** كشف الكذب، بالدول الغربية، يتم بواسطة أجهزة ووسائل لاتؤذي المتهم المراد كشف حديثه، صادقا كان أو كاذبا.. ولكن كشف الكذب، بإحدى البوادي الخليجية، يتم بوسيلة غريبة وبشعة.. حيث يجتمع الخصوم في مجلس كبير القوم، ويأتي هذا الكبير بشخص - ملقب عندهم بالمبشع- مهمته إحماء قطعة معدنية على نار هادئة حتى تحمر، بحيث لاتميز القطعة المعدنية من جمر النار، وبعد ذلك يصدر كبير القوم أمرا للمتهم بأن يلعق تلك القطعة الحامية ثلاث مرات.. إذا أحترق لسانه فهو كاذب ومذنب، وإذا لم يحترق فهو صادق وبريء.. منظمات حقوق الإنسان وكذلك المنظمات التي تكافح العادات الضارة والتعذيب بتلك الدولة الخليجية، عجزت عن مكافحة وسيلة كشف الكذب المتبعة في تلك البادية.. ولم ترصد منذ التاريخ الإنساني لإنسان تلك البادية، حالة إجتازت مختبر المبشع بصدق وبراءة، إذ إحترقت كل الألسنة التي لعقت قطعته المعدنية الحامية..!! ** نعم، وسيلة المبشع لكشف الكذب متخلفة وتتناقض مع قيم العدل والرحمة والإنسانية.. ومع ذلك، تمنيتها بأن تكون وسيلة متوفرة عند موظف إستقبال الإذاعة والتلفزيون، بحيث تختبر بها ألسنة بعض المسؤولين قبل أن يلجوا إلى أستوديوهات الرأي العام.. نعم، هذا الرأي العام شبع وتشبع بسيل التضليل المنهمر على أذنيه - على مدار العام - من ألسنة بعض المسؤولين، ولهذا يجب إختبار ألسنة هذا البعض في مختبر المبشع قبل أن يطل أصحابها على المشاهد والمستمع.. أوهكذا تحدثت مع نفسي ذات ليلة إستضافت فيها فضائيتنا القومية - عبر برنامج أسموه بعودة الروح للقطن - الدكتور عابدين محمد علي، مدير شركة الأقطان.. وتلك هي الشركة المتهمة بإستيراد المبيد الفاسد.. إستضافوه ليؤكد أو ينفي هذا الفساد الذي أفسد قطن هذا الموسم بالجزيرة.. وبدلا من أن يقدم للناس نفيا أو تأكيدا، لطمهم بالنص الآتي: (ليس هناك ما يسمى بالمبيد الفاسد والمبيد ليس بطعام لكي يفسد، وإنما هناك مبيد إنتهت صلاحيته أو كادت تنتهي.. ويمكن معالجة ذلك بزيادة الجرعات).. هكذا تحدث مدير الشركة المتهمة بإستجلاب المبيد الفاسد، فتأمل هذا التضليل يا صديقي القارئ..!! ** لم يسأله مقدم البرنامج - وكذلك لن تسأله أية جهة محاسبية - أسئلة من شاكلة: حسنا قل إن مبيدك ليس بفاسد، فلماذا تستجلب مبيدا منتهيا الصلاحية؟.. وما أثر المبيد ذي الصلاحية المنتهية على الزرع؟.. أليس هو ذات أثر الغذاء الفاسد - أو الدواء الفاسد - على الإنسان والحيوان؟.. إن لم يقتلهما فسيمرضهما أو لا يحميهما من الأمراض، هكذا أثر أي غذاء فاسد ودواء فاسد على الإنسان، وهكذا أيضا أثر أي مبيد منتهية صلاحيته على الزرع.. والذي يهم الرأي العام هو أثر المبيد على الزرع وليست (حالته اللغوية)، فاسدة كانت أو منتهية الصلاحية، ولا فرق بين هذه وتلك من حيث (الآثار السالبة).. ومدير شركة الأقطان يعلم ذلك، ولكنه يجتهد في خداع الرأي العام - وأجهزة الدولة الرقابية، إن وجدت - ويتلاعب بلغة الضاد ليداري بها الجريمة التي إرتكبتها شركته في قطن الناس والبلد.. ثم تأمل - صديقي القارئ - الحل في النصف الآخر لذاك التضليل، حيث يقول المدير العام بمنتهى البراءة: (يمكن معالجة إنتهاء صلاحية المبيد بزيادة الجرعات).. هكذا الحل الناجع المراد به تغطية هذا الفساد القبيح، أو كما يشتهي مدير شركة الأقطان، زيادة الجرعات و(خلاص، يلا فضوها سيرة).. ولم يسأل نفسه: زيادة الجرعات على حساب من؟.. ولماذا يتحمل المزارع - والبلد - مسؤولية سوء نهجك وفساد إدارتك الذي لم يستجلب المبيد المطلوب؟.. لم يواجه ضميره بسؤال كهذا، وكذلك لن تواجهه به أية جهة محاسبية... ونواصل باذن الله، فما هذا المدير العام إلا فرد في جماعة..!! المفسدون في ولاية الجزيرة ...(2 ) ** أها..