الخرطوم لا جديد يذكر بل قديم يعاد بعد اللقاءات الدؤوبة بين الرئيسين البشير وسلفاكير بأديس والتوصل إلى اتفاقيات التعاون الثماني مع الجنوب، كانت الآمال كبيرة في أن تشكل نقلة نوعية في مسار العلاقات بين البلدين وأن يتم تنفيذها على وجه السرعة ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل حدث العكس فيما يبدو عندما توترت الأجواء بين البلدين فأصبحت مخرجات القمم الرئاسية المتوالية تلك بحاجة إلى قمة أخرى لإنقاذها فجاءت القمة الرئاسية بين البشير وسلفاكير مطلع الشهر الحالي ليس للاتفاق على أمر جديد، وإنما لتأكيد الاتفاق على تنفيذ ما تم على تنفيذه مسبقاً ثم قذفاً بالكرة في ملعب اللجنة السياسية الأمنية المشتركة لوضع مصفوفة متكاملة للتنفيذ بالتزامن. ولكن اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية لم تُفلح في ترجمة موجهات قمة الرئيسين التي سبقت الأمس أو التوصل لحلول بشأن منطقة (14 ميل) وتحديد المنطقة منزوعة السلاح وقضايا خلافية إلى اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة التي تلتئم عقب كل قمة رئاسية لبحث تنفيذ توجيهات الكبار في تنفيذ الاتفاقيات دون أن تفلح في شيء من ذلك في الواقع، كما سيقذف وفدا التفاوض – على الأرجح – الكرة من جديد في ملعب الكبار مرة أخرى بعد فشلهما المتوقع. تضييع الفرص وكان الدبلوماسي اليهودي الماكر أبا إيبان كان ينظر إلى ما يحدث في أديس من لقاءات بين دولتي السودان وجنوب السودان عندما قال (إنهم لا يفوتون فرصة لتفويت فرصة من أجل السلام)، فقد أضحت القم الرئاسية تنعقد وتنفض في فترات متقاربة دون أن يحدث تنفيذ في الأرض لما يُتفق بشأنه على الورق. الزخم المفقود افتقدت اللقاءات الثنائية على مستوى اللجان المشتركة بين البلدين للزخم الإعلامي ولمجرد التفاؤل بأن تسفر عن شيء يجد طريقه للتنفيذ وكأن القمم الرئاسية أصبحت رجع صدى لاجتماعات تلك اللجان من حيث كثافة الجهود وقلة المردود، فالمخرجات كما تظهر في صحافة الخرطوموجوبا لا ترفع للدهشة حاجباً، أو تغري بإمكانية إحداث اختراق نوعي ينزل الاتفاقيات الموقعة بين الرئيسين في سبتمبر الماضي من الورق إلى أرض الواقع رغم الأحاديث الإعلامية المتفائلة وتقاسم الابتسامات أمام عدسات المصورين. فالمسافة الفاصلة بين الورق والواقع تبدو بعيدة جداً حسبما اثبتت تطورات الأحداث ونتائج اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة بأديس فعند منعطفات تلك اللجنة المعنية بتفاصيل مخرجات القمم الرئاسية ووضعها في مصفوفة متكاملة للتنفيذ، تخرج كل شياطين الخلاف وتعبث التفاصيل بآمال الشعبين الكبيرة في إقامة علاقات تقوم على أسس متينة من التعاون المثمر، وتهيء الأجواء والأمزجة لجوار أخوي لا غنى للخرطوم أو جوبا عنه. أسباب القمم الرئاسية تزايدت الحاجة للقمم الرئاسية بين البشير وسلفاكير بعد فشل وفديهما المفاوضين في التوصل لحلول في القضايا الخلافية وذلك لأسباب أهمها أن المفاوضين لا يمتلكون تفويضاً كافياً يجعلهم يوقعون بإطمئنان