقة. اعتقد ان هذه هي المزايا التي كان عليّ ان أستحضرها في الفيلم'. مثل كلينتون، روبرت ميلر علق في وسط مثلث بين ثلاث نساء قويات: زوجته، التي تتوقع منه الاخلاص، ابنته، التي تعظ الناس بالسلوكيات الاخلاقية، وحبيبته الشابة، التي تطلب منه أن يكون لها وحدها. يعترف غير انه يشعر بالراحة مع فكرة العدالة الجنسية. 'انظر، انا ترعرعت بين 3 أخوات واخ وكن نساء قويات. زوجتي امرأة قوية جدا ومستقلة، ولهذا أنا افضل ذلك. اعتقد ان هذا هو الجانب الشبيه بكلينتون الذي ما زال يريد لامرأة ان تقبله، هذا الأمر الخاص بالنساء، أيا كان' يقول ضاحكا وهو يرمي بيديه في الهواء. غير، الذي رفض عرض اوليفر ستون بتمثيل شخصية مقاول البورصة الشهير غوردون غيكو في 'وول ستريت' عام 1988، تمتع بتجسيد شخصية روبرت ميلر كثيرا بحيث انه يعتبرها من افضل الادوار التي أداها في حياته. لكنه يصر انه لم يكن دوراً يبحث عنه. 'أنا لا أبحث عن شيء محدد' يقول مؤكدا. 'اعتقد انه كانت هناك اوقات في حياتي أحسست فيها انني أيا كان الشيء الذي ابحث عنه فانه لم يكن ينجح لسبب او لآخر. لكنني اتفاجأ باستمرار ان السيناريو يجيء الي بهذه الطريقة. انه مكتوب بطريقة رائعة وهو عن موضوع لم أعالجه بهذه الثقافة والعمق بشكل يتجاوز مسألة استكشاف الصفقات المالية. انه يتصادى بشكل أوسع وأعمق'. لكن النجم يكشف ان النقطة المميزة في هذا الفيلم انه صور قريبا من منزله في نيويورك، حيث يقضي أغلب وقته مع زوجته، الممثلة كيري لويل، وابنهما ذو ال12 عاما هومير. على الرغم من الشعر الفضي الخفيف وانتفاخ في منطقة البطن، فان النجم الذي كان ايقونة جنسية، لم يفقد جاذبيته. وعلى الرغم ان لا مشاريع جديدة تنتظره، فإنه ما زال ممتلئا بالثقة، والرضا والسعادة. معنوياته المرتفعة تتراجع وتتحول الى تواضع عميق حين يتطرق الموضوع الى تراجيديات انسانية وهو ما يشهد على اهتمامه الحقيقي بالآخرين. على عكس ما صدر من تقارير صحافية عن غروره وغطرسته، فإنني لم اشهد وأرى غير شخص لطيف كريم وطبيعي. القدس العربي