نواصل ، تبرير المدير العام لشركة الأقطان بأن المبيد ليس بفاسد ولكن منتهية الصلاحية ، يعد بمثابة تبرير أقبح من فساد مبيده، وهو تبرير مراد به تغطية الجريمة التي إرتكبتها شركته تحت سمع وبصر الناس جميعا ، أوهكذا كانت زاوية البارحة..أما زاوية اليوم فهي طعن مباشر في أفيال هذا الفساد ، بحيث تتبين للناس وجوههم وسوء أعمالهم بكل وضوح..فالدولة لم ولن تحاسبهم ، كما قالت بعض الصحف..نعم ، لم يتم تشكيل أية لجنة تحقيق حتى ضحى البارحة، وإن كانت بطرف صحيفة أو جهة ما أسماء أعضاء لجنة تحقيق فلتكذبنا ثم تمدنا بالأسماء لكي نعتذر للقارئ ونخبره بأننا نمارس عليه التضليل ، كما يفعل مدير الشركة التي إستجلبت المبيد الفاسد..ليست هناك لجنة تحقيق ولا يحزنون، والأخبار التي سربتها تلك الصحف مراد بها تخديرعقل الرأي العام ، ليس إلا ..وما لم يكن كذلك ، فليخرج رئيس اللجنة - التي يتحدث عنها مدير مشروع الجزيرة - إلي الناس والصحف موضحا - بالكاميرا والقلم - بأن سيادته مكلف بالتحقيق وكشف المفسدين في هذه القضية..!! ** المهم ،إذا رأت أجهزة الدولة العليا - وأشك في ذلك - بأن قضية المبيد الفاسد تستدعي التحقيق والمحاسبة ، ثم رأت بأن واجبها تجاه رعاياها يحتم عليها تشكيل لجنة تحقيق ، ثم محاسبة المفسدين - وأشك في ذلك أيضا - على الأموال المهدرة والجهد المضاع ، يجب على اللجنة أن تباشر التحقيق مع السادة :- ..عبد الحليم المتعافي وزير وزارة الزراعة، عبد اللطيف العجيمي وكيل أول وزارة الزراعة، خضر جبريل مدير عام الوقاية بوزارة الزراعة وعباس الترابي رئيس مجلس إدارة شركة الأقطان، ثم عابدين محمد علي ، مدير عام شركة الأقطان..!! ** نعم ، هؤلاء هم من يجب التحقيق معهم ثم محاسبتهم ، بعد رفع حصانة المحصن ونفوذ النافذ ، إن إستطعتم إلي هذا الرفع سبيلا وعدلا ، وأشك في ذلك كثيرا، ومن حق المرء أن يشك فيما يراه ستارا يخفي سرقة الشريف إذا سرق وفساد المسؤول إذا فسد.. نعم ، سوء إدارة هؤلاء هي التي إستجلبت المبيد الفاسد - يا وزير العدل - لا ليفسدوا به القطن فقط ، بل ليفسدوا به كل قيم الأمانة والنزاهة التي تطالب بها السماء والأسوياء من أهل الأرض..وكما ترونهم من خلال مناصبهم ، ليس فيهم ضعفاء كما الذين يتم حبسهم وتغريمهم في قضايا الإعساروإقامة الحفلات بدون تصديق ومخالفات المرور- وغيرها - في ساعة ضحى ، لأن العدالة عليهم ناجزة ..أما هؤلاء الذين يسربون المبيدات الفاسدة - المنتهية الصلاحية - إلي حقول القطن ، فأن ظلال العدالة على قضاياهم لا يتجاوز سقفها : ح نشكل لجنة تحقيق، ح نحاسب الأطراف ، ح ح ح..وتنتهي كل هذه ( الحاءات ) بطي ملفات قضاياهم ، ثم تترقب الناس والبلد شمس لغد وما تحملها من أثقال أخريات.. وكل غد - كما العهد به دائما - لا يخيب ظن الناس والبلد أبدا ..!! ** المهم ، يجب أن يعرف القارئ - وكل من يهمهم أمر الناس والبلد في جهات الدولة العليا - الدروب التي مر بها مبيد هذا العام إلي حقول الجزيرة .. وزيرالزراعة شكل لجنتين لفرز العطاءات ، إحداها فنية مناط بها مهام فرز الجوانب الفنية للعطاء ، وهي مدى صلاحية المبيد والسماد والتقاوى وغيرها ، وأخرى مشتركة مناط بها مهام فرزالجوانب المالية والقانونية وغيرها..هاتين اللجنتين يتم تشكيلها بأمروتوجيه من وزير الزراعة كل عام .. أهم أعضائها ، بل قادتها هم : وكيل أول وزارة الزراعة ، بصفة رئيس المجلس القومي للمبيدات، ومدير عام الوقاية بالوزارة، بصفة المسجل العام للمجلس القومي للمبيدات ، ومدراء المشاريع الزراعية المستهدفة وهيئة البحوث الزراعية ثم شركة الأقطان التي عليها مهمة إستلام توصيات اللجنتين وتنفيذها ( كجهة ممولة )..هكذا الدروب التى تسرب عبرها هذا المبيد الفاسد - المنتهية الصلاحية - إلي حقول القطن .. معالمها واضحة ، لمن يريد تقصي الحقائق و ... المحاسبة ...!! الطاهر ساتي