أعتقد مع كثيرين أن أحمد حلمي هو أمير الظرفاء المعاصرين، وأكثر نجوم السينما المصرية الجديدة بروزا وبهجة وإشعاعا. حلمي كوميديان خفيف الدم، سريع العارضة، غريب النادرة. ليس في أفلام احمد حلمي فراغات، أو مساحات شاغرة من المرح أو المعنى، أو الموجدة، ومع أن الكوميديان محمد هنيدي يمائله في 'الباثوس' أو الروح الكوميدية الصافية، لكن حبكات أفلامه سينمائية نمطية وشائعة، ومتفاوتة المستوى، ومطعمة بحقنات من الوطنية الفجة، التي تصلح للدعاوة والرطانة الوطنية والشعار السياسي أو استدرار التعاطف القومي (صعدي في الجامعة الأمريكية، همام في امستردام) كما أن طرائفه سريعة وخفيفة تحتاج إلى مثبت فكري أو حكائي، وليست مثل مشاهد أفلام حلمي التي تتضمن السرعة والكثافة التي ترشحها لخلود في الذاكرة والوجدان. ويختلف احمد حلمي عن محمد سعد الذي يعتمد على كوميديا افكرية وهيكية التي توصف بالهرج، وتعتمد على الأخطاء المطبعية واللفظبها الممثللغة في الحركة التي تذكر بأفلام السينما الصامتة، إنها كوميديا الفقاعة. أفلامه ضعيفة المضمون وخالية من أي رسالة اجتماعية أو فكرية وهي عموما تحتاج إلى مترجم 'غير فوري' إلى العربية التي ينطق بها الممثل لاعتماده على الهلوسة النطقية. ويبدو الكوميديان أحمد آدم متأخرا وكهلا على لعب ادوار الشاب العاشق أو ضيفا على الفانتازيا المفرطة (معلهش احنا بنتبهدل)، أما هاني رمزي فيعتمد على لعب دور المغفل، وهو دور كوميدي نمطي (غبي منه وفيه)، وتواظب أفلامه على دغدغة الكبت الجنسي العربي من غير إفراط كما يفعل عادل إمام الذي غدا مهنة وحرفة لديه، فهو فحل الكوميديا المصرية والشاشة عموما. يبشر فلم 'بوبوس' بأن النجم عادل إمام - الذي استطاع احتكار عرش الكوميديا في عصر الدكتاتوريات العربية مدة ثلاثة عقود - يمضي إلى ضواحي الأفول (وليس إلى الفلول). كما انه ممثل نمطي (له حركات متماثلة نموذجية يؤديها في كل أفلامه مثل حك خده الأيمن أو انفه)، وقد اقتات كثيرا على ارث مشاهد مسرحياته الضاحكة والناجحة مثل 'مدرسة المشاغبين' و'شاهد ما شفش حاجة' بإعادة استذكارها وتكريرها مثل مشهد (حعيط يا أحمد إلى حعيط يا شبكشي) أو مشهد (ماشخطش أوي اوي مع منى جبر) الذي تكرر في فلم بوبوس مع يسرا النائمة.. وهلم جرا وسحلا وعلكا. يتعفف احمد حلمي عن الابتزاز العاطفي (الجنسي، السياسي، الديني)، والتي هي اثافي شغل امام الكوميدي وعواكيز أفلامه، ويمكن بارتياح ومن غير إحساس بالذنب أو الزكام اعتبار ثلاثة أرباع أفلام عادل إمام 'زيوان' باللغة الشامية، أو 'روبيش' باللغة الانكليزية أو 'روبابيكايا' باللهجة المصرية، ومعظم أفلامه تقع في إشكال 'الاستثناء'، وهي أنها تساوي بين نجومية شخصية بطل الفلم ونجومية عادل إمام، فهو حبيّب السينما الذي تقع الحسناوات في غرامه ليس لوسامته وإنما لظرفه المفترض ضمنا، والمتواطئ عليه بين المشاهد وبين النجم. وكان الكوميديان دريد لحام المتقاعد عن الكوميديا منذ مسلسلات الأبيض والأسود قد أبدى رأيا رصينا في إظهار النجم السينمائي دون جوانيته على الشاشة، قائلا: إذا كنت تريد أيها الممثل أن تتباهى بفحولتك، فمحلها وميدان عرضها سرير البيت وليس الشاشة. ليس في أفلام حلمي قبلات محمومة، أو لحظات اشتباك جسديالديني. فيها شواطئ تتثنى فيها الأجساد (اللابسة من غير هدوم)، لإثارة الجزء السفلي من المشاهد.. وهي تتجنب الهجاء السياسي وتنفر من نقد التطرف الإسلامي الديني . كوميديا االهوامش منصف بأنها كوميديا الأسرة، والأسرة هي كل مصر، وكل العرب، ويمكن بقليل من المبالغة القول انه يمكن عرضها في أفغانستان بعد تعصيب عيون النظارة الكرام بنظارات سوداء. أكتب هذه الهوامش من غير أن أشاهد فلما كاملا لحلمي، فالكهرباء في الكوكب الذي أقيم فيه، تعمل على طريقة (فاصل و..