مرة أخرى تدعم قطر الشيء وضده معا. لعبة مكررة وسمجة بسيناريو قديم ولكن في القرن الأفريقي. بقلم: د. سالم حميد يستغرب العديد من المراقبين عن طبيعة وأهداف الدور الذي تلعبه قطر في هذه الأيام بدولة إريتريا القريبة من إثيوبيا وأيضا من السودان. ففي السودان تكامل الدور القطري مع مخططات الإخوان منذ عام 1989م عندما اعتلى نظام الإنقاذ سدة الحكم وخدع العالم بهويته، فنال اعتراف مصر ومن بعدها الدول العربية ودول العالم قبل أن تتكشف حقائقه بإخراج عرابه حسن الترابي من السجن وتوليه زمام أمور القيادة ليبدأ المراحل الجهادية بمباركة ودعم وتمويل قطر. وحينها أقام بالخرطوم أكبر مؤتمر للقوى الإسلامية التي هيمن عليها الإخوان، فأنتج القاعدة التي إنطلق مؤسسها أسامه بن لادن من هناك، وجمع عدداً كبيراً من القادة الإخوانيين الذين كانت تطاردهم أنظمة الحكم في بلادهم ومنحهم الجنسية السودانية وكان من بينهم راشد الغنوشي وعباس مدني، وعدد من القيادات الإخوانية التي طفت للسطح مع بدايات ما يعرف بالربيع العربي. نفوذ الإسلاميين في السودان أخذ بعدا جديدا بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق لمصر محمد حسني مبارك في إثيوبيا، وتم تنفيذ عدد من التفجيرات في نيروبي وغيرها من مناطق النفوذ الأميركي والغربي بغرض الضغط على اميركا والغرب لتخفيف حدة مطاردتها الإسلاميين. وتكرر المؤتمر الإخواني الجامع بالخرطوم في نهاية العام الفائت، جامعا مختلف القيادات الإخوانية التي أتت إلى الخرطوم هذه المرة وهي قيادات على بلدانها، بعدما تمكنت من سرقة الثورات العربية التي قامت بمطالب بسيطة محددة، وسرقها الإخوان وأحالوها جحيما لإنهاء حقب من الاستقرار النسبي واستبدالها برمال متحركة قهقرت تلك الدول عقودا للوراء. ويأتي التدخل القطري المدعوم بالوجود الإخواني السوداني، في إريتريا لتطويق منطقة البحر الأحمر بعدما تمكنت من عزل القرن الإفريقي عبر مشكلة الصومال التي استعصت على الحل حتى الآن، وهو ما جعل المراقبين يحتارون في نوايا قطر التي يتبعها النظام الإخواني في السودان وتباركها الأنظمة الإخوانية في كل من مصر وتونس، وما الذي تريده من التدخل الكبير في إريتريا!؟ فقطر التي تفتقر للبنية التحتية السليمة، ويعيش مواطنها في بيئة لا يمكن مقارنتها بمقدرات الدولة، تنفق المليارات على تدخلاتها الخارجية لسبب غير مفهوم، فهي تمعن دائما في تقديم الدعم المالي واللوجيستي للأخوان المتأسلمين، وتسخّر لهم علاقاتها الخارجية وأيضا إعلامها الداخلي للنيل من دول كثيرة وأولها دول الجوار الخليجي التي تعتبر في الأوضاع الطبيعية عمقاً استراتيجياً لها، كما تتناقض في دعمها الأنظمة الإخوانية وفي ذات الوقت صلاتها القوية مع الجهات التي تعادي وتعاديها التنظيمات الإخوانية. ففي دولة فلسطين، تناصر قطر حركة حماس، وفي ذات الوقت تملك علاقات متميزة مع دولة إسرائيل. وفي السودان، الحليف الأكبر، تملك قطر علاقات وثيقة بنظام الإنقاذ الحاكم، وأيضا بالحركات الدارفورية المتمردة التي تحمل السلاح في وجه الحكومة. ومن العجب أنها تقدم الدعم المالي السخي للطرفين معا. وفي دول الخليج العربي تقوم قطر بمناصرة الخلايا الإخوانية التي خرقت قوانين تلك الدول بلا مبرر واضح لأسباب الدعم، ودون أدنى مسوغات للبحث عن عداءات تلك الدول، رغم أنها في حقيقة الأمر تشابهها من حيث الشكل العام لنظام الحكم والتوجهات والخصوصية، وهو ما يجعل الأمر مستغربا، فلو كانت قطر ترفض خصوصية هذه الدول فالأولى بها أن ترفض خصوصيتها الذاتية في المقام الأول. ويرى المراقبون أن قطر المصابة بعقدة صغر الحجم وقلة عدد السكان تنتهج نهجاً غريباً، فهي على غنى مواردها وقلة سكانها، تحرمهم التمتع بتلك الموارد وتجعلهم يعيشون أوضاعا صعبة لا تتسق مع حجم تلك الثروات، وهي في ذات الوقت ودون مبررات منطقية تعمد لتجنيس الكثير من مشاهير العالم بلا سبب أو مبررات منطقية مقبولة، وتنفق طائل الأموال على مسائل انصرافية لم يتمكن أحد من فهم أسبابها، فقد قامت بتحريك وتمويل موجة ما عرف بالربيع العربي، وساهمت في تحطيم البنية التحتية وتشريد الكثير من الشعوب، وبتناقض غريب حاولت أن تلعب دور الوسيط الذي يريد إعادة البسمة لتلك الشعوب، والظهور بمظهر الحريص على مصالح من تسببت في تصديرهم إلى معسكرات النزوح بعدما كانوا يعيشون في بيوتهم الآمنة. وأياً كان نوع الفعل الذي تمارسه قطر فإن إتجاهها الآن نحو إريتريا يجعل المراقبين يتخوفون في الدور الذي تزمع القيام به ومدى خطورة تأثيراته على المنطقة ككل. د. سالم حميد كاتب من الإمارات