تحدثت الكثير من المقالات والكتب عن اضطهاد الرجل للمرأة، ولكن ماذا عن اضطهاد المرأة لذاتها ! صورة حديثة من الصور الصعبة لاضطهاد المرأة لذاتها والتي لا تتحدث عنها وسائل الإعلام بشكل كاف وتتجاهلها المجلات والكتابات النسائية، ولا يلمح لها الرجل في كثير من أعماله الأدبية. إنها عمليات التجميل التي اصبحت عمليات حياة أو موت، يغلف الصمت النتائج الفظيعة لهذه العمليات، والتي يتم اجراؤها كهدية لإرضاء الرجل واعتراف من قبل المرأة بأنها لم تعد تلبي رغباته، لم تعد جميلة، لم تعد رشيقة، لم تعد كما يرغب، تخشى أن يتزوج أخرى أجمل وأكثر رشاقة وأصغر سناً، إنه اضطهاد للذات عبر المحاولة المستميتة وبأي ثمن لإرضاء الرجل وهو قد يكون رجلا لا يرضيه أي شيء، كل ما يرغب به هو التنقل من علاقة إلى أخرى رغم وجود زوجته بجانبه، أو رجل لم يعد يحب زوجته فيبحث عن كل الذرائع كي يخبرها ضمنياً بأنه لم يعد يرغب بها، وفي كل الحالات والأحوال، هي تدفع ثمن هذا الاسترضاء المتواصل بأن تخضع لعمليات لا حصر لها تُسمى عمليات تجميل وهي عمليات قد تكون خطيرة على حياتها وتهدد مستقبل ابنائها بموتها أو أصابتها بعاهة دائمة، ورغم كل جهودها، هو لن يعود لأنه يعلم بأنها ليست هي بل نسخة مُحسنه مما ترغب هي به ومما يراقبه هو بحذر. ورغم أن جميع الدراسات الإجتماعية والنفسية تؤكد أن حب الرجل للمرأة لا يرتبط بالمظهر الخارجي فقط بل بجمالها الروحي وبثقتها بنفسها فإن المرأة في سعي محموم للحصول على هذا الرضاء الكامل أو الجزئي، وهذا لا يقتصر على النساء المتقدمات في العمر بل الأغرب هو خضوع شابات في مقتبل العمر لهذه العمليات لأسباب لا حصر لها. يبدو أن الإنترنت والتلفاز وتدني الوعي بالذات وتجاهل القيم الدينية التي حذرت من الاهتمام المفرط بالجسد وبالمظهر جميعها عوامل ساهمت في اتساع المقبلات على اجراء هذه العمليات دون أي حساب لنتائجها طويلة أو قصيرة الأمد. حين يصبح المظهر أهم من المضمون، وحين تصبح القيمة الجمالية للجسد فقط، وحين تتقلص مساحة الفكر والجمال الروحي لابد وان يحتل الجسد مساحات من وجود الانسان، وهي مساحات مؤقتة وضيقة مهما اتسعت لأنه مجرد جسد له عمر محدود صحياً وجمالياً، ونحن لم نُخلق لأجل جمال جسدي بل لقيم عليا تجعل حتى المظهر الخارجي أكثر جمالاً وشفافيةً. وهذا لا يُقلل من أهمية الشكل الخارجي فالله جميل ويحب الجمال، ولكن حين تُقاس أمور كثيرة بمقياس الجمال الخارجي وتُعرض أم حياة ابناؤها بحاجة لها للخطر لأجل الجمال الخارجي، وحين تنشب المشاكل في الأسر لأجل عمليات تكلفتها باهظة وترى الزوجة أنها ضرورية، وحين تعتقد أي فتاة أن قيمتها الحقيقية تكمن في جمال لا يشوبه شائبة، فلابد أن نتوقف قليلاً، ولابد أن نقول لهذه الأم بأن حياتها ليست ملكاً لها فقط بل أن اسرتها تحتاج لها وتحتاج لها وهي بصحة جيدة وليست جميلة ولكنها عاجزة عن الحركة. والمفارقة الغريبة هي أن عمليات التجميل تترك دائماً أو غالباً المرأة التي أجرتها بحالة تساؤل وشك حول ذاتها وحول جمالها، أي أنها ورغم اجراء العملية تبقى أيضاً بحالة القلق والتردد والشك. حين يحب الرجل المرأة يحبها لأجل ذاتها، وإن توقف عن حبها فلابد أن تدرك المرأة بأن هذا ليس نهاية العالم، إن شعورها بأن الرجل هو المحطة الأولى والأخيرة نحو السعادة وأنها لابد أن تقدم كل التنازلات ولو كان الثمن صحتها أو حتى حياتها فهذا نوع حديث من أنواع العبودية تكبل المرأة به نفسها وبكامل ارادتها. حين يحب الرجل امرأة ما بشكل حقيقي يرفض أن تتعرض حياتها للخطر حتى ولو كان ذلك الشيء يحبه هو، لأنه لو كان يحبها بشكل صادق لا يشترط شروط سابقة ولاحقة لأجل هذا الحب، حين يحب الرجل لا يرى عيوب المرأة بل يتجاهلها لأنه هناك شيء ما بداخلها يجعله لا يستطيع أن يكون بدونها وهذا الشيء لا تقدمه أي عملية تجميل على الأرض، الحب معنى أسمى من الشكل الخارجي، حتى أجمل النساء كي تبقى محبوبة لابد أن تمتلك قلباً دافئاً . وحين يتوقف الرجل عن حب امرأة ما لابد أن تتوقف هذه المرأة عن محاولاتها المستميتة لإسترجاعه لأنه لن يعود إلا إذا اراد هو ذلك سواء تحولت لأجمل الجميلات أو بقيت بجمالها المتواضع. ' كاتبة من الاردن القدس العربي