شهد العراق تحولات ديموغرافية واقتصادية وسياسية كبيرة بعد الغزو الأميركي وتغيير النظام السياسي عام 2003، ما انسحب بشكل كبير على عدد من المدن، لاسيما تلك التي تقطنها أقليات عرقية ومذهبية مختلفة. من أبرز هذه المدن، العاصمة العراقية بغداد حيث انعكس التغيير الديمغرافي بشكل كبير على التوزيع السكاني الذي كان سائدا منذ ستينيات القرن الماضي. كما كانت الموصل وكركوك ومدن أخرى في الجنوب والوسط مسرحا لسلسلة من عملية التهجير التي شملت العديد من العراقيين بكافة طوائفهم. ويعتبر العنف الطائفي الذي شهدته البلاد بعد 2006 إثر استهداف مرقد الإمامين العسكريين في سامراء شمالي بغداد، الشرارة الأولى لبدء التغيير الأعنف والأقسى في حياة العراقيين. وساهم تصاعد وتيرة العنف الطائفي في الفترة الممتدة من 2006 إلى 2008 بتغيير التركيبة السكانية التي اعتادت عليها البلاد لعقود طويلة. وعن هذه التجربة، تحدث أحمد سالم، أحد المهجرين من منطقة الشعب شرقي العاصمة، ل"سكاي نيوز عربية"، قائلا: "لا أستطيع نسيان ما تكبدته عائلتي جراء العنف الذي شهدته البلاد بعد العام 2006". وأضاف "كانت أيام مريرة، حملت معها الألم، فقدت خلالها والدي ولم أكن بعد أبلغ ال18 من العمر.. تم تهديدنا بالرحيل من المنطقة ومن الدار التي نقطنها وإلا تعرضنا للتصفية". ويتابع بألم "أصر والدي على البقاء في المنطقة التي ولد وعاش فيها، ظنا منه بأن الأمور ستكون بخير"، وأردف قائلا "تمت تصفية والدي من قبل مجموعة مسلحة خلال ذهابه إلى عمله، الأمر الذي حملنا على الرحيل إلى منطقة أخرى أكثر أمنا". وعلى غرار أحمد سالم، نزح علي عبدالزهرة عن منطقة العدل غربي العاصمة بعد أن فقد شقيقه خلال "الطاحونة الحمراء"، على حد تعبيره. وقال: "تركنا كل شيء خلفنا بعد أن وجدنا شقيقي مسجى في برادات الطب العدلي.. بعد رحلة من القلق والبحث عن شقيقي الأكبر، تأكدنا بأن عودته باتت غير مرجوة، فبدأنا البحث عنه بين الأموات". ويعترف علي بأن "حياة العراقيين تغيرت بعد أعمال العنف تلك، وانعكس هذا التغيير على العلاقات الاجتماعية" بين أطياف الشعب العراقي كافة. كركوك.. من "التعريب" إلى "التكريد" أما كركوك شمالي بغداد، فقد شهدت تغييرا ديموغرافيا على مراحل عدة، الأولى كانت في سبعينيات القرن الماضي، حين حاول نظام البعث الحاكم "تعريب" المنطقة من خلال توطين عائلات عربية في المحافظة التي سميت ب"محافظة التأميم"، في إشارة إلى تأميم النفط العراقي. وجاءت المرحلة الثانية بعد 2003، حين برز مصطلح "التكريد" وهو اتهام وجهه التركمان والعرب الساكنين في كركوك إلى الأحزاب الكردية، وخاصة الحزبين الكرديين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني. وحسب تلك الاتهامات، فإن الحزبين حاولا استقدام الأكراد إلى مدينة كركوك بهدف تغيير الطبيعة السكانية للمدينة، على غرار سياسة التعريب التي انتهجاها الرئيس الراحل صدام حسين. هجرة المسيحيين ولم يسلم المسيحيين من عملية التغيير الديموغرافي، فقد هجّروا من مناطق سكناهم، سواء في بغداد أو بعض المحافظات الشمالية والجنوبية، إلى دول الجوار فضلا عن بعض الدول الأوروبية. ويحذر المحلل السياسي، واثق الهاشمي، من أن عملية التغيير الديموغرافي ستزداد في العراق، خاصة مع استمرار أعمال العنف والخلافات السياسية بين الكتل والأحزاب التي يغلب على طابعها التحزب الطائفي. ويقول ل"سكاي نيوز عربية" إن "العراقيين بطبيعتهم يلجأون إلى المناطق التي توفر لهم الأمن والاستقرار، وهذا لا يتم إلا من خلال الطائفة الواحدة". وتتفق عضو ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الحكومة نوري المالكي، حنان الفتلاوي، مع الهاشمي في رؤيتها للوضع العراقي. وتقول: "إذا لم تتكاتف الكتل السياسية من أجل وأد الفتنة، فإن البلاد أمامها تغيير ديموغرافي آخر، ولكن بشكل أكبر".