على الله تعود). شاهدت مالفلم جمالياتضعة أفلام، والتي اعتبر أفضلها فلم 'عسل اسود' يليها فلم 'صايع بحر'. في فلم عسل اسود الذي يعتبر مقطعا عرضيا في الروح المصرية، أو ملخصا لمصر، أو رحلة في الوجدان المصري الذي لم تستطع الحداثة وقسوة الحياة إتلافه. عسل اسود قصيدة حنين وعودة حميدة إلى مرابع الصبا والأم والحارة. وهو مشحون بطاقة روحية وعاطفية وإنسانية آسرة، ويندر أن ينجح فيلم يخلو من حواء، فالحسناء ضرورة لشباك التذاكر الذي معظم مذاكروه من الذكور. وهو فلم يجمع السخرية والنسيب في تناغم موسيقي فريد.. يستذكر الفلم جماليات الحياة المصرية (شعائر الدين؛ رمضان وموائد الرحمن، والعيد والفسيخ، والعرف؛ العيش، والزحمة، والتكافل الاجتماعي، وروابط الجيرة، والفهلوة، والخجل العاطفي ..) مع جرعة حنين ضافية وفاعمة، أما فلمه الثاني الذي أفضله فهو 'صايع بحر، فبطله حنتيرة يمثل طائفة واسعة من الشباب المصري والعربي من قبل وبعد، المتعلم والعاطل عن العمل والحب والزواج والأمل. يتسامح المشاهد مع عنصر الإقناع، بشفاعة الضحك في أفلام الكوميديا، فالضحكة يمكن أن تكون رشوة وجسرا تعبر عليه الكوميديا الفقيرة بالمنطق أو العلة. وبالرغم من مفارقات مشاهد فلم 'حسن ومرقص' إلا أنني وجدت الاقتناع صعبا بمشهد تنكر مرقص لدور الشيخ أو حس لدور القس، حتى إذا افترضنا بساطة المصريين، وسذاجتهم، أو خوفهم من الغيب، فالشيخ المتنكر يمكن كشفه بسهولة، أسوق هذا التعليل للقول أن أفلام حلمي مقنعة، والعنصر الكوميدي موظف بعناية فأفلامه تنفر من الكوميديا الباهظة، أو 'الأوفر' (عادل إمام، هاني رمزي، محمد هنيدي..)، وللتدليل على حصافة كوميديا التنكر النسائي على سبيل المثال، نذكّر بمشاهد التنكر النسوي في فلم 'عسل أسود'، وفلم 'جعلتني مجرما'، والذي إذا قورن بتنكر الكوميديين المصريين والعرب بزي النساء يظهر الفارق الكبير، وهو الإطاحة بالسببية في كل مشاهد الأفلام الأخرى (عادل إمام، دريد لحام، سمير غانم، إسماعيل ياسين) تميل أفلام حلمي إلى التوسع العرضاني في الحياة، والحيوية، والغنى الروحي والثراء الاجتماعي، على النقيض من أفلام دريد لحام الأخيرة والتي مدحت كثيرا من النقاد مثل 'التقرير' و'الحدود' فهي أفلام يحس المشاهد معها بالفقر والوحدة والوحشة لإخلاصها لفكرة، حتى تبدو وكأنها نظرية درامية لا شجرة حياة. وهي على النقيض أيضا من أفلام هنيدي التي تميل إلى استثمار مفارقة الحضارة والمدنية( فول الصين العظيم، همام في امستر دام، دبي) وعادل إمام ( عنتر شايل سيفه) و(هالو امريكا) . أما أفلام حلمي فلا تزال في رحلتها والعربية.لى الداخل، كما أنها جريئة في الاقتراب من مواطن درامية ونفسية جديدة ( 1000 مبروك، اكس لارج)، وتنحو إلى البراءة والنبل وتذكرنا بطفولتنا (ميكي وبطوط في اكس لارج). احمد حلمي هو شاعر الكوميديا المصرية والعربية. كاتب من كوكب الأرض القدس العربي