على ما يتم الاتفاق عليه على طاولة التفاوض، فالحملات الهجومية التي يجدونها في انتظارهم عقب كل توقيع على اتفاق بين السودان وجنوب السودان جعلتهم لا يغامرون على التوقيع على شيء إلا بعد كثير من المشاورات مع القيادة السياسية في البلدين خشية أن يتم رفض ما يتفقون عليه. ولذلك نرى انتهاء الكثير من اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة بين البلدين دون أن توقع على شيء، أو التوقيع بأيد مرتجفة ولذلك بات من الطبيعي رؤية وزيري الدفاع في البلدين يرجعان بين الحين والآخر إلى عاصمتيهما بغرض التشاور، وهو أمر لم يكن مألوفاً في السابق عندما كان في قيادة التفاوض من لهم من الوزن والتفويض ما يجعلهم قادرين على التوقيع دون الرجوع للقيادة في كل شيء مثلما حدث في نيفاشا وقبلها في مشاكوس. لكن ثمة اختلافاً الآن فقد بات المفاوضون دون الرئيسين حذرين جداً في إبرام أي اتفاق مع الطرف الآخر خشية أن يجدوا أنفسهم في موضع النقد مثلما حدث في جنوب السودان بعد توقيع اتفاقيات التعاون في سبتمبر الماضي فقد هتفت التظاهرات الغاضبة في الجنوب ضد وفدهم المفاوض وعدته خائناً أو يكاد بعد أن رضخ لمطالب الخرطوم على حد زعمهم. وفي الخرطوم كانت الكثير من المساجد والمنابر الإعلامية تصوب هجومها على وفد التفاوض عقب توقيع أية اتفاقية مع الجنوب مثلما حدث في (الحريات الأربع) وقبل ذلك في اتفاق (نافع – عقار) الذي وصف الوفد بالحمائم تارة وبالمنبطحين تارة أخرى وعدوا الاتفاق مهدداً للأمن القومي وهو الأمر الذي توج في النهاية بنسف الاتفاق الأمر الذي جعل وفود التفاوض ت تحسب جيداً لأي توقيع وتعده ضرباً من المغامرة غير المأمونة العواقب فيما يبدو ولذلك فهم لا يجتهدون كثيراً ويرفعون نتائج فشلهم أو عدم اتفاقهم مثلما حدث في موضوع المصفوفة أخيراً إلى قمة الرئيسين. متاريس في طريق التنفيذ رغم الأحاديث التي تشير بحدوث اختراق وجديد عقب كل جولة مفاوضات وقمة رئاسية تجمع بين قيادتي البلدين إلا أنه من الملاحظ أن أجواء عدم الثقة وغياب الإرادة تلقي بظلالها السالبة على مسار تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين الخرطوموجوبا خاصة من قبل الأخيرةالتي يحاول تيار متنفذ فيها كسب الوقت والرهان على سقوط النظام في الخرطوم بفعل الأزمة الاقتصادية أو الجبهة الثورية أو التحركات الشعبية أو غير ذلك من الأسباب المتعددة لنهاية نظام واحد. وعلى خلفية ذلك يتملص البعض من تنفيذ الاتفاقيات ويضع أمامها متاريس ما كان ينبغي لها أن تكون في حال خلصت النوايا للتنفيذ، تنفيذ يصطدم تارة بمؤثرات خارجية تدفع في اتجاه اللا اتفاق وبعسكريين كبار في الجيش الشعبي لا يرون مستقبلاً للعلاقات في ظل وجود الإنقاذ لذلك فهم يدعمون خصومها في قطاع من مسلحي قطاع الشمال والجبهة الثورية للإجهاز على الخرطوم رغم رؤية القيادة السياسية المختلفة بالجنوب فيما يبدو لمسار تطبيع العلاقات مع الخرطوم حيث عمدت في الفترة الأخيرة لعمل إجراءات عديدة وسط الجيش والحكومة لحسم الأصوات النشاز.