تبقت حوالي ثلاثة أسابيع لانعقاد مؤتمر المانحين المقرر في ديسمبر 2012م وحتى الآن، ليس هناك ما يشير إلى إمكانية نجاحه. بل كل الدلائل تؤكد العكس. فالمانحون ربطوا نجاح المؤتمر بدفع الحكومة للإلتزام المالي الذي وعدت به وهو مبلغ 200 مليون دولار، لإعادة إعمار دارفور وفقاً لما جاء في اتفاق الدوحة. ليس ذلك وحسب، بل أن الحكومة عجزت عن سداد المبلغ المتفق عليه لتسيير دولاب الدولة في دارفور. وهو مبلغ مقداره 500 ألف جنيهاً فقط. ورغم ضآلة المبلغ فإنه يتم الاستقطاع منه أحياناً مبالغ كبيرة حسب تعبير د. التجاني السيسي. وهو يقول:(صراحة لولا الدعم القطري لما استطعنا تسيير أمور السلطة) (راجع صحيفة الجريدة – اكتوبر 2012م). ويشكك الكثيرون بما فيهم د. السيسي نفسه من تكرار سيناريو أبوجا، واذا حدث ذلك فعلى السودان السلام. لقد مضى أكثر من عام على الجدول المقرر لتنفيذ الاتفاقية منذ توقيعها وحتى الآن لم يتجاوز التنفيذ 50% من البنود الواردة في الاتفاق. ومالم ينفذ منها – وهو الأهم- له علاقة مباشرة بحياة المواطن، وهو الذي يقرر نجاح الاتفاقية من فشلها. وعلى رأس تلك البنود، وهو تشييد البنية التحتية من مستشفيات ومدارس وخدمات الماء والكهرباء وإعادة تعمير المدن والقرى التي تم دمارها خلال الحرب، واستقرار الأمن و دفع التعويضات العادلة للمواطنين لممارسة حياتهم من جديد في مناطقهم الاصلية التي اقتلعو منها قسراً. هذا هو الذي يسهم في العودة الطوعية للمواطنين ويدفعهم لتعمير دارفور. فالعودة الطوعية لن تتم إلى ديار خربة تنعدم فيها أبسط الخدمات والأمن والاستقرار. فلماذا لا تفي الحكومة بإلتزاماتها؟ إن سلطة المؤتمر الوطني كما قلنا من قبل لا تريد تنفيذ الاتفاقية، بل ترى أن الحل يجب أن يتم عبر الحرب بعد اضعاف الحركات المسلحة في دارفور. وبذر بذور الفرقة و الشتات بينها لتشظيها، وبالتالي يسهل القضاء عليها. وقد فشل هذا الطريق كما دلت التجارب مع اتفاقية سلام دارفور (ابوجا) والتي وصل فيها تقسيم الحركة إلى أكثر من 25 فصيلاً بعد ان كانت في بدايتها فصيلاً واحداً وحركة واحدة تحت قيادة عبد الواحد محمد نور. الآن تمارس سلطة المؤتمر الوطني ذات النهج الفاشل مع حركة العدل والمساواة وتشرع في الثاني والعشرين من الشهر الجاري في مفاوضات مع الفصيل المنشق عنه جبريل إبراهيم رئيس الحركة لتوثيق اتفاق لوقف العدائيات مع الحكومة. وتبدأ عجلة مفاوضات جديدة في اللف والدوران والمساومات لايجاد موضع قدم في السلطة. يؤكد ذلك ما قاله الناطق الرسمي للمجموعة المنشقة على وافي الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري للعدل والمساواة، سنتمسك بحقوق وتعويضات قوات الحركة المصابين والشهداء. مشيراً إلى أن معايير وشروط الحكومة في مسألة إدماج المقاتلين في القوات النظامية قاسية ولا يمكن أن تطبق على مقاتلي وثوار الحركة الذين تعرضوا لكثير من الاصابات والجروح أثناء المعارك ضد قوات الحكومة. ومن قبل انشق أمين إقليم كردفان محمد بحر. وتبعته الآن أمانة الاقليم الاوسط. عكس ما تتوقع سلطة المؤتمر الوطني، فإنها ستواجه بمزيد من المطالب وعلى رأسها تقسيم جديد للسلطة وتعويضات مجزية للمنشقين. كان الأجدر بالحكومة أن تركز جهدها لتنفيذ اتفاق الدوحة اذا كانت جادة حقاً في حل مشكلة دارفور. وصرف المبالغ التي ستقدم للمنشقين الجدد في شكل نقدي أو وظائف الخ، للايفاء بالتزامها نحو المانحين وهي خطوة هامة لاغنى عنها لأ ستقرار الاقليم ودعوة