صار شعار سقوط النظام بأي ثمن بمثابة تمهيد لقيام امارات أصولية، ستكون الحرية ضحيتها الأولى. فهل قامت الثورة في سوريا من أجل الزج بالشعب في عبودية جديدة، تكون أشد قسوة وظلاما؟ بقلم: فاروق يوسف حين أعلنت الولاياتالمتحدة عن قرارها اعتبار جبهة النصرة، احدى الفصائل المسلحة المقاتلة ضد النظام السوري تنظيما ارهابيا فانها سبقت الجميع الى قول حقيقة ذلك التنظيم. حدث ذلك في الايام الاولى التي اعلنت فيها جبهة النصرة عن وجودها المسلح على التراب السوري. وكما يبدو فان الادارة الاميركية قد بنت قرارها على اساس معلومات استخبارية مؤكدة. فها هو التنظيم نفسه يعترف جهارا بتبعيته لتنظيم القاعدة ومبايعته ايمن الظواهري، وريث بن لادن في زعامته. الاعلان الاميركي الذي لا يقبل اللبس أو سوء الفهم لم يمنع دولة حليفة للولايات المتحدة من الاستمرار في تمويل جبهة النصرة. المعارضة السورية في جانبها الاسلاموي لم تستسغ التصنيف الاميركي، بحيث أن معاذ الخطيب والذي يوصف بالمعتدل رأى في ذلك التصنيف نوعا من تشويه السمعة لا يستحقه طرف مقاتل من اطراف المعارضة السورية. الطرفان، قطر والمعارضة السورية يعرفان جيدا ما كانت الادارة الاميركية متأكدة منه. غير أنهما في واقع الامر لم يتلقيا امرا اميركيا في الكف عن التعاون مع ذلك التنظيم. جبهة النصرة من جهتها لم يروعها الموقف الاميركي ولم يدفع بها الى تزويق سلوكها. لم يصدر عنها ما يشير إلى انزعاجها من ذلك الموقف الذي أستدعى موقفا اوروبيا مرتابا، اتخذت منه الدول الاوروبية المناهضة لتسليح المعارضة السورية ذريعة للاستمرار في النأي بنفسها عن التورط في النزاع المسلح بالرغم من الضغوط الفرنسية والبريطانية. هناك ما يوحي إذا برضا أميركي مبطن عن وجود التنظيم السوري المسلح الذي أعلن مؤخرا عن صلته بتنظيم القاعدة. وإذا ما كانت فصائل المعارضة السورية المسلحة، وبالاخص منها الجيش السوري الحر لم تشرك جبهة النصرة في عملياتها على الأرض، فان ذلك الاجراء لم يفت في عضد التنظيم الاسلاموي المتشدد الذي صار يحقق انجازات عسكرية على الارض، بحكم مهارات أفراده القتالية المستندة على تدريب متميز وتسليح متقدم. وهو ما أدى إلى عزل المناطق التي يسيطر عليها ذلك التنظيم ضمن حدود ما يمكن أن يشكل امارة، يخضع سكانها لقوانين خاصة. وهو ما يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. ففي بلد بعيد عن سوريا هو أفغانستان فعلت حركة طالبان في منتصف تسعينات القرن الماضي ما تفعله جبهة النصرة في سوريا اليوم. فهل نقف اليوم في انتظار اللحظة التي سيتم فيها تكريس وجود طالبان جديدة من أجل التمهيد لاعلان دولتها على جزء من التراب السوري؟ تحذيرات اطراف في الائتلاف الوطني ودعوات هيئات (اسلامية) تكشف عن سذاجة تفكير من يقف وراءها خاصة وان تلك التحذيرات والدعوات لم تخف لغة التخاذل والاستجداء وهي تتوجه إلى جبهة النصرة بالنداء من أجل أن تتراجع عن مواقفها الأخيرة التي أعلنت من خلالها صراحة عن انتسابها إلى تنظيم القاعدة ومبايعتها الظواهري زعيما. لقد كان معلوما بالنسبة لكل الجهات المعنية بالملف السوري أن دخول تنظيم القاعدة على خط الحرب في سوريا انما صار ضروريا، بعد ان عجز الغرب ومعه دول عربية عن استدراج العالم الى التدخل العسكري في سوريا، على غرار ما حدث في ليبيا. وهكذا فان حضور تنظيم القاعدة من خلال جبهة النصرة كان معروفا بالنسبة للقاصي والداني، وحتى قبل أن تعلن الولاياتالمتحدة عن موقفها. وكما أرى فان الائتلاف الوطني السوري قد تحاشى قول الحقيقة كاملة، حين حذر من إمكانية أن يستفيد النظام السوري من ظهور القاعدة علنا بين صفوف أعدائه. وهو تحذير لا معنى له على المستوى الواقعي. فالنظام الذي سبق له وأن تحدث عن وجود عصابات مسلحة تابعة لتنظيم القاعدة يعرف جيدا أن القوى الدولية والإقليمية التي عملت ولا تزال تعمل على سقوطه لن تكون معنية بعقائد وأفكار وسلوك القوى التي تعينها على الوصول إلى ذلك الهدف. اليوم صار شعار سقوط النظام بأي ثمن بمثابة تمهيد لقيام امارات أصولية، ستكون الحرية ضحيتها الأولى. فهل قامت الثورة في سوريا من أجل الزج بالشعب في عبودية جديدة، تكون أشد قسوة وظلاما؟ فاروق يوسف