البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    افتتاح المعرض الصيني بالروصيرص    أنا وعادل إمام    القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماسرّ الاهتمام الأمريكي بانفصال الجنوب السوداني؟
نشر في الراكوبة يوم 15 - 10 - 2010

ليس السودانيون فحسب هم من يتطلعون بترقب إلى يوم التاسع من كانون الثاني (يناير) 2011، بل واشنطن تعتبر هذا التاريخ علامة فارقة فيما يتعلق بمصالحها بين ملفات الشرق الأوسط المتداخلة. حتى إن البعض يتندر بأن تاريخ الحادي عشر يهم الولايات المتحدة بشكل أو بآخر في إشارة إلى أحداث سبتمبر، التي أفادت منها أيما إفادة.
ويتوقع المراقبون أن يكون الظهور الأمريكي هذه المرة في صورة راعي السلام، الذي يسعى إلى إتمام الاستفتاء دونما أي منغصات حتى يتحقق الانفصال من خلال الاستفتاء بشكل يقبله المجتمع الدولي. ومن جانبها تعلن واشنطن أن عليها دوراً يجب أن تلعبه على مختلف الأصعدة لمنع تجدد المعارك بين قوات الشمال والجنوب، ولا سيما في ظل تصريحات حكومة البشير المحذرة من الولايات، التي سيجرها قرار الانفصال على السودان بشقيها.
وتسارعت وتيرة التصريحات الأمريكية في الآونة الأخيرة داعية إلى ضمان تسهيل إجراء الانتخابات وقبول الطرفين بنتيجته. ويرى المراقبون أن تلك التصريحات تشي بأن انفصال الجنوب يأتي على رأس اهتمامات الإدارة الأمريكية. وتتضاءل بجانب ملف الانفصال ملفات أخرى مثل نزاهة الانتخابات الرئاسية، أو الضغط لتسليم الرئيس السوداني للمحكمة الجنائية الدولية.
وأكد الرئيس الأمريكي أوباما أن إدارته نشطة في مساعي التأكد من إجراء الاستفتاء، الذي ربما يؤدي إلى الانفصال. أما جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي فقد التقى أخيرا سلفاكير رئيس جنوب السودان واعداً إياه بتقدم مساعدات تقنية ومالية لعملية الاستفتاء، وهو ما أكدته تصريحات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية.
أما حكومة جنوب السودان فلا تخفي تقديرها لجهود الولايات المتحدة، متمثلة في الدعم الذي يحصل عليه الجنوبيون من الحكومة مشفوعاً بمباركة الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ومن مظاهر هذا الدعم سماح واشنطن بوجود بعثة تمثل حكومة الجنوب وتقوم بمهام السفارات الأخرى نفسها الكائنة في واشنطن، وذلك بصورة مستقلة تماماً عن سفارة دولة السودان.
ويشير موقع البعثة على الإنترنت إلى أنها تقوم بعملها وفقاً للمادة 46 من الدستور المؤقت لجنوب السودان، الذي ينص على أن حكومة الجنوب ستحرص على قيام علاقات دبلوماسية مع الحكومات الأجنبية، فضلاً عن المنظمات الدولية غير الحكومية. وتهدف إلى الاستفادة في مجالي التجارة والاستثمار وغيرهما من مجالات التعاون.
ولم يكن وجود البعثة على الأراضي الأمريكية مجرد إجراء رمزي، إنما كان تجسيداً لدعم واشنطن الكامل لانفصال الجنوب. وذكرت مصادر أمريكية أن إدارة الرئيس أوباما سارت على نهج إدارة بوش في تقديم دعم مالي كبير لجنوب السودان بما يضمن سير سيناريو الانفصال كما هو مخطط له مسبقاً. وأشارت صحيفة "واشنطن تايمز" إلى أن الدعم الأمريكي للجنوب يصل إلى مليار دولار سنوياً يتم توجيهه بشكل أساسي إلى مجالات البنية التحتية وتدريب رجال الأمن لتكوين جيش مستعد للدفاع عن المنطقة متى استلزم الأمر.
ولم ينف رئيس حكومة السودان في واشنطن طبيعة هذا الدعم المالي، إذ أكد أن حكومة أوباما تضع نصب عينيها هدف التأكيد على انفصال جنوب السودان في 2011. وأضاف أن الانفصال يعني إعمار الجنوب، أما إذا أتت نتيجة الاستفتاء بغير ذلك، فهذا يعني حدوث غش على حد تعبيره ما قد يؤدي إلى حرب ودمار.
ومن الإدارة الأمريكية يبرر الجنرال سكوت جرايشن المبعوث الخاص للسودان الوجود الأمريكي في قضية السودان من خلال الدعم بمختلف أنواعه بقوله: "إن الاستراتيجية الأمريكية تجاه السودان ترمي إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة هي: إنقاذ الأرواح وضمان سلام دائم، وتطبيق اتفاق سلام طويل الأمد، ومنع السودان من أن يصبح ملاذا آمنا للإرهابيين". وأكد - في شهادة أدلى بها أخيرا أمام لجنة إفريقيا الفرعية المنبثقة عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي - أن الإخفاق في تحقيق هذه الأهداف يمكن أن يسفر عن مزيد من المعاناة، ومزيد من عدم الاستقرار الإقليمي أو عن إيجاد ملاذات آمنة جديدة للإرهابيين الدوليين على حد قوله. وأضاف أن الولايات المتحدة لديها التزام واضح ومصلحة واضحة لقيادة الجهود الدولية من أجل تحقيق السلام في السودان.
ولا يقف سقف المصالح الأمريكية عند هذا الحد، إذ إن هناك قوى أخرى مؤثرة في صنع القرار الأمريكي بما يحقق مصالحها. أولاها شركات الطاقة والتعدين التي ترمي للاستفادة من الثروات غير المستغلة الراقدة في باطن أرض الجنوب الذي يوجد فيها 90 في المائة من إنتاج واحتياطي النفط السوداني، حيث يبلغ إنتاج الجنوب حاليا 460 ألف برميل يومياً. وثمة قوى لا يجب إهمالها وهي مصالح الكنائس والمنظمات التنصيرية الأمريكية في جنوب السودان. ويجاهر زعماء تيار المحافظين الجدد المتطرف بأطماعهم التنصيرية في السودان. وعلى سبيل المثال فقد خرج القس فرانكلين جراهام المعروف بعدائه للإسلام بمقال أكد فيه أنه يخطط لإعادة بناء مئات الكنائس التي دمرت في جنوب السودان. وزعم أن هناك حرباً مشتعلة ما سماه "كنيسة المسيح في إفريقيا"!
ويعتبر ملف التعاون العسكري المسكوت عنه الأهم في الدور الأمريكي في سودان ما بعد الانفصال. وتشير التقارير إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية بادرت عقب التوصل إلى اتفاق السلام الدائم بمنح شركة دين كورب DynCorp عقداً قيمته المبدئية 40 مليون دولار للقيام بتأهيل متمردي جنوب السودان وتحويلهم إلى قوات عسكرية محترفة. ولم يكن اختيار تلك الشركة بالأمر المفاجئ, فقد تم منحها عقداً لتقديم دعم لوجيستي لقوات منظمة الوحدة الإفريقية لحفظ السلام في 2003 وقبلها بعامين وكلت بمهمة تسهيل إجراء مفاوضات دبلوماسية بين متمردي الجنوب وحكومة الخرطوم. ومن جانبه يؤكد آل ريجني نائب رئيس الشركة أن أعمال شر كته سلمية ولا تتضمن أنشطة عسكرية، إلا أن مصادر توقعت وجود دوافع خفية وراء تلك الصفقة، وأن هدفه الحقيقي هو تعزيز القدرات العسكرية لجيش الجنوب لإضعاف موقف الخرطوم. ويعرب خبير أمريكي عن خشيته أن تلعب الشركة دوراً أكبر في المنطقة. وبالطبع سيكون هذا الدور غير رسمي على غرار ما حدث في العراق. ويعزز تلك المخاوف وجود عدد من المسؤولين الأمريكيين السابقين في مجلس إدارة الشركة. وهو ما يعطي انطباعاً بأن "دين كورب" تلعب أكبر من مجرد دور شركة، لا سيما أن ما يقارب من 90 في المائة من عقود الشركة طرفها الآخر الحكومة الأمريكية. وسبق الاستعانة بها في عدد من مناطق العالم المضطربة مثل العراق وأفغانستان وليبيريا وكولومبيا.
ولم تخل الساحة السودانية من وجود شركة بلاك ووتر التي اشتهرت بضلوعها في تعذيب العراقيين. وتشير تقارير أمريكية إلى أن الشركة سعت بعد تغيير اسمها إلى إكس إي Xe إلى الحصول على تعاقدات حكومية لتدريب جيش جنوب السودان، وتوفير الحماية الأمنية لمسؤولي حكومة الجنوب بوساطة من ديك تشيني نائب الرئيس السابق. وعرضت الشركة عدم الحصول على مقابل لعقد قيمته 100 مليون دولار مقابل حق الانتفاع ب 50 في المائة من مناجم حديد وذهب في الجنوب. وليس أدل على الدور المشبوه لشركات الأمن من إشراف كريستوفر تايلور نائب رئيس شركة بلاك ووتر على مفاوضات مباشرة مع رئيس حكومة السودان. وكان برفقة تايلور كل من هاورد فيليب وإيدجار برنس، وهما من كبار حركات اليمين المسيحي المتطرف.
ولم يقف الأمر عند شركات الخدمات الأمنية، فقد كشفت تقارير عن قيام العديد من رجال الأعمال الأمريكيين بشراء مساحات كبيرة من الأراضي في جنوب السودان بدعوى الاستثمار. وتم الكشف عن شراء رجل الأعمال فيليب هلبيرج وهو مصرفي متقاعد 400 ألف فدان لمصلحة شركة جيرش التي يمتلكها. وأكد أن شراءه تلك المساحة بهدف الاستثمار الزراعي في جنوب السودان إلا أن هذا المبرر لم يلاق قبولاً وساور القلق الكثيرين في الخرطوم، حيث لم يكن قد تم الانتهاء من إعداد قانون الاستثمار وبيع الأراضي آنذاك.
وثمة لاعب أمريكي مهم في ملعب جنوب السودان وهو مراكز الأبحاث المتعددة المنتشرة في الإقليم. ويركز عدد كبير من تلك المراكز الأمريكية على كل شؤون الجنوب، منها معهد السلام الأمريكي، ومعهد وودرو ويلسون، ومركز التقدم الأمريكي. وتهتم بتناول أوضاع الصحة والتعليم والحكم، وأوضاع الحريات الدينية وغيرها.
رغم التأييد الإقليمي والدولي
انفصال الجنوب يهدد بصراعات دموية في شقي السودان، بالتأكيد لن يكون اليوم التالي لنتيجة استفتاء الانفصال كسابقه. وتؤكد كل المؤشرات أن الحالتين ستشهدان توترات لا يمكن إغفالها. وتتلخص نتائج إعلان نتيجة الاستفتاء بالبقاء في دولة واحدة في رفض الجنوب تلك النتيجة والتصعيد بما يعود بالوضع للمربع صفر.
أما في حال إقرار الانفصال فإن هذا يؤدي إلى حدوث العديد من المشكلات التي تصب أيضاً في خانة تجدد الصراعات حسبما ذكرته دراسة للدكتور آدم محمد أحمد بعنوان "الآثار السياسية المترتبة على انفصال جنوب السودان".
أولى تلك المشكلات هي تفتيت السودان، حيث يرى المراقبون أن انفصال الجنوب قد يؤدي إلى تصعيد بعض النزاعات المسلحة الموجودة بالفعل في السودان ومطالبتها بالانفصال. وفي أحيان كثيرة كانت تلك الأقاليم التي تحتضن تلك النزاعات ترفع راية العصيان وتلوح بالانفصال في وجه الخرطوم لتلبية مطالب محددة. إلا أن الوضع بعد الانفصال سيزيد من جرأة تلك الأقاليم بشكل كبير، بحيث تنتهج مسار الجنوب. ويساعدها على هذا هشاشة الوضع في السودان حال تحقق الانفصال.
كما يتوقع الخبراء في الشأن السوداني أن يفيق الخرطوم بعد الانفصال على اضطرابات داخلية في الشمال. وثمة عوامل تؤجج قيام تلك الاضطرابات. أول تلك العوامل استمرار دعاوى التهميش التي يطلقها بعض الأقاليم مثل دارفور وشمال السودان وكردفان وغيرها. ومن المتوقع أن يكون انفصال الجنوب حافزاً لتصعيد الصراع مع الخرطوم لتحقيق الانفصال أو مجرد استخدامه كورقة ضغط للحصول على مكاسب أكبر. كما أن الانفصال سيمثل سابقة بين الدول الإفريقية، مما لا يستبعد معه تكرار سيناريو السودان في العديد من الدول الإفريقية التي تشهد نزاعات مشابهة، وهو الأمر الذي يصيب ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية في مقتل.
وثمة عامل مهم، وهو التباين العرقي الواضح في الشمال. وتتضح خطورة هذا العامل في ظل وجود عشرات القبائل الكبيرة في شتى أرجاء السودان التي تسعى كل منها إلى الهيمنة، على عكس الوضع في الجنوب الذي تسيطر عليه ثلاث قبائل كبيرة فحسب. إضافة إلى هذا فإن الشمال مرتع للجماعات المسلحة حتى أن الخرطوم وحدها فيها 52 مجموعة مسلحة على الأقل بحسب بيانات رسمية. ويعتبر الوجود الأجنبي من العوامل المهمة لحدوث الاضطرابات في الشمال. وتوجد العديد من القوات والمنظمات الدولية في كردفان ودارفور.
ويختلف الحال إلى حد ما في الجنوب، ففي حين يذهب البعض إلى أن جنوب ما بعد الانفصال سيكون ساحة لحرب داخلية يرى آخرون أن التنوع العرقي في الإقليم أقل بكثير من الشمال، إذ يمكن حدوث توافق بين القبائل الثلاث الرئيسة في الجنوب.
ويعد ترسيم الحدود من الملفات الخطيرة التي يتوقع تفجرها عقب الانفصال، فهناك ثلاث مناطق لم يتم الاتفاق عليها حتى الآن, هي: أبيي، النيل الأزرق، وجنوب كردفان التي لا تزال في وضع نزاع. ويكمن تعقيد هذا الملف في كون تلك الأقاليم مناطق ثروات معدنية.
العد التنازلي
ثمة مشكلة تتعلق بالموارد التي ستخصم من الشمال لحساب الجنوب في حالة الانفصال. وتشير دراسة الدكتور آدم، التي نشرتها "السبيل" الأردنية، إلى أن الجنوب سيحصل على نسبة 80 في المائة من النفط. في حين تراوح نسبة الموارد البشرية التي ستخصم بين 21 و33 في المائة، إضافة إلى 25 في المائة من الأراضي البكر الصالحة للزراعة طوال العام، مع ملاحظة أن الجنوب يعتبر عمقاً استراتيجياً للشمال، إذ يمثل 26 في المائة من الكتلة الحيوية. وهناك 60 في المائة من الغابات، و70 في المائة من الحياة البرية، 55 في المائة من الثروة الحيوانية، و60 في المائة من الثروة السمكية.
وفي ظل هذا المشهد الذي يكتنفه الكثير من الضبابية ترى البروفيسور جيرار بورنير مساعد مدير الشؤون السياسية لمشروع ANF أن أهم مشكلة تواجه أطراف اتفاق السلام الشامل أن المجتمع الدولي لم يحملهم أي مسؤولية لعدم تنفيذ الأحكام الرئيسة للاتفاق. وقالت في ورقة استراتيجية بعنوان "السودان: العد التنازلي": إن المجتمع الدولي يجب أن يضطلع بالقيام ببعض المهام قبيل الاستفتاء. أولها تشجيع المفاوضات بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان على المدى الطويل وترتيبات تقاسم الثروة قبل استفتاء 2011. ثم علاج مشكلات السودان بصورة شاملة ووضع أولويات لتنفيذ اتفاق السلام الشامل باعتبارها الوسيلة الأساسية لمعالجة الأسباب الجذرية للصراعات في السودان. وثمة مهمة تتعلق بوضع استراتيجيات منسقة قصيرة الأجل وطويلة الأجل للتعامل مع المسائل الرئيسة. ويجب أن تخضع لعدة مسائل مهمة تتعلق بالحكومة أو السياسة العامة وسيناريوهات ما تبقى من السلام الشامل خلال الفترة الانتقالية.
تأييد ودعم إقليمياً ودولياً
على المستوى الإقليمي تقف مصر في جبهة المعارضة للانفصال الذي يهدد أمنها القومي والمائي. أما كينيا فتفرض عليها استراتيجيتها الأمنية دعم الانفصال، ولا سيما أن عاصمتها تعتبر العاصمة السياسية للحركة الشعبية لتحرير السودان. إلا أنها ستعمل على إحداث توازن بين الخرطوم وأبوجا. والأمر نفسه بالنسبة لأوغندا التي تعتبر مأوى للاجئين الجنوبيين، التي ينطلق منها التمرد العسكري. وتدعم تكوين دولة مسيحية جنوب السودان. وتحتم العلاقة الوثيقة بين الكونغو الديمقراطية وكل من إسرائيل وتشاد دعم الانفصال. والأمر نفسه بالنسبة لجمهورية إفريقيا الوسطى, وكذلك الحال بالنسبة لتشاد التي تتمتع بعلاقة مميزة مع إسرائيل وفرنسا تجعلها تتبنى انفصال الجنوب وإقليم دارفور.
وعلى المستوى الدولي تقف الولايات المتحدة على رأس مؤيدي, بل داعمي الانفصال. وعلى المرتبة نفسها تقف إسرائيل التي تضع نصب عينيها مياه النيل ثم النفط والمنتجات الزراعية، كما أنها ترمي لإضعاف السودان الداعم للقضية الفلسطينية.
أما التنين الصيني فيتمتع بعلاقة متينة تركز على العلاقات الاقتصادية دون السياسية. وتشجع بكين وحدة السودان إلا أنها لن تمنع اختيار الجنوبيين الانفصال، ذلك أنها تنتهج سياسة حكيمة مع طرفي النزاع. وبالنسبة للدول الأوروبية فقد لعبت بريطانيا دوراً رئيساً في خلق المشكلة من الأساس، لذا فهي مؤيدة للانفصال على طول الخط. وهناك دول أوروبية تدعم الانفصال من خلال المنظمات غير الحكومية والهيئات التنصيرية مثل: فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، النرويج، وهولندا.
النيل.. مخاوف مصرية وأطماع إسرائيلية
"المخاوف المصرية من انفصال الجنوب وتأثير ذلك في حصتها من مياه النيل تعتبر مخاوف غير مدروسة لأن الجنوب ليس في حاجة إلى مياه النيل التي يتشاجرون عليها الآن." بهذه الكلمات بدأ سلفاكير حديثه للصحافة المصرية عقب انتخابه رئيساً لحكومة جنوب السودان. لكن تلك التصريحات لم تكن كافية لطمأنة القاهرة والخرطوم, ولا سيما مع التحركات التي تقوم بها دول المنبع لتحجيم حصص مصر والسودان.
وفي حال انفصال جنوب السودان فإن موقف مصر سيكون أشد تعقيداً بحسب تعبير الدكتور محمد الناير محمد النور أستاذ الاقتصاد في جامعة إفريقيا العالمية. ويشير إلى أن جنوب السودان لديه صلات قوية مع دول المنبع التي ترتبط بدورها مع جهات أخرى. ومن المتوقع أن ينضم الجنوب إلى تلك الدول, ما يزيد من سوء الوضع بالنسبة لمصر. إضافة إلى أن مصر ليست لديها خيارات إلا مياه النيل في حين يمتلك شمال السودان كميات ضخمة من المياه الجوفية, إضافة إلى مياه الأمطار.
وتجددت المخاوف مع تصريحات الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان بأن الجنوب سيكون الدولة ال 11 في حوض النيل, وهو ما يستلزم إعادة توزيع حصص المياه في ضوء الواقع الجديد بحسب طرحه. وذهب إلى حد المطالبة بتعديل اتفاقية حوض النيل استعداداً لانضمام دولة جديدة عقب إعلان نتيجة الاستفتاء. وحذر من مغبة عدم التعامل مع جنوب السودان كدولة فيما يتعلق بقضية مياه النيل.
ويفجر الدكتور محمد سلمان أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مفاجأة من العيار الثقيل بتأكيد أن كل مناطق حوض النيل لا يمكن التأثير من خلالها في حصة مصر من المياه فيما عدا شمال وجنوب السودان. ويفسر ذلك بأنه عند مدخل النيل الأزرق يوجد مثلث عند خط عرض 12 وعنده يشيخ نهر النيل أو يهدأ, وبالتالي فإن المنطقة المحيطة به سهلة وممهدة لإقامة أي مشروعات. وأشار إلى أن 85 في المائة من حصة مصر من مياه النيل تأتي من النيل الأزرق. وبافتراض سوء النوايا فمن الممكن أن يكون هناك خطر حقيقي على حصة مصر من مياه النيل بحسب سلمان. ويلفت إلى أن هناك يداً إسرائيلية يجب الانتباه إليها, ولا سيما في ظل الندرة الشديدة في المياه التي تعانيها إسرائيل, حيث يصل معدل استهلاك الفرد للماء 300 إلى 400 متر مكعب.
من ناحيته, استبعد الدكتور عمر محمد علي خبير المياه وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة الخرطوم أن يؤدى انفصال جنوب السودان إلى تهديد لحصص المياه في دول حوض النيل, مشيرا إلى أن الجنوب سيكون دولة مغلقة وضعيفة، متوقعاً أن يعيش الإقليم في معارك قبلية داخلية. ويرى حلمي شعراوي مدير مركز البحوث العربية والإفريقية في جامعة القاهرة أن الانفصال سيطرح بقوة ملف إعادة توزيع مياه النيل, إلا أنه يؤكد أن الوضع في الجنوب سيكون أضعف من إثارة مشكلة كبيرة. ودعا إلى وجود جهد مصري دائم للمشروعات التنموية في جنوب السودان. ورأى أن إعادة العمل في قناة جونقلي يدعم الدور المصري في الجنوب, مشيرا إلى أن مشروع جونقلي سيكون حلاً مناسباً بالنسبة لمصر لأنه سيوفر ما بين اثنين وأربعة مليارات متر مكعب من المياه.
وأكثر ما يؤرق القاهرة أن درجة اعتماد بقية دول حوض النيل على مياهه ضعيفة تراوح بين 0.08 في المائة في الكونغو الديمقراطية و15.4 في المائة في رواندا. أما مصر فتعتمد في احتياجاتها المائية على النيل بنسبة 97 في المائة. ويخشى المراقبون أن تنقلب تلك الدول مجتمعة على مصر بمساعدة أطراف أجنبية بما يهدد حصة القاهرة من المياه بشكل غير مسبوق.
أحمد الشاطر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.