مواطني دارفور من الشتات. ان الاجتماع الدولي الذي عقد يوم الاثنين أمس الموافق 12 نوفمبر 2012م وشارك فيه رئيس السلطة الاقليمة لدارفور د. التجاني السيسي ووفد الحكومة برئاسة أمين حسن عمر، بحضور الممثلين الدوليين لألية مراقبة انفاذ اتفاقية الدوحة لسلام دارفور فرصة مواتية لسداد السلطة لجميع إلتزاماتها والوفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها، إن كانت جادة في تنفيذ اتفاقية الدوحة. فما عاد ضيق الوقت يسمح بالمزيد من المناورات والتلكؤ في مثل هذه القضايا المصيرية. السؤال الذي يفرض نفسع بإلحاح، لماذا هذه المفاوضات المتجددة وقد حدد المؤتمر الوطني مسبقاً أنه لن يرهن سلام دارفور بالاتفاق مع الحركات المسلحة؟ وأكد ذلك د. غازي صلاح الدين عندما كان مسؤولاً عن ملف دارفور ومفاوضات الدوحة في 11 يناير 2011 عن عزم الحكومة إبلاغ الوسيط المشترك للأمم المتحدة جبريل باسولي بأن التفاوض وصل خواتيمه وبدأ الحوار الدارفوري/ الدارفوري. وإن المعنى بالتفاوض هو المواطن الدارفوري وليس الحركات المسلحة. ويمثل هذا التسويف المتعمد ضاعت 6 سنوات من التفاوض الذي وضح فيه أن سلطة المؤتمر الوطني تؤكد عدم جديتها في الوصول إلى حل إلا حسب رؤيتها هي. وليس اتفاقيات السلام الشامل وابوجا والقاهرة والشرق إلا أمثلة باسقة لهذا الاصرار على حنث العهود والاتفاقات. الآن يتضح أن اختيارهم لاتفاق الدوحة وتوقيعهم عليه، وإنهم اختاروا طريق التنمية والاصلاح الداخلي وبدأوا في تنفيذه مجرد كلام والسلام. وإلا لما اشتكى مسؤول الاقليم د. التجاني السيسي عن عدم إيفاء الحكومة ب(50%) من إلتزاماتها لتسيير الدولة، ناهيك عن التنتمية والبني التحتية وتعمير القرى و الاستعداد لعودة من هم في المعسكرات داخل وخارج السودان. إننا نعيد تكرار ما حذرنا منه مئات المرات، إن حل مشكلة دارفور لن يتم إلا بتنفيذ اتفاقية الدوحة. والجدية في تنفيذها على أرض الواقع، أي في دارفور نفسها ليرى المواطن الدارفوري بأم عينيه إن خطوات جادة قد بدأت فعلاً على طريق وضع كل مقومات العودة والتوطين والاستقرار الأمني. هذا هو الذي يقنع حتى حاملي السلاح بأن باباً للأمل لحل أزمة دارفور قد فتح ويضع أهل دارفور بالمشاركة الفعلية في الحل. وفتح الباب أمام قوى المعارضة للاسهام بجدية في وضع الحلول المستدامة لأزمة دارفور. إن وضع هذه القضية القومية بكل تجلياتها وما أثارته من ضجة عالمية في يد حزب واحد بقيادة أحد اليافعين في العمل السياسي مثل أمين حسن عمر ليقرر في مصير شعب بأكمله، يؤكد عدم الجدية في الحل و التنفيذ لما راهنوا ووقعوا عليه. إن مطالب أهل دارفور في الإقليم الواحد والتعويض وحل مشاكل الأرض والعودة إلى مواطنهم الأصلية التي طردوا منها وأسكنت الانقاذ فيها الموالين لها، وحل الملشيات الحكومية وإبعادها المنطقة وغيرها من المطالب، هي ما يجب تنفيذه. وبدون ذلك، أي تطبيق ماجاء في اتفاقية الدوحة فستظل دارفور طاقة مفتوحة على جهنم وتشتعل الحرب فيها من جديد بصورة أكثر بشاعة. وستعلم سلطة المؤتمر الوطني أن الظروف التي فرضت على أهل دارفور النضال من أجل قضاياهم ومطالبهم العادلة باقية، ولايجدي معها بذر الشقاق والفتنة وتشظي المنظمات المسلحة. ثلاثة أسابيع فقط تشكل خطاً فاصلاً بين إيفاء الحكومة بإلتزاماتها ويسهم هذا جزئياً في الحل وبين رفع يد المانحين ويدهم عن الإلتزامات المتفق عليها في اتفاق الدوحة، وينفتح الباب على مصرعيه أمام تطور جديد لأزمة دارفور. الميدان