أسئلة كثيرة قد تتبادر الى ذهن المرء، عندما يعلم أن أهالي منطقة ما، يرفضون إقامة روضة أطفال بالحي. وقد يستغرب كثيرا، لهذا السلوك ويبحث له عن المبررات، أياً كانت، وقد يشعر بعدم وجود ما يمنع قيام روضة، طالماً أن بالحي أطفالاً قد ينتفعون بها. بالفعل هذا هو الشعور الذي انتابني وأنا أتوجه الى منطقة أبو آدم، للوقوف على هذه المشكلة. بعد وصولي للمنطقة المعنية، كان شاكٍ، يردد: (أغلقوا علينا مداخل الحي، وشلت حركتنا، و... وتحول المكان الى مأوى للحرامية واللصوص)، كانت تلك إفادة أحد مواطني منطقة أبو آدم مربع (3 الفاروق)، وهو يصف لي ما آل اليه الحال في منطقتهم، بعد تحويل ما أسماه المتنفس الوحيد بمنطقتهم الى روضة أطفال. وبدون استشارة أهل الحي. تعود أصل الحكاية وحسب الخطابات التي رفعها مواطنو المنطقة للجهات المعنية، ممهورة بتوقيعاتهم، الى إنشاء روضة بمساحة 1200م. م، وسط سكن 700 أسرة، في المتنفس الوحيد للحي، الأمر الذي أحدث ضرراً لأهل المنطقة – كما يقولون - في الجوانب الأمنية والبيئية والصحية وفي حركة تنقل للناس والسيارات وهو ما اعتبره السكان، وفق محدثي، مخالفة لعقد الاستثمار. ثمانية أعوام منذ بدء النزاع حول قطعة الأرض، بدأت خلالها عمليات البناء ولكنها توقفت. إذ لم تستمر كثيراً بسبب الاحتجاجات المتواصلة من قبل أهالي المنطقة. فيما بقيت أعمدة المبنى شاهداً صامتاً على هذا النزاع وعلى استمراره. ثمة استفهامات كثيرة تدور حول هذه الروضة خاصة، وأن أهالي المنطقة رفضوا إنشاءها. وتشير مكاتبات مدير مكتب مستشار الوالي لوزير التخطيط العمراني الى ضرورة مراجعة الأمر، بجانب التوجيه نحو إيجاد البديل لصاحب التصديق. خطاب آخر معنون الى مدير المكتب التنفيذي لوزير التخطيط والتنمية العمرانية، وممهور بتوقيع محمد الأمين أبشر المدير التنفيذي لمكتب المستشار يوجه بتعويض المعنيين في أي مكان مناسب بالمنطقة. يقول المواطن سالم أحمد محمد أن الروضة فرضت عليهم، فالمنطقة ليست في حاجة لمزيد من الرياض، وبها ما يقارب 21 روضة. ويجرى إنشاء الروضة الجديدة، في متنفس الحي، وفي الساحة التي يستخدمونها للإفطار أيام شهر رمضان المعظم مثلما تستخدم في الأفراح والأتراح، ويمارس فيها الشباب أنشطتهم الرياضية المختلفة. وفي الساحة – وأيضاً - تتقاطع الطرق الداخلة الى الحي، وبالبدء في تشييد الروضة، أُعيقت حركة العربات خاصة عربات النفايات والعربات الكبرى، التي لا تتمكن من الدخول للبقالات بجانب أشجار الدمس المزروع حول الروضة، وبذلك أغلقت الحي من كل الاتجاهات وشلت الحركة داخله. ورغم توصيات وزارة التخطيط والمهندسين وقرارات اللجان الفنية بإزالة الروضة وتعويض صاحبها، ولكن يبدو أن هناك نافذين يعوقون عملية الإزالة. إذ ظلت في مكانها لأكثر من خمس سنوات كمبانٍ تحت التشييد. تساءلنا كيف يحدث هذا؟ يواصل سالم حديثه قائلاً: لقد علمنا أن هناك خرائط تم تغييرها منذ حريق وزارة التخطيط.. وحتى في عهد جعفر نميري تم التأكيد على أن الأرض متنفس وحديقة أطفال. ولكن ما حدث هو أنها حولت لروضة تعليمية ومنح صاحبها شهادة منفعة من وزارة التخطيط. وبالفعل بدأ في إنشاء الروضة وأقام عليها 47 عموداً خرصانياً ضخما، مما جعل الجميع يتساءلون، في سخرية، عما اذا كان هذا المشروع الضخم في تلك المساحة الكبيرة هو روضة أم استاد أم جامعة. ويواصل سالم روايته، فيقول: قبل أربع سنوات، أرسلت لنا وزارة التخطيط والتنمية العمرانية، مهندسين لمعاينة الروضة، أوصوا في تقاريرهم بإزالة الروضة. وأفاد كبير المهندسين أن وضعها خطأ وأن الإزالة ضرورية. وكل التقارير التي أعدها أؤلئك المهندسون وآخرين أتوا بعدهم موجودة لدى اللجنة الفنية بوزارة التخطيط. وقال سالم: إن أهل الحي متذمرون وتضرروا كثيراً وكثير منهم فكر في الرحيل، بعد أن أصبح المكان مأوى للحرامية واللصوص. وعبر عن اعتقاده الذي يشاركه فيه كثير من أهل الحي بأن من يقف وراء أمر هذه الروضة لابد أن يكون شخصية نافذة، أو شخصية ذات علاقة بالنافذين.."، وإلا لماذا لم يُنفذ أمر الإزالة الذي أوصى به جودة الله؟". يتساءل سالم، ويضيف لماذا تجاهل والي الخرطوم الرسالة التي بعثناها له قبل أربعة أعوام؟، ويستطرد، دون أن ينتظر إجابة يعرف أنها لا وجود لها، فيقول: إن وزير التخطيط عبد الوهاب طالب بأن تكون هناك خيارات أخرى لكنها لم تنفذ. لماذا؟ ويختتم حديثه بالقول: نحن مواطنو أبو آدم مربع (3) لا نريد أن تنشأ الروضة على المتنفس الوحيد بالحي. والذي يحمل الرقم (258) بعد أن أكملت حديثي مع العم سالم تجاوزت سوراً من الأسلاك يصل حتى مدخل أحد المنازل، لم أدر عما اذا كان امتداداًَ للمنزل المجاور أم لا؟ وعندما تخطيته عبر فتحة خلال السور نفسه، لأصل للناحية الثانية من الروضة، هناك وجدت العم عباس قاضي، والذي أوضح لي أن هذا السور تابع للروضة. حكى أنه كان مغترباً لعدة سنوات وعندما عاد للسودان قبل عامين فوجئ بهذا السور عند مدخل منزله حتى أنه اضطر لأن يفتح باباً خلفياً لإخراج عربته، التي تركها داخل المنزل في فترة اغترابه. فكر عم عباس في اللجوء للمحكمة لكن كانت هناك وعود بالإزالة، وقد مضت ثلاثة أشهر في انتظار تحققها، لكن لا شيء حدث حتى الآن. فقد سمع عباس مثما سمع غيره ، ان مدير الاستثمار ومدير التخطيط ومدير المكتب التنفيذي امروا بازالة الروضة وحتي مدير مكتب المباني بالمنطقة قال بانه سيتم اعلان صاحبها بالازالة واذا لم ينفذ الامر ستتم ازالتها ويعوض في مكان اخر .وبما ان الارض متنازع عليها. فقد تم بالفعل ايقاف البناء لعدد من الايام، لكنه تواصل بعد ذلك . يقول عباس، مضيفا مفارقة اخرى مفادها ان اللجان الفنية منحت "اصحاب الروضة" قطعة ارض اخري مساحتها حوالي 600 متر الى جانب تعويض مالي وصل الي 67 الف ولكنهم رفضوا ، "وفى كل مرة يبنون شيئا جديداً لكى يرفعوا سقف التعويض."