وجهوه بريئة ، اتت إلى الدنيا دون أن تدري أنها خرجت من رحم الخطيئة ، ونساء يحترقن من نيران العار ، ورجال يديرون ظهورهم لما اقترفوه في ليلة كان الشيطان فيها (شاطر) .. من هو ابي ؟ سؤال تقف به عشرات النساء على ابواب محاكم الاحوال الشخصية بحثاً عن اجابة يمزقن بها ثوب الخطيئة الذي لبسنهن في غفلة ، أو ثمن زواج فاشل دفعت فاتورته الغالية بوقوفها أمام عتبة المحاكم والخوف من المستقبل يتبعها ، حين تعود إلى حضن اسرتها مطلقة و على كتفها طفل لم تترجم نظراته البريئة ما حوله ، وهو بدون اب ينتسب اليه .. عشرات النساء يخضن معركة اثبات نسب اطفالهن ، ويخرجن من تلك المعارك القانونية الضارية خاسرات ، مكسورات الخاطر منكسات الرأس ، وأنفاسهن تتصاعد ، كلما نظرت الواحدة منهن إلى الوجه البرئ الذي يتطلع إلى ملامح حزنها ويدفن رأسه في حضنها ... فحص (الدي إن اي) أو الحمض النووي ، حل كثيرا من قضايا النسب الشائكة في بلدان اسلامية ، حيث طوعت تلك البلدان قوانينها وفقاً لما يقتضيه التطور العلمي فاضحى الفحص المذكور مأخوذ به في اثبات نسب الطفل لأبيه أو نفيه ، فتنفست نساء تلك البلدان الصعداء ، لأنهن لن يحملن عار الخطيئة لوحدهن ، ولن يدفعن ثمن فاتورة طلاق ابن منكور النسب ، اذاً لماذا لم يتم ادخال فحص ال D . N .A ، في قضايا النسب في قانون الاحوال الشخصية هنا في السودان ؟ وفي أي من قضايا النسب يأخذ به القضاء ؟ وهل البينة المنصوص عليها في القانون لإثبات نسب الطفل كافية لإثبات النسب ؟ هذه الاسئلة وغيرها بحثت فيها الرأي العام عن اجابات لها مع اهل العلم والقانونيين فخرجت بالحصيلة التالية . أين أبي ؟ هي فتاة كغيرها من الفتيات اللائي يحلمن بمجيء يوم تزف فيه عروساً بالفستان الأبيض ، ولكن قدرها أراد أن تقع في فخ اللحظات الشيطانية ، حيث رضخت لإغواء شاب ظنته سيتزوج بها يوماً ، حسب الوعود التي كانت بينهما ، كانا يتواعدان والحب بينهما ، فلم تفق الفتاة المسكينة من نشوتها الاّ بشيء يتحرك في احشائها ، وهي تمسك بنتيجة الفحص الطبي التي تؤكد بأنها ستصبح أماً بعد عدة اشهر ، خارت قواها ، ولم تعد قادرة على السير ، ورأسها بدأ يشتعل بعشرات الافكار والأسئلة .. اين تذهب بثمرة الحب التي تتحرك في احشائها ؟ وكيف تعيش وسط المجتمع وإلى اين تختبئ من نظراته ، انزوت في ركن قصى تبكي بحرقه وما بين دموعها الساخنة وشجن الحب امسكت بسماعة هاتفها الجوال واتصلت على حبيبها (أبو) الطفل وأخبرته بصوت مخنوق ، بالخبر الصاعقة ، صمت الشاب فترة ثم طلب منها أن يلتقيا ليصلا لحل ، التقت به وطرحت عليه أن يتزوجها لمواراة الفضيحة ، بدأ الشباب يتململ في جلسته ، ثم قال لها : (خليني افكر في الموضوع وبكرة بديك حل) ، جلست تنتظر وساعات الانتظار كانت طويلة وعندما ارسل الصباح خيوطه حسبت أن الفجر سيقشع ظلمة محنتها ، انتظرت أن يرن هاتفها ، ولكنه ظل صامتا ، اتصلت به فوجدت هاتفه مغلقا ، ذهبت اليه في مكان عمله