مؤشرات موضوعية ترجح فك جوبا لارتباطها مع قطاع الشمال انقلاب سلفاكير على جنرالات الجيش الشعبى مهد لميلاد الاتفاق الامنى جوبا توصلت الى ان مصالحها مع قطاع الشمال لن تنقذ اقتصادها من الانهيار وتعاملت بعقلية براغماتية تمهيد :- اتفق السودان وجنوب السودان الجمعة المنصرم 8 مارس 2013 على تنفيذ وثيقة الترتيبات الامنية ، الذي حدد بداية الانسحاب الفعلي لقوات البلدين المسلحة ما بين 14 21 مارس الجاري ، كما حدد الاتفاق ما بين 10 14 مارس الجاري بداية لصدور الأوامر الأولية من قيادة البلدين بانسحاب قواتهما من المنطقة منزوعة السلاح وهو ما يمكن ان يفتح الباب امام استئناف تصدير النفط الجنوبي ، وذكرت وكالة سونا للأنباء إن الاتفاق وقعه وزير الدفاع السوداني الفريق عبدالرحيم محمد حسين، ونظيره الجنوبى جون كونق ، كما حدد الاتفاق قيام قائد البعثة الأممية بأبيي (يونسفا) بمراجعة ومراقبة عملية انسحاب الجيشين بعد 33 يوماً من بداية صدور الأوامر الأولية المحددة في العاشر من مارس الجارى . يذكر ان الخرطوموجوبا كانتا قد وقعتا فى سبتمر من العام 2012 تسعة اتفاقيات تعثر تنفيذها جميعها واعقب ذلك جولات تفاوض ماكوكية باشراف الوساطة الافريقية تلتها ثلاثة قمم رئاسية فشلت جميعها فى تنزيل الاتفاقات على ارض الواقع بسبب تمسك الخرطوم بشرط الاتفاق الامنى وفك الارتباط ، وعدم مقدرة جوبا على فك هذا الارتباط لظروف خاصة بها ، لكن الانباء الواردة من اديس لم تحدد هل استجابت جوبا لشرط الخرطوم ام تنصلت الخرطوم من الشرط ووقعت الاتفاق دون قيد او شرط وبغض النظر عن الاجابة وعن التفاؤل والتشاؤم بان تنفيذ هذا الاتفاق سيتم او تعود الامور الى المربع الاول كما هو الحال دائما فان ثمة بعض المعطيات التى ادت الى ميلاد هذا الاتفاق تحتاج الى قراءة متأنية . جوبا وقطاع الشمال تعارض المصالح :- علاقة جوبا بقطاع الشمال اعتبرت واحدة من العقبات التى وقفت امام تنفيذ الاتفاق الامنى منذ سبتمبر الماضى وبحسب تقارير صحفية تداخلت فى هذه العلاقة مصالح جنرالات كبار فى الجيش الشعبى ووقفت جوبا ازاء هذه المصالح مكتوفة الايدى وظلت ايدى هؤلاء الجنرالات تعبث من خلف الكواليس بمصالح الجنوب والشمال ، وبحسب صحيفة «الاكونومست» البريطانية في عددها الصادر فبراير المنصرم إن الرئيس سلفا كير ميارديت عاجز عن قطع علاقته بقطاع الشمال، بسبب جنرالات الجيش الشعبي الداعمين والموالين للقطاع. واستبعدت الصحيفة البريطانية نجاح مسألة فك الارتباط بين جوبا وقطاع الشمال، وذكرت أن الفكرة لا تُحظى بشعبية وسط جنرالات الجيش الشعبي، ووصفت العلاقة بين قادة الجيش الشعبي وقادة قطاع الشمال بالمتينة. وقالت إنهم أصدقاء. وجزمت أن فكرة دعم قطاع الشمال من قبل الجيش الشعبي متولدة داخل جنرالات الجيش الشعبي كهدف. ورسمت في الوقت نفسه سيناريو دمغته بالمرعب لمستقبل سلفا كير حالما قام فعلياً بفك الارتباط، ولم تستبعد الانقلاب عليه من قبل جنرالات الجيش، وقالت: «سلفا كير تعرض لمحاولة انقلاب ضده في أكتوبر الماضي، وهناك سيناريو مرعب ينتظره حال رفع يده عن قطاع الشمال وفك الارتباط». لكن الشاهد ان الرئيس سلفاكير تغدى بجنرالات الجيش الشعبى قبل ان يتعشوا به وقام فى 23 يناير 2013 بفصل (36) جنرالاً بالجيش وإيقاف (30) جنرالاً