٭ فاتحة الدخول: «ألا تعرفان بعضكما؟ هذا صديقي المهندس خليل.. وهذه حنان!». «أهلاً!» كانت يدها ناعمة.. دقيقة الأنامل.. للمستها وقع السحر في النفس.. نظر الى عينيها العميقتين.. ابصر فيهما تباشير دنيا مقبلة.. اهلاً ليس ثمة كلمة أجمل من هذه الكلمة! ظنها ادركت ما يعني، ضحكت ضحكة ناعمة، ثم انفلتت في مودة وهي تغمغم باعتذارها، اذ نادتها أخرى: بعد أن غادرت.. أحسست أن قلبك هو الآخر قد غادر موقعه.. حاول صاحبك ان يمضي الى مجموعة اخرى - اذ رأى شرودك الساهي.. لكنك استبقته.. حاولت ان تشكو له بثك «كان صوتك يتلجلج بين بحة الحزن والفرح المأمول».. آن أوان انتقالي وصيرورتي نظر اليك... لم ينبس.. وهو يحاول النهوض لاهياً عنك.. اردفت: انتهى زمن التجوال عبر أرصفة الزمن الأجرد.. بصبر نافد قال لك: كف عن هذه الغمغمات وأفصح.. كما الحافي يسير على الشوك أخذت تتلمس سكتك تلك البنية..!! مالها؟! أرعشتني!! أيها الرومانسي العتيق.. أهذه هي الطريقة المثلى؟ دونك الزميلات المنطلقات.. المرحات المعربدات.. الرائحات الغاديات.. ثم وهو يقهقه حتى لفت اليه الانظار: الكاسيات العاريات فاختر! ٭ لحظة الارتعاش: في عرس صديقنا رأها.. حمامة وديعة بدأت.. مالت الى جارتها في إذنها همست.. كانت سياط البرق تجلد مسامات السحب.. تهطل السماء ألقاً وياسميناً.. تأملها.. بدت جزلى إذ أبصرت اهتمامه ضحكتا وهما تنظران اليه.. توضأ بالعشق صلى من أجل حبها ركعتين.. كان الوجود يضج بالفرح.. المغني اختار اغنيات الأمل.. انتقاها بحسه المتقدم.. خاض في وحل الدموع والفاجعة وانتقى.. يبدو أن الكون بجماعه يسعى لمصالحته.. ليمسح الدمع المتخثر في عينيه. الثريات مثل ورود تفتحت بالشعاع.. ألوانها زاهيات.. الجميع يرقصون على ايقاع قلبه المتسارع، الروح تهفو للالتقاء بذلك الجمال الذي يبدو كما الخيال الذي يطفو في الحد الفاصل بين الحقيقة والحلم. لنفسه يقول: هأنت أيها الآتي من أرصفة التجوال تسكن في قلب اللحظة المفعمة. ها أنت تقبض على اللحظة المنسربة.. تفر من تعاسات الأيام الرتيبة.. تتعالى فوق التساقط الهش.. تتسامى فوق سفوح السقوط.. يتجلى لك ومض الحقيقة السافر.. ترحل بك الومضة إلى رعشة القلب الأولى.. إلى خفقات النجاح الذي أطاح بإخفاقات الفشل الذي كان.. فيا نشوة الروح الهائم.. ويا لتجليات الزمن المقبل.. واليد التي تصافح، والأنامل التي تنفرد لتمسك.. والقلب يزغرد.. والجمال مقبل.. وكل ما عداه مدبر..!! ٭ بوح من شفتين يابستين: ندت عنها آهة وهي تحكي.. وبدا حيالها واجماً في شروده الساهم. الكلمات كما المدى الجارحة.. ذلك هو قدرنا.. ألا نلتقي حتى تصفر القاطرة مؤذنة بالرحيل.. ليس ذلك بيدي.. كما انه ليس بيدك.. أنت لم تختر الذي تفعل.. مثلما أنا لم أفعل الذي اخترت..!! نحن لا يمكن أن نسبح عكس التيار.. وان فعلنا من ادراك اننا سوف نصل!؟ صعب ذلك الذي به نفكر لا نملك القدرة.. بل ان شئت انا لا استطيعه حتى بمعاونتك.. دعني اذاً أسفر ولا اتخفى في اتزان رزين لا ينجح في اجتثاث الاسى مني ومنك- لا اقبل ان تكون كما لا ارضى ذلك لنفسي.. ذلك الخفاش الباحث عن الانتماء- انت تدرك ما اعني.. كما أنا ادرك ما تعاني! ولكننا نعجز عن تحويل هذا الادراك الى مقاومة فاعلة.. ندرك أن نجاحاتها تعني الخسران بمستوى ما.. وان خسرانها لا يعني النجاحات،،!! معادلة لا تعطي في النهاية ولا تقود لمحصلة سوى ما نحس به وما نعاني.. هأنا أقول واتسلح بالكلمات الفضفاضة.. ومع ذلك أعجز عن افضفض الواقع المعيش، وافضي بكل ما يعتمل في داخلي. ذلك ان ثمة ترسبات من الصعب ازالتها بين عشية وضحاها، أو غمضة عين وانتباهتها.. ومع ذلك أنت تدرك.. أحس ذلك من خلال هذا الصمت المثقل بكل معنى الاحباط والانكسار الذي لا معنى له ولا جدوى.. لا أحسبني بحاجة لأن أعيد وأكرر.. فأنا بكل ما أملك من بصيرة وباصرة، مازلت أرسف في قيودي، وأقف حائرة أمام مسلماتهم الضاربة.. فهل أنت عاذري؟ لا تفعل.. فأنا نفسي لا أعذر نفسي!! ٭ سيرة ذاتية: منذ الجامعة كان ينتمي لذلك الحزب -لم يكن يعبر بدقة عن أهدافه، ولكن كان الاقرب الى وجدانه، ربما كان مرد ذلك لنشأته في أحضان البيت الكبير، وشكل العلاقة بين أسرته وبين ذلك البيت. اذ ان اسرته تدين بالولاء المطلق إن لم نقل بالطاعة المطلقة، ومع ذلك يحاول دوما أن يقنع نفسه ان ما توصل اليه وليد قناعاته واختياره الحر.. وعند خروجه الى ساحات العمل ودوائر العلاقات الاجتماعية- كان يحس بأن ثمة حواجز تقوم أمامه، وتحز في نفسه. كان أهل المسؤولية في ذلك الحرب يصنفونه ضمن كوادرهم دون أن يسألونه او يناقشونه.. ورغم انه لا ينكر انتماءه الا انه يكاد يفقد المصداقية بينه ونفسه، ذلك إن الانتماء يعني القناعة والاقتناع وهما ما تعوزانه، ويعني اليقين وهو ما يفتقده، فهو وسط ذلك الخضم له رؤيته للأشياء وفحصه وبحثه عن الاسباب والنتائج للوصول، وما يهمه بعد ذلك أجاءت مع الخط العام؟ او ضده؟ الأغرب أنهم يستكثرون عليه استقلاليته وعدم التبعية، وهو يدرك ذلك - لكنه يحس بالامتعاض لنظراتهم الدونية له- حيث لا تسنده أرومته، فتلك لها في موازينهم ثقلها البيّن. في مرة قال المسؤول الكبير انا بحاجة الى مثل هذا الطرح وان خليل هو النموذج الذي نريد! حقيقة كان يتطلع الى ان يكون في المقدمة من خلال امكاناته وقدراته الذاتية.. رغم ان ثمة ترسبات لها أثرها بنفسه.. لكنه لا يتركها تقعد به عن أهدافه فهو ساعٍ على الدوام الى ان يتجاوزها، وان الزمن كفيل بذلك. وكثيرا ما تحز في نفسه نظرتهم الاستخفافية وميزانهم المائل، فهم لا يرتقون بك الا من خلال تصانيفهم: نقدم لكم الدكتور.. مهندس فلان. عندئذٍ تجحظ عيونهم، وتهش وجوههم.. وتتسارع ايديهم تصافح.. وينهضون ليجلسونك في حفاوة بالغة، لكنك ما تكاد تغادرهم حتى تأتيك اقوالهم المستخفة تسمعها بأذنك.. لا يبالون من التجريح.. ويغيظهم ان دم التجريح المراق ليس أسود! تطاول طموحك يوما لتنوب عنهم.. تحفظ زعماء الحزب في أدب.. بيد أن العقلاء قالوا قدمونه فإنه لا يدمغكم.. بل يوحي بالتسامح.. قال بعضهم تلك امور نحن لا نقيم لها وزناً.. وقال اولي المسخرة والسخرية والثروة الحيوانية والتناسلية فأين المشكل؟ في قلعة المعرفة في سنواته الباكرة كانت ثمة حركة فكرية نشطة ادبية على وجه الخصوص، نادت على ما يذكر بالتهجين والمزاوجة.. ولحظة اقترابك الحميم من احداهن كتب متخلف في جريدته الكلام ع. اللون يا..! المواجهة مع مكابر عبد الكبير: ٭ ما كان أسعدني لولا أنها مخطوبة - وقد قيل اذ جاءكم من ترضون دينه.. وعلى كل فإن الأمر قسمة- وانت لا يعيبك شيء.. وستجد العروس التي تستاهلك. ٭ ولكني أدرك أن حنان غير مخطوبة؟ ٭ انا والدها.. وانت تكذبني، لا بد انك عالم بحالها اكثر مني؟ ٭ ليس كذلك... أنا آسف.. فقط قصدت أن أقول.. ٭ لا تقول.. أنا قلت وانتهى الامر! ألا تفهم؟ ٭ نثر الملح على الجرح: جاء لينثر الملح على جروحك النازفة.. وهكذا وهو في معابثته تلك نجح في إيقاف تدفقها النازف. «كف عني أيها المهرج» ولكنه لا يأبه تلك هي أحواله - في محاكاته القردية راح يعابثك ويقلِّد صوتك: «تلك البنية؟» «مالها؟» «أرعشتني!!». ثم يروح يقهقه بصوته الأجش حتى تدمع منه العين -فلا تملك إلا أن تشاركه- ثم دار الزمان.. وتبدل الحال.. واندمل الجرح.. ولم تعد تذكر او تفكر.. ورحت في دأبك والكد.. وأخذت تعمل في إصرار واجتهاد.. تبذل الجهد تلو الجهد- أغرقت نفسك في ذلك فوجدتها.. فكبرت واستطالت.. وفجأة وجدت أن أسهمك قد ارتفعت، بعد مواقف لك وقفتها، وجهود لك بذلتها- فاذا انت في البؤرة المشعة، والاضواء حولك، صار اسمك على كل لسان - واذا دارك اصبحت قبلة لعموم الناس.. قال صاحبك وهو يعابثك- سوف اضيف الى سيرتك الذاتية ما يجهله ناخبوك.. انتخبوا المسكين الزهجان.. المطرود من أبي حنان..!! جاءتك النيابة تجرجر أذيالها - وفي أعقابها الوزارة.. فيا لنجمك الصاعد في السماء الزرقاء..!! لقاء أخير مع عبد الكبير: ٭ ما شاء الله.. ها ود أخوي.. وتنفرج أساريره الودودة.. ويحتويك مهنئاً مباركاً وهو يتلفت وقد انبهر بما يرى من الفخامة والأبهة السلطوية.. فينادي على ابنته حنان: حنان ادخلي؟ هل تخجلين؟ انه ابن عمك؟ وفي لهوجة يقول لك: قلنا نرسل ليك.. تاني قلنا أحسن نجيك برانا عشان نهنيك ونتفاهم في الموضوع؟ موضوع؟ موضوع شنو؟ موضوعكم مع حنان..!! وتدوس على قلبك.. ذلك الراعش بالغضب.. وتنظر اليه في انكساره الذليل، لتضاهي بين ذلته وذلتك.. وتنظر إلى حنان.. تلك التي لم تدافع عن حقها، او حقك.. وها هي الآن تنقاد لتأتي معه... وقد نسيت قولها إنها لن تغفر لنفسها - فهل غفرت؟ وإذ ظل ينتظر ردك تفاجئه بقولك. حنان داير ليها شغل ولا الموضوع شنو..؟! عندئذٍ تنهض حنان خارجة صافقة الباب وراءها- فيما فغر عبد الكبير فاهه الكبير في دهشة عظيمة..!!