بعض الناس تتشكى منهم حتى ظلالهم. هذه الهالة السوداء التي تلاحقك أينما حللت هي شاهد لك أو عليك. وصاحبنا ظل يعدو في دروب الحياة بأنفاس لاهثة وأيادٍ تشرئب لقطاف الحق أو الباطل، سيان الأمر عنده. لديه جوع سرمدي وشبق للإستحواذ والعلو لا يقاوم. كلّ ظله وما كلّ عوده أو ملّ. تعثرت قدماه الحافيتان على بلاط السلاطين وأنصاف السلاطين وأرباع السلاطين. تشكّت خلايا جلده وهي تُصبغ كل يوم بلون، أمس أحمر فالإشتراكية يومها سمة العصر، ويوم آخر ينتقي الأخضر فذاك عهد دفوف الذكر ونحاس الذاكرين، وأول أمس هو نديم موائد الماء والخضرة والوجه الحسن. وعندما تدق المارشات العسكرية تجده يتحسر على بزةٍ عسكرية غفل ذهنه المتوثب عن أهميتها، لكنه لا ييأس فيطرق كل الأبواب وشفتاه تمضغان كلمتي (سعادتك) و(سيادتك). ثم تأتي الثورات والانتفاضات ومن بعدها الانتخابات فتجده أحياناً (خليفة) وأحياناً ب(عزبة) مدلاة. ويأتي أهل التمكين فيبتذل ما تبقى من شظاياه الإنسانية وينثرها تحت أقدامهم حتى يتمكن من أهل التمكين. أحياناً كنت أُعجب به كما تُعجب بممثل بارع يتقن الأدوار المركبة. وأحياناً أرثى له إذ كيف ينفق كائن بشري أكثر من نصف قرن في حالة تمثيل دائم، دون أن يُحظى بومضة من عمره- يخرج فيها عن النص - ويجالس إنسانيته التي صدأت. أية طاقة تلك التي يستمد منها كل هذا الجري.. كل هذا اللهاث.. كل هذا الإذلال لنفسه؟ كيف يتعايش المرء مع أنفاسه.. مع شهقاته وزفراته العطنة التي ما عرفت نقاءً إنسانياً؟ كيف تأتي له أن يضع الكبرياء والكرامة والفطرة السوية على طاولة علاها الغبار لعشرات السنين ويمضي بين الناس عارياً من الفضائل؟ ومما يربك تفكيري أنه يعد نفسه من الناجحين النابهين، فمعياره للنجاح هو بلوغ الهدف وإن تناثرت روحه أشلاء تدوسها النعال وتعرض عنها حتى الكلاب. وهو فوق كل هذا مؤدب حلو اللسان لا قِبل له بإستعداء أحد لأنه يعلم يقيناً أن نقاط ضعفه بعدد خلايا جسده. كما قلت لكم سابقاً أنا تارةٌ معجب بمواهبه وأحياناً مشفق عليه، ولكنه يبقى الوحيد الذي يذدريه ظله!