اعلموها بأنه في اجازة ، حاولت أن تصل اليه عن طريق اصدقائه فلم تستطع .. بطن الفتاة بدأ يكبر ولم تستطع اخفاءه ، عاشت الاسرة حالة انكسار من العار الذي جلبته الابنة ، وعندما خرج الطفل للدنيا قررت أن تخوض معركة قضائية ، لإثبات نسب طفلها ، وتسلحت بفحص ال (D . N .A) ، بعد عودة الشاب الذي انكر أمام القاضي بشدة نسب الطفل بل قال : انه لم يتعرف اليها ثم اردف (خليها تشوف ابوه وين) ، خرجت المسكينة من قاعة المحكمة ودموعها تبلل خدها لأنها الزانية وابنها سيعيش وعار الوصف ب (ابن الحرام) يلتصق به مدى الحياة و سيظل المسكين يسأل نفسه في صمت يا ترى من هو ابي ؟، لان بينة البصمة الوراثية لم تشفع . أين أمي ؟ (ه) لم يساورها الشك في أن يوماً ما سيأتي وتفتح فيه خزائن الاسرار ، التي أغلقت قبل أن تصرخ صرختها الاولى ، وتصدم بحقيقة مرة ، تدخلها في دوامة بحث عن أمها الحقيقية ، بعد أن تكتشف أن المرأة العجوز التي ترعرعت في كنفها ليست أمها الحقيقية ، فقط تبنتها ، لم تعلم (ه) بحقيقتها المرة إلا بعد زواجها ، عندما تشاجرت مع زوجها نعتها ب (ابنة الحرام) ، امسكت (ه) ب (تلابيب) زوجها حتى يثب لها حقيقة ما قاله رغم ثقتها بأن وصفه عارٍ من الصحة بل قالت في سرها أن العبارة خرجت منه في لحظة غضب ، ولكنه فاجئها هو بكل برود وسرد لها تفاصيل قصتها التي كان يخفيها عنها حفاظا على السر الذي اسرت به والدتها العجوز قبل وفاتها ، وأكد لها بأن امها الحقيقية موظفة ، حملت بها سفاحا ، ونسبة لوجودها خارج منطقتها طلبت من امها العجوز وكانت تعمل وقتها (داية) أن تخلصها من المولود ولكن قررت (الداية) الاحتفاظ بالجنين ، حيث رأت في ذلك نفعاً لها اذا تبنته ، لأنها تقدمت في السن ولم ترزق بولد من زواجها ، كبرت الفتاة في حضنها وزفتها عروسا لبيت زوجها ، ثم وافتها المنية ، وظلت (ه) تعيش مع زوجها حتى صعقها بالخبر إثر نقاش لم يضبط فيه اعصابه .. بعد ادراك المسكينة لحقيقة نسبها قررت أن تبحث عن أمها البيولوجية .. ملكها الزوج بكل سخاء اسم والدتها ومكان اقامتها ، فحزمت (ه) امتعتها وسافرت إلى حيث تقيم امها ، وعن طريق السؤال دلها شخص لمحل شاب وهو ابن المرأة التي تبحث عنها (ه) ، رحب بها الشباب كضيفة تسأل عن امها ، وعلق في سره عن الشبه الذي يجمع بينها وبين والدته ، ذهبت معه إلى المنزل ، وبعد شد وجذب مع نفسها اخبرتهم بمن تكون ، صمتت الام برهة ثم نهضت من مكانها ، ودخلت في حالة هستيرية ، وهي تقول (انا ما بعرفك انت مجنونة) وقامت بطردها .. عادت (ه) ادراجها وقررت خوض معركة قانونية لإثبات نسبها المجهول ، وبعد عدة جلسات وانتشار الخبر في المدينة الضيقة ، خسرت البنت الدعوى وعادت مكسورة وهي تسأل نفسها : من هي امي ومن هو ابي ؟ بين (نارين) المرأة في المجتمع السوداني ، تحمل عار الزنا لوحدها ، الا في حالات قليلة ، يعترف فيها الاب بنسب الطفل ، فتصبح بين نارين ، نار طفل مجهول النسب والوصف بالزانية ، ناهيك عن اذا كانت مطلقة وأنكر الزوج نسب الطفل امام القاضي اثر دعوى نفقة طلاق ، أو دون اللجوء لأروقة المحاكم مثلما فعل ذلك الزوج (ك) الذي طلق زوجته (ع) ورفض أن ينسب اليه مولدها الثاني الذي انجب في اطار الزواج الصحيح ، وتعود التفاصيل بأن (ع) تزوجت من (ك) و استقر بهما الحال في احدى حواري الخرطوم الطرفية ، كانت حياتهما مليئة بالمشاحنات التي لا تهدأ ، فأنجبت في ظل السقف المهدد بالانهيار طفلين ، وعندما انهار سقف الزوجية ، اعترف الزوج بالابن الاول ، وأنكر نسب المولود الثاني (طفلة) ، فعادت الزوجة المغلوبة ادراجها لأسرتها وهي تحمل من وجع الدنيا طفلة بريئة تحدق ببصرها في وجه الام المسكينة وكأنها تسأل لماذا انكر ابي نسبي ؟ فكلما تطلعت (ع) إلى ملامح طفلتها التي تشابه فيها الاب الرافض للنسب ، تبكي وفي سرها تقول ألا يكفي هذا الشبه لإثبات نسب الطفلة ؟ .. هي لا تعلم عن دروب المحاكم وتخشى الولوج لتلك العوالم خوفاً من خسارة المعركة ، وأنها تخشى الفضيحة لمجرد أن يعلم الناس بأن طليقها يشك في طهارتها ، ويتهمها بالزنا .. رفض الزوج الانفاق على الطفلة التي لم يتجاوز عمرها ال (4) اشهر بل أنه يأتي لزيارة طفله البكر ، ويقابله خارج المنزل ، ويجلب له اللعب وكل المستلزمات ، بينما لا تجد (ع) ثمن الحليب لطفلتها الرضيعة .. هكذا توسدت (ع) وجع الطلاق وتهمة الزنا وطفلة مجهولة النسب وتمددت على فراش الخوف وكلها أمل أن يأذن القدر يوما بحمل الطفلة نسب ابيها ، لأنها تقسم بأنها لم ترتكب الفاحشة ، ولم يسبق لها أن فكرت في شخص آخر غير زوجها ، بل تتهمه بكثرة الشكوك لدرجة الهوس في كل شيء ، فهو لا يثق في من حوله . تزوجته وهو رجل سبعيني ، قبلت به لأنها فقيرة فرأت فيه الملاذ من قسوة الفقر ، رزقت منه بطفل ، لم يكتب له القدر العيش مع والديه ، حيث فرقهما الطلاق ، وعندما رفعت الام المطلقة دعوى نفقة ، رفض الرجل السبعيني دفعها وكانت عبارة عن (300) جنيه شهريا ، ولكنه قال : لا أدفع سوى (30) جنيها .. بحجة أن الطفل ليس ابنه ، بهذا التصريح الخطير دخل طرفا النزاع في منعطف آخر ، وهو اثبات نسب الطفل لأبيه ثم المطالبة بالنفقة ، وبإحضار المستندات و تاريخ الزواج ، و شهادة طبيب النساء والتوليد الذي كانت تتابع معه ام الطفل وتاريخ الحمل ، وشهادة الشهود ، ثبت نسب الطفل .. هذه مجرد قصص من واقع المجتمع و اروقة محاكم الاحوال الشخصية ، لمحاولة طرق قضية فحص البصمة الوراثية في قضايا النسب . فما بين العلم و الشريعة ، بحثنا عن اجابات ، لما هو مثير للجدل ، فبأي مذهب من المذاهب الفقهية اخذ قانون الاحوال الشخصية لسنة 1991 م ؟ وما ذا نعني بفحص البصمة الوراثية ؟ وما هو رأي اهل الفقه والقانون في قضايا اثبات النسب في القضاء السوداني ؟ ومتى يتم التعامل بفحص البصمة الوراثية في قضايا النسب ؟ وهل قانون الاحوال الشخصية مجحف في حق المرأة ؟ .. هذه الاسئلة وغيرها نجيب عليها في الحلقة القادمة . الراي العام