آخرين عن الخدمة بعد تجميد عضويتهم في الحركة الشعبية . وقال المرسوم الذي أذيع عبر تلفزيون دولة الجنوب أن كير قام بإعفاء جميع نواب رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش ، وتم إستبدالهم بضباط تمت ترقيتهم من رتبة لواء الى جنرال . خطوة سلفاكير من وجهة نظر محللين سياسيين جنوبيين وشماليين وصفت بالمفاجئة ، خاصة وان عمليات التحول والتغيير داخل الجيش الشعبي جاءت وهو يحاول تسوية الخلافات الحدودية مع السودان ، كما جاءت التغييرات بإسم حزب الحركة الشعبية الذي يستعد لإبرام إتفاقية إستثنائية مع السودان . الأمين العام لحزب جبهة الإنقاذ الديمقراطية المتحدة ديفيد ديل جال أبلغ «إس إم سي» فى وقت سابق أن حكومة الجنوب قامت بإعفاء جنرالات الجيش الشعبي بولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان تمهيداً لإعلان فك الارتباط النهائي بقطاع الشمال . التطورات عاليه كانت نتيجتها المباشرة توقيع الاتفاق الامنى يوم الجمعة المنصرم والذى يعنى تلقائيا ان جوبا توصلت الى نتيجة ان مصالحها مع قطاع الشمال لن تنقذ اقتصادها من الانهيار ولذلك تعاملت القيادة فى جوبا بعقلية رجالات الدولة والبراغماتية التى تعلى من مصالح شعبها على اى مصالح اخرى خاصة وان قطاع الشمال نفسه سيدخل فى حوار مع الحكومة السودانية وسيراعى مصالحه هو الآخر. يذكر ان توقيع الاتفاق الامنى بين الخرطوموجوبا كان قد تعثر لاكثر من مرة بسبب اشتراط الخرطوم فك ارتباط جوبا مع قطاع الشمال وهو الاشتراط الذى لم تتنازل عنه الخرطوم ابدا ، ممايعنى تلقائيا ان فك الارتباط بين جوبا وقطاع الشمال ربما يكون قد تم بالفعل وبالتالى رات الاتفاقية الامنية النور . ضغوط على الطرفين :- توقع د. قطبي المهدي عضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني فى تصريحات صحفية فى وقت سابق ، ممارسة الأممالمتحدة والاتحادين الأوربي والأفريقي، ضغوطاً على جنوب السودان بغية تنفيذ اتفاق التعاون المشترك، وأوضح أن دوائر النفوذ على حكومة الجنوب بدأت تضيق ذرعاً بممارسات الحركة الشعبية وسلوكها، وشرعت في سحب التأييد المطلق الذي كانت توليه للجنوب وربما تمارس ضغوطاً على جوبا لإنفاذ اتفاق التعاون الذي قال إنه في (غرفة الإنعاش) الآن . لكن الشاهد ان من تعرضت للضغوط ليست جوبا وحدها ، الخرطوم ايضا تعرضت لضغوط كبيرة لجهة تنفيذ الاتفاقيات التسعة واهمها الامنية هذه الضغوط تنوعت بين الداخلية والخارجية فقد اتهمت امريكا البلدان بممارسة تعنت غير مبرر وقال السفير برنستون ليمان فى تصريحات صحفية فى وقت سابق : ان كلا الدولتين تعملان على رفع سقوف التفاوض من خلال التركيز على الشروط التعجزية، وقال: «أعتقد أن المشكلة تكمن في تركيز الخرطوم على تسوية ملفها الأمني من خلال فك الارتباط بين الحركة الشعبية وقطاع الشمال، في وقت ترى فيه القيادة الأمريكية ضرورة تفاوض الخرطوم مع قطاع الشمال من أجل تسوية الملف الأمني». فيما اتهمت أحزاب جنوبية معارضة بارزة حكومة الجنوب بالسعي للتصعيد العسكري ضد السودان عبر حشد الجيش الشعبي لقواته في ولايات الوحدة وشمال بحر الغزال المتاخمة لحدود ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق . فى سياق هذه الضغوط ياتى القرار الاممى رقم 2046 الذى ينص على وصول طرفي الاتفاق لتسوية سياسية لحل القضايا العالقة والا تدخلت الاممالمتحدة تحت الفصل السابع ضد اى دولة تتسبب فى عرقلة الاتفاق ، الشاهد ان القرار الاممى كان سقفه النهائى اغسطس من العام الماضى 2012 ولذلك فان تاخير تنفيذ القرار حتى مارس من العام 2013 ربما حمل الاممالمتحدة لممارسة مزيد من الضغط على الطرفين بهذا القرار والتهديد بتفعيله فى مواجهة الدولتين . ولذلك وفور توقيع الاتفاق سارع "بان كي مون"، أمين عام الأممالمتحدة الى الترحيب بتوقيع دولتي السودان وجنوب السودان للأتفاق وأعلن المتحدث باسمه في بيان صدر ليلة التوقيع ان الامين العام اعتبر أنه وبالتوصل إلى هذا الاتفاق، يتعين ألا تكون هناك شروط أخرى تعترض طريق التنفيذ الفوري للاتفاقات الأخرى التي تم توقعيها في 27 سبتمبر الماضي، بما في ذلك الاتفاق الخاص بالنفط . وزير الدفاع في جنوب السودان جون كونج اشاد بالاتفاق، وقال: "لا توجد عقبات الآن أمام بدء تطبيق جميع الاتفاقات التسع التي وقعها رئيسا البلدين بأديس أبابا في 27 سبتمبر الماضي بما يتضمن اتفاق التجارة وتصدير النفط"، مشيرا إلى أن تنفيذ الاتفاق الأمني كان أحد الشروط المسبقة لتطبيق الترتيبات المتعلقة بالاتفاقات الأخرى. وأضاف كونج، أن هذا الاتفاق يقضي أيضا بسحب قوات كل من البلدين إلى خارج منطقة «الميل 14» وكذلك سحبها من المناطق الأخرى. عوامل اقتصادية وسياسية داخلية لجنوب السودان :- تعيش جنوب السودان منذ انفصالها مرورا باعلانها وقف ضخ نفطها عبر الشمال ظروف اقتصادية قاهرة مما حدا بالمبعوث الامريكى برينستون ليمان ان يقول : إن دولة الجنوب تعيش أوضاعاً إنسانية كارثية منذ ديسمبر 2011م، وحذَّر من انهيارها في أي وقت مما يهدد المنطقة بأكملها ، وأضاف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تستعد لاستضافة مؤتمر المانحين لدعم دولة الجنوب للتغلب على الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها الدولة الوليدة (انتهى حديث ليمان) . مماتقدم ربما تكون الادارة الامريكية قد مارست ضغوطا على دولة الجنوب لتوقيع الاتفاق الامنى وفك الارتباط لجهة انقاذ الدولة من الانهيار الاقتصادى الذى يتربص بها فمن غير المعقول ان تهتم امريكا دون ان يقابل ذلك اهتمام من جوبا بالاسراع خطوات مهمة لانقاذ الاقتصاد وبالتالى الدولة من الانهيار ولن يتاتى ذلك الا بالتوقيع والتمهيد لتصدير النفط عبر الشمال . يذكر ان جنوب السودان كان قد اوقف انتاجه النفطي للتصدير عبر الشمال والذي يبلغ 350 الف برميل يوميا مما احدث اختناقا اقتصاديا كبيرا لجنوب السودان خاصة وان النفط يعتبر المورد الاقتصادى الاكبر الذى تعتمد عليه البلاد . ايضا ارادت جوبا الفراغ من مشاكلها مع السودان للتفرغ لمعالجة لشكلات داخلية تعانى نها الحركة خاصة وان تقارير صحفية كشفت فى وقت سابق عن تنامى إنقسامات وسط حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكم في دولة جنوب السودان مع إقتراب موعد الإنتخابات العامة ، ووسط توقعات بأن تؤدي الخلافات الى تفكيك الحزب ، رغم جهود رأب الصدع ، وقد اقرت بذلك آن أيتو نائبة الأمين العام للحركة الشعبية في تصريحات صحفية ، واكدت إن الحزب يعاني من مشكلات داخلية تحتاج إلى حلول عاجلة قبل تفاقمها . [email protected]