تبدو الرحلة الجوية للقادمين من جهة الشرق إلى السودان وكأن سباقا مع الزمن قد بدأ.. هذا السباق طال معه زمن الغروب الذي يقع في نهاية المطاف بحكم حركة الكون. ويقود هذا الغروب إلى تساؤلات يتمتم بها الوافدون على مطار الخرطوم, من قبيل "هل تغرب شمس السودان الموحد بعد 9 يناير/كانون الثاني المقبل, حيث يصل قطار اتفاقية نيفاشا للسلام إلى محطته قبل الأخيرة المسماة استفتاء تقرير مصير الجنوب؟". وقبل أن يبحث الزائر عن إجابة, تصدم عينه في مطار الخرطوم طائرات متعددة تحمل علم الأممالمتحدة, فضلا عن وفود دولية تأتي وتذهب كل يوم, في مشهد يؤشر على ظرف دولي ضاغط تزامن مع توازنات وصراعات داخلية ستحدد حتما مسار قطار نيفاشا. وبينما تنص اتفاقية السلام الموقعة عام 2005 على تحرك شريكي الحكم لجعل الوحدة خيارا جاذبا, جاءت الرياح بغير ما اشتهى حزب المؤتمر الوطني الحاكم، إذ لم تعد الوحدة الخيار الجاذب كما يلوح في أفق الجنوب, ويبدو قطار نيفاشا متخذا سرعته القصوى ليمضي بقوة دفع دولية لافتة, وسط ذهول لم يقف عند حدود السودان, وإنما امتد ليشمل المحيط الإقليمي مهددا بانتقال عدوى مطالب الانفصال وتقرير المصير إلى مناطق أخرى. تراكم الإحباط يقول رئيس تحرير صحيفة "سودان فيجن" سيف الدين البشير للجزيرة نت إن خمسين عاما من الحروب والنزاعات راكمت شعورا بالإحباط إزاء إمكانية التوصل إلى تسوية تبقي على السودان الموحد. ويشير البشير إلى أن شريكي الحكم لم يفكرا في تفعيل هذا الخيار إلا مع قرب انتهاء السنوات الخمس التي أعقبت اتفاقية نيفاشا، وأصبح "المواطن العادي يشعر بأن جزءا غاليا من جسده سيقتطع قريبا". في المقابل يقول عضو الهيئة القيادية بالمؤتمر الوطني الأمين دفع الله إن الحكومة تحركت لجعل الوحدة خيارا جاذبا عبر مشروعات تنموية في الجنوب. ويضيف للجزيرة نت أن الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال يدركون حقيقة ذلك, مشيرا إلى أنهم يتمتعون بكامل الحريات, بينما يواجه دعاة الوحدة -كما يقول- تضييقا شديدا في الجنوب. وعبر دفع الله عن اعتقاده بأن الجنوبيين سيختارون الوحدة بشرط التخلص من "الضغوط الخارجية"، وطالب كلا من الشماليين والجنوبيين بالعمل وفقا لما قاله علي عثمان طه نائب الرئيس "إما وحدة طوعية أو انفصال حميد يحفظ ما بين الجزأين". بدوره يقول ممثل حكومة الحركة الشعبية لتحرير السودان لدى الاتحاد الأوروبي فرانسيس مزاريو "لا نتمنى الحرب في أي مكان بالسودان, والمطلوب وضع حل نهائي للخلافات". تباين ويشدد مزاريو في حديثه للجزيرة نت على أن اتفاقية نيفاشا بصدد الوصول إلى مرحلتها الأخيرة, "ولا مجال للحديث عن تعديلات أو تأجيلات"، مؤكدا أن "الاستفتاء لن يؤجل تحت أي احتمال". ويرد مزاريو على المطالبين بتعديلات في اتفاقية نيفاشا قائلا "لقد اكتمل تقريبا تنفيذ كل بنود الاتفاقية باستثناء بندين أو ثلاثة, ولن يتم تعديل ولو فقرة واحدة". وقد حاولت الجزيرة نت استطلاع رأي مواطنين جنوبيين يعيشون في الشمال دون جدوى، في ظل حالة رفض وتخوف شديدين من وسائل الإعلام, على خلفية حذر وترقب ومخاوف من ردود فعل ومآلات ربما لم يتحسب لها الكثير من الجنوبيين في الشمال في حال الانفصال. أما الشماليون فأجمعوا على أهمية الوحدة وبدا بعضهم غير مبال بما يجري, في حين ظهرت علامات الرضوخ والتسليم بالأمر الواقع على آخرين. وكان رد الفعل الأبرز هو ما قاله مواطن رفض ذكر اسمه عندما سئل عن غروب شمس السودان الواحد, فرد قائلا "شمس الجنوب ستشرق من الغرب".