خبر غريب أصبح متداولاً يومياً على كافة أجهزة الإعلام فعقب كل مباراة لم تنتهِ بالتعادل إلا وكان الخبر إعفاء مدرب الفريق المهزوم أو المطالبة بذلك وترشيح البديل ولكم من مرة البديل نفسه يصبح إعفاؤه من منصبة واستبداله بمدربٍ آخر هو النتيجة الحتمية لأول هزيمة يتعرض لها الفريق. لم يسلم من هذا الواقع أي مدرب تولى الإشراف على أي فريق في الدرجة الممتازة حتى الذين لم يتم استبدالهم منهم واجهوا مواقف صعبة وما يزالون يواجهون الأصعب في كل مباراة يعيشون تحت رعب الهزيمة. ومعنى هذا أن كرة القدم فقدت مقوماتها كنشاط بطولي لا تحسم نتائجه إلا بنهاية الموسم أو بنهاية الفوز بالكأس حسب المعايير التي ظلت تحكم هذا النشاط ومعنى هذا أنه فقد أهم مقومات استقراره لهذا فإن مثل هذا الانحراف على النحو الذي نشهده اليوم والذي يفقد كل المبررات يعني عدم استقرار هذا النشاط خاصة وأن العلة أصابت الجمهور الذي أصبح مصدر عكننة وانفعال عقب كل هزيمة لدرجة أن المدربين يتخوفون من ردة فعل الجمهور عقب أي مباراة يتعرضون فيها للهزيمة ومنهم من سبق أن لوح بإنهاء تعاقده خوفاً على حياته كما صرح من قبل مدرب الهلال الفرنسي. ولعل غرابة الموقف تتمثل في الأجهزة النظامية التي تشرف على حفظ النظام وسلامة المدربين واللاعبين وغيرهم والذين أصبحت أمنيتهم ألا ينهزم أي فريق حتى يسود الأمن والنظام والمؤسف أن هذه الحالة الغريبة من نوعها تفجرت كردة فعل للصراعات الإدارية في الأندية والتي أصبحت فيها مراكز الصراع والشلليات الموالية لهذا أو ذاك تترقب الهزائم وتعد نفسها لإثارة الفوضى والتظاهرات مستهدفين الإدارات ولكنها سلوكيات لا تملك أن تؤتي أكلها إلا نادراً إذا اضطرت الإدارات للهروب بالاستقالة ولكن العبء كله أصبح على المدربين. والمؤسف أن الإداريين أنفسهم لا يمانعون في استغلال سخط الجمهور الذي تحركه أصابع خفية تستهدف الإداريين فيقدمون المدربين ضحايا لامتصاص غضب الجماهير وللحيلولة دون شلليات الصراع للهزيمة. تحت هذه الظروف والأجواء غير الصحية لم يعد نشاط كرة القدم كتنافس رياضي له قيم ومعايير ثابتة على رأسها أن المدرب يتولى أمر الفريق بموجب عقد يفترض أن يحدد حقوق وواجبات كل طرف ولا أظن أن هناك نادياً يوقع عقد تدريب يلزم المدرب بألا يتعرض فريقه للهزيمة وإنما تحسب النتائج بنهائيات المنافسات سواء كانت دوري أو بطولة كأس بعينه. الأمر الثاني والمهم هل مستوى الإداريين اليوم مؤهل ليحكم على أداء المدرب فنياً أم إن المسألة انفعالات هوجاء وردود فعل لا مبرر لها. ويبقى السؤال الكبير: إذا تعين على أي نادٍ أن يعزل مدربه من بداية التنافس ألا يعنى هذا أنه أحق بالمحاسبة قبل المدرب إذ كيف تعاقد مع مدرب غير مؤهل. كما أن هناك جوانب فنبية لابد من وضعها في الاعتبار فهل الأجواء العامة والفنية في الفرقة والمستوى العام للاعبين قابل للتفاعل مع المدربين وهل كان للمدرب أي علاقة باختيار اللاعبين أم إنه اختيار عشوائي يقوم به الإداريون دون أي مقومات فنية، فهل مطلوب إذن من المدرب أن يصنع من الفسيخ شربات.. وهناك جانب آخر لا يعفي من المسؤولية في ظل تردي الأوضاع وعدم استقرار الحال مع المدربين هو ترصد المدربين لبعضهم، فما لحقت هزيمة بنادٍ إلا وتسابق المدربون على فتح النيران على زميلهم مدرب الفريق المهزوم وهو موقف بالغ الحساسية لا يصح للمدربين أن ينزلقوا فيه لأنهم سيشربون من ذات الكأس غداً عندما يعفى زميلهم بسبب الحملات التي يشاركون فيها مع أنهم مطالبون بأن يرسوا أدباً جديداً لدى العامة بحيث يتم تقييم المدرب بنهاية الموسم الذي تعاقد عليه (والبتسويهو كريت في القرض تلقاهو في جلدها)، يعني المدرب الذي يتصدى لانتقاد زملائه عقب كل هزيمة سيدفع الثمن عندما يتولى أمر الفريق بديلاً لمن انتقده بغير مبرر. أما الجانب الأكثر أهمية فيتمثل في غياب دور هيئة التدريب والتي يتعين عليها أن تصحح هذه المسارات الخاطئة وعليها أولاً أن تلزم المدربين بعدم المتاجرة بانتقاد أو الانتقاص من بعضهم البعض وبيدها أن ترتب لقاءات أسبوعية للتحاور حول الجوانب الفنية وإبداء الملاحظات لبعضهم البعض في جو ودي كما كان الحكام يفعلون حتى يسود بينهم جو ودي وغير مصلحي، كما أن لجنة التدريب عليها أن ترسي لدى العامة ثقافة التدريب حتى لا يكون الانفعال مع كل هزيمة حتى يغرسوا فيهم الروح الرياضية وإلا إذا بقي الحال على ما هو عليه لا تهدروا المال في التعاقد مع المدربين وخلوا الملعب لعشوائية اللاعبين تحت مسؤولية الكابتن حتى توفروا الأموال المهدرة في المدربين..