كل ميسر لما خلق له، وهو قول ينطبق بالحرف على الرجل الهمام خلقاً وأخلاقاً، فقد كان نوراً يشعّ ليضئ للآخرين، ولم يكن مثل الناس بل كان متميزاً في كل شئ، همته عالية خفاقة لا تعرف الانحناء، وقد سلك منذ نعومة أظافره مسلك الفضلاء العظام، عاش حياة رخية في كنف عشيرته، جمع بين كل الإثنيات ووحد فيها قيم الإخاء والتكاتف، وهو قبيلة وقبلة ظل بابه مفتوح أمام كل طالب حاجة، لم تكن العزازة وحدها هي محيط أعماله، فأينما ذهب ترك بصمة وأدخل سروراً وفرحاً لدى كل الناس، وذلك لأن طبيعة خليقته تجعلك تسعد بالتودد والقرب منه. فكيف يعود ذلك التودد وصبيحة الثلاثاء السادس من يوليو فجعنا برحيله ونحن أحوج ما نكون إليه، توقفت الحياة بالجزيرة كما توقفت بالخرطوم حيث سكبنا الدمع حتى أدمت القلوب حزناً! فما الذي يمكن أن أكتبه بعد رحيل جمل الشيل العمدة العم الشيخ محمد الحسن أبو الحسن. كان مزارعاً كبيراً وقائداً صنع مدرسة في فن التعامل كما قال أحد مؤبنيه في عزائه، قاد النضال في كل الجبهات، وكان يمارس المنطق والحكمة ويدفع بالتي هي أحسن، ولم تكن له خصومات وضغائن حتى مع الذين يخالفونه الرأي! فالشيخ ود أبو الحسن لم يكن يعيش ليستمتع بما عنده من خيرات بل عاش لإسعاد الآخرين، وكان يسخّر كل همته لحل مشاكل الناس، وكان ذلك حافزه ليتقدم الصفوف ويختاره المزارعون في قيادة النقابات، فقد كان نقابياً فزّاً يشهد له اتحاد الجزيرة والمناقل. وكان برلمانياً مشاركاً ومدافعاً عن قضايا دائرته وولايته، فهو العضو التشريعي المنتخب على مر الحقب السياسية! وعندما داهمه المرض لم ينقص ذلك من عزيمته، بل كان يخرج من عنبر الغسيل الكلوي ليلحق بزملائه شيخا في مجلس