تناقضات أنقاذية ؟ يفور الوسط السياسي في دولتي السودان بتناقضات صارخة ، وأزدواجية في القول والفعل ، ومواقف عجاجية حاجبة للرؤي ، ومشاهد زيبقية ما انزل الله بها من سلطان ! نستعرض سبعة أمثلة للأزدواجية والتناقض ، من بين عشرات ، أدناه : اولأ : + التقي رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام ديسالين بالرئيس البشير ( الخرطوم – الأربعاء 26 ديسمبر 2012 ) ، وبالرئيس سلفاكير ( جوبا – الخميس 27 ديسمبر 2012 ) في مبادرة وساطة لحلحلة بقية المشاكل العالقة بينهما ، أستباقأ لأجتماع القمة الأفريقية ( أديس ابابا – الاحد 13 يناير 2013 ) ! + بشرتنا وسائط الاعلام الأثيوبية بقرب الوصول الي أتفاق شامل ونهائي بين رئيسي دولتي السودان . ولم تنف الخرطوم ولا جوبا البشارة الأثيوبية ، بل لمحتا الي عقد لقاء قمة بين الرئيسين قبل قمة الرؤساء الأفارقة في أديس أبابا ، يتوج مبادرة الوساطة الأثيوبية ! + في هذا السياق ، صرح الرئيس البشير بأنه أكد للسيد ديسالين أستعداده للقاء الرئيس سلفاكير ( في أي مكان وزمان) ، لتنفيذ ما تم الأتفاق عليه في بروتكولات أديس ابابا . كلام يا عوض دكام ؟ + في يوم الخميس 27 ديسمبر 2012 ، وفي منطقة حديدة في ولاية شرق دارفور ، كرر الرئيس البشير موافقته على لقاء ( شقيقه ) الرئيس سلفاكير ( في أي مكان وزمان ) ، حتي في بلاد الواق واق ، لتسريع تنفيذ برتوكولات أديس أبابا . + في مؤتمره الصحفي ( الخرطوم – الأحد 2 ديسمبر 2012 ) ، أكد القائد باقان أموم بأن الحركة الشعبية الجنوبية تسعي لعقد شراكة استراتيجية مع المؤتمر الوطني وسوف لن تسمح باللعب بالنار ، وتهديد هذه الشراكة . الخرطوموجوبا تؤكدان ان الحال بينهما تمام التمام ، بل دخلت مرحلة الشراكة الأستراتيجية . هذه هي الكتابة في عملة دولتي السودان ! فماذا تخفي لنا الطرة من نفس العملة ؟ دعنا نري ! + في يوم الاربعاء 26 ديسمبر 2012 ، شن نظام البشير عدوانأ ضخمأ ، بالجو والبر ، علي محلية كير ادم الواقعة في منطقة الميل 14 ، الواقعة في ولاية شمال بحر الغزال حسب أدعاء دولة جنوب السودان ، والواقعة في ولاية جنوب دارفور حسب أدعاء نظام البشير . قتلت القنابل العويرة الملقاة من طائرات الأنتونوف السودانية خمسة من المواطنين المدنيين الجنوبيين ، وأحدثت دمارأ مهولأ في البنية التحتية الهشة . + عند لقائه مع الرئيس اليوغندي يوري موسفيني ، توعد الرئيس سلفاكير نظام البشير برد الصاع في الميل 14 صاعين ، وببدء التعبئة العسكرية لدحر العدوان السوداني ! + لن تنجح حتي فهامة جاهين في فك طلاسم غلوطية العلاقة الملتبسة والمتارجحة كما عقرب البندول بين دولتي السودان ؟ نصدق الأقوال أم الأفعال ؟ الطرة أم الكتابة ؟ ثانيأ : صرح رئيس مجلس شورى قبيلة الرزيقات محمد عيسى عليو بأن جيش الحركة الشعبية الجنوبية قد باغت يوم الاربعاء 26 ديسمبر 2012 مجموعة من الرعاة من قبيلة الرزيقات بهجوم مسلح في منطقة الرقيبات في ولاية شرق دارفور ، استخدم فيه الأسلحة الثقيلة ، ما أدى الى مقتل 4 أشخاص ، واصابة 54 آخرين ، منهم 14 في حالة خطرة ! وأضاف السيد محمد عيسي عليو بأن جيش الحركة الشعبية الجنوبية قد قطع جميع الاشجار في منطقة الرقيبات ، وجعلها منطقة مكشوفة تمامأ ، لتسهيل مهمة ترصده وقتله الرعاة من قبيلة الرزيقات ، الذين سوف يتحركون جنوبأ ، متجاوزين بحر العرب ، طلبأ للماء والكلا ، كما ظلوا يفعلون منذ نزول النبي أدم من الجنة ! هذه نقلة نوعية جديدة في الصراع بين دولتي السودان ... جيش حكومة دولة جنوب السودان يعتدي علي القبائل السودانية المسالمة ( بدلأ من الاعتداء علي جيش البشير ؟ ) ويقتل عناصرها بالمدافع الثقيلة ، ويحرمها من الرعي ، سبيل كسب عيشها الوحيد ، وكأنه حكم عليها وعلي مواشيها بالانقراض ! من نصدق ؟ كتابة الرئيس سلفاكير أم طرته ؟ ثالثأ : + حسب موقع ( السائحون ) الألكتروني ، قابل الرئيس البشير المتورطين في المحاولة الانقلابية الاخيرة . أنتهت المقابلة بالعفو والعافية ، والأحضان والدموع ! وبشرنا موقع ( السائحون ) بأطلاق سراح المتهمين ( قوش وشركاه ليمتد ) خلال اعياد الاستقلال في يناير 2013 ؛ وسوف يعلن الرئيس البشير العفو عنهم في كلمته للشعب السوداني بهذه المناسبة ؟ كانت هذه الكتابة ؛ اما الطرة فهاكها : + صرح الدكتور نافع في اجتماعه مع بعض أعضاء المجلس التشريعي ( نادي القوات المسلحة – الثلاثاء 25 ديسمبر 2012 ) بأن المتهمين في المحاولة الانقلابية قد أعترفوا بجريمتهم ، وبأنها محاولتهم الأنقلابية الثانية ، وسوف تتم محاكمتهم في القريب العاجل ، وينالوا القصاص العادل . موقفان متدابران ؟ أيهما نصدق في بلاد الجن هذه : كتابة الرئيس البشير والسائحون أم طرة دكتور نافع ؟ رابعأ : + في يوم الخميس 27 ديسمبر 2012، دشن الرئيس البشير حقلأ نفطيأ جديدأ في منطقة حديدة في ولاية شرق دارفور، المتاخمة لدولة جنوب السودان ! من المتوقع ان ينتج هذا الموقع حوالي 10 الف برميل في اليوم ، ليبلغ اجمالي الأنتاج السوداني حوالي 120 الف برميل في اليوم ، بدلأ من 350 الف برميل في اليوم قبل أنفصال جنوب السودان . وتعتبر هذه الزيارة اول زيارة يقوم بها الرئيس البشير لولاية خارج الخرطوم ، منذ أغسطس 2012 ، عند أجرائه لعملية ازالة ورم في حنجرته في الدوحة ، وعملية مماثلة ثانية في الرياض في نوفمبر 2012 ! + ظهر الرئيس البشير في صحة جيدة ، وهو يرقص رقصة الكاروشة ! وهذه الحالة ربما تكون تكرار لفيلم هجو شافيز رئيس فنزويلا ، الذي أجري عمليات ناجحة لكحت اورام سرطانية في كوبا ، وبدأ بعد العمليات في صحة جيدة ؛ ثم فجأة أعلن ان المرض اللعين قد تاوره ، ونصب نائبه ليخلفه ، عندما يأخذ صاحب الوديعة وديعته . ولكن امر الخلافة وتجهيزها مسبقأ ، في حالة الرئيس البشير ، مدابر تماما لحالة الرئيس هجو شافيز . + بزيارته لدارفور ورقصة الكاروشا التي يجيدها ، أراد الرئيس البشير أرسال ثلاثة أشارات : دشن الرئيس البشير الرقاص ، والصحيح بدنيأ ، حملته الأنتخابية لرئاسة المؤتمر الوطني في موتمره العام ( نوفمبر 2013 ) ، ولرئاسة الجمهورية في أبريل 2014 ! المتعشمون يمتنعون ! وضع الرئيس البشير حدا للصراع بين مراكز القوي في المؤتمر الوطني حول خلافته بسبب مرضه ... أنا ههنا قاعدون ! وأخرج لسانه لحركات دارفور الحاملة السلاح بأن دارفور قد أصبحت أمنة مطمئنة ، مما يسمح بزيارته لضهاريها الجوانية في أمن وسلام ، وممارسته لرقصة الكاروشا بين مواطنيها علي كيفه ! + في يوم الاثنين 24 ديسمبر 2012 ، أكد جيش حركة تحرير السودان ( جناح عبد الواحد ) استيلائه على منطقة غولو العسكرية في شرق جبل مرة ، وعلي محلية جميزة ومحلية جلدو ( يوم الجمعة 28 ديسمبر 2012 ) في ولاية جنوب دارفور ! مات 90 من قوات البشير وجنجويده ، وجرح المئات ، وغنمت قوات عبدالواحد مدافع ثقيلة وراجمات ولاندكروزرات وكميات معتبرة من الذخيرة من قوات البشير ! وتقدمت قوات عبدالواحد صوب نيرتتي في شرق جبل مرة لأعتقال الفريق عبدالرحيم محمد حسين ، وتسليمه الي محكمة الجنايات الدولية في لاهاي . رفعت أنتصارات قوات عبدالواحد الروح المعنوية لقواته ولقوات تحالف كاودا الثوري ولمواطني دارفور ، خصوصأ في مخيمات النزوح واللجؤ ، وطفق الناس يهللون ويكبرون : الله واحد ... عبدالواحد ! وقال قائل منهم ان المنشقين دبجو وتور الخلاء ربما رجعوا ، بعد أنتصارات عبدالواحد الباذخة ، لحركة العدل والمساواة الأم . هذه كتابة الرئيس البشير ، وتلك طرة عبدالواحد المدابرة ، وأن تباعدت المواقع جغرافيأ ؟ خامسأ : + توقف الصادر البترولي بعد أنفصال الجنوب ، وصار السودان مستوردأ للنفط ، رغم تدشين حقل حديدة النفطي الصغير في ولاية شرق دارفور ( الخميس 27 ديسمبر 2012 ) . + نضب معين الصادر الزراعي من قطن وصمغ وسمسم ، وصار السودان يستورد الخضروات من الأردن ، كما أصبح مشروع الجزيرة مشروع العطش . سلة غذاء العالم الوهمية صارت سلة لتلقي الأغاثات لجوعي السودان . + توقف أكثر من90% من المصانع المحلية ، وماتت صناعة الغزل والنسيج ، وصار السودان يستورد الجلاليب والعراريق والعمم والطواقي من الصين . + فقد السودان أكثر من90% من مدخلاته الدولارية ، فارتفع الدولار مقابل الجنيه متجاوزأ حاجز السبعة جنيهات لاول مرة منذ أنفصال جنوب السودان . زادت معدلات البطالة ، وبالتالي الفقر ، وما صاحبه من أمراض وبيلة . أستحكمت حلقات الضائقة المعيشية ، فباعت الحراير انفسهن ، وتفاقمت ظاهرة المايقوما والأطفال اللقطاء . سقطت بلاد السودان وأهلها في حفرة سيزيفية لا قرار لها ؟ هذه هي الطرة في عملة بلاد السودان . أما الكتابة فنجدها في الاف العربات ذات الدفع الرباعي الجديدة التي تزحم شوارع الخرطوم . كل زول وزولة في الشارع يحتضن موبايله ويتكلم الساعات الطوال ؟ الشباب والشابات يزحمون مطاعم التيك اوي حيث الساندوتش يتجاوز حاجز العشرين جنيه . لوبيات ومطاعم الفنادق الراقية تفور بالسودانيين من كل لون وجنس . شواهق المباني والعمارات تغطي سماء الخرطوم . طرة الخرطوم لا تتطابق مع كتابة الخرطوم ؟ فقر مدقع يجاور ثراء فاحشا في مجتمع ال 5% البئيس ؟ سادسأ : الرجل الذي أحصي كل شئ عددا له رؤية متكاملة وواضحة للمستقبل القريب والبعيد لبلاد السودان ، وأهل بلاد السودان . رؤية تحتوي علي هدف محدد بدقة ، واليات لبلوغ الهدف ، منها الاستراتيجي طويل الأمد ، والتكتيكي قصير الأمد ! أما الهدف فهو الأطاحة بنظام البشير وأقتلاعه من جذوره . بوصلة الرجل مصوبة دومأ نحو هذا الهدف المصيري ، كما عقرب البوصلة نحو الشمال . وأما الأستراتيجي من الأليات لبلوغ هذا الهدف النبيل فتجده في الأجندة الوطنية الشاملة والكاملة ، التي كتبها بخط يده . وتجد التكتيكي من الاليات في برنامج الخلاص الوطني ، المفصل كما كتاب الطبخ ، والذي كتبه بخط يده . هذه طرة الرجل الذي أحصي كل شئ عددأ ، وتحسب ( لليوم التالي ) بعد سقوط نظام البشير . اما الكتابة فتجدها في زمرة قادة الانقاذ المستكبرين ، وكذلك المنكفئين من المعارضين الذين لا يعملون ، ويؤذيهم ان يعمل الرجل الذي أحصي كل شئ عددأ . هؤلاء واؤلئك هم السائرون في الظلمة ، الذين ينظرون فلا يبصرون ، ويسمعون ولا يستمعون ، قلوبهم غلف وعليها أقفالها . نظام البشير يعتبر الناس رعية تؤمر ؛ فعليها السمع والطاعة ؛ وليس لها حق في أن تعترض أو تخالف ، أو تفكر أو تعبر ! المنكفئون من المعارضين يبخسون الرجل اشياءه ، ويعيرونه جورأ وبهتانا ، بتثبيط الأنتفاضة ، وهو من كتب مانفستو ثورة أكتوبر 1964 ، وميثاق أنتفاضة أبريل 1985 ، بخط يده ! هؤلاء وهؤلاء يقولون علي الله الكذب وهم يعلمون . هؤلاء وهؤلاء لو فتحنا عليهم بابأ من السماء ، فظلوا فيه يعرجون ؛ لقالوا أنما سكرت أبصارنا ؛ بل نحن قوم مسحورون ! وبعد ... الرجل الذي يحصي كل شئ عددا يجاهد في ادخال الفيل ( سلطة الشعب ) إلى المتجر الصيني ( الدولة السودانية ) دون أن يحطم كل شيء في طريقه . المشكلة أن قادة الانقاذ لا يدركون أهمية هذا المسعي ، لأنفسهم قبل غيرهم ، ويستكبرون في أجهاض مساعي الرجل الخيرة . ولكن الرجل لا يياس ويجاهد في البحث عن سبيل للتواؤم مع هذه الحقيقة المرة . ومع بزوغ فجر عام 2013 ، يصير التفاؤل الحذر مرجعية الرجل الحصرية ! أما عناصر وكوادر حزب الأمة فيرفضون وبشدة رغبة الرجل في التنحي ويرددون : كان بدري عليك تودعني وانا مشتاق ليك ! سابعأ : أسهمت عائدات النفط ، قبل أنفصال الجنوب ، في تغطية أخطاء نظام البشير ؛ كما أعطت أتفاقية السلام الشامل ( 2005 ) وموافقة الرئيس البشير ( 2010 ) علي عقد أستفتاء سلس وهادئ ، شرعية دولية وعمرأ جديدأ لنظام البشير ! الوضع الان جد مختلف ! كما ذكرنا في مقالة سابقة ، فقد رأى الشاعر الرفاعي في بركة السودان الراكدة حاليأ ، وجوما صامتأ ، مصورا ما فى قلوب الناس من غليان مخفي ! وقال : ومن العواصف ما يكون هبوبها = بعد الهدوء وراحة الربان إن احتدام النار في جوف الثرى = أمر يثير حفيظة البركان فهل يا ترى تتابع القطرات ينزل بعده سيل يليه تدفق الطوفان ! فيموج الطوفان يقتلع الطغاة مزمجرا ، اقوى من الجبروت والسلطان ؟ نعم ... سوف يموج الطوفان وتتواصل المظاهرات ، فأسبابها ومسبباتها قد ازدادت سوءا على سوءها ، وتواصل رمال الإنقاذ تسربها الى قاع ساعة الرمل ... حتي زوال نظام الأنقاذ ! تحسبونه بعيدأ ، ونراه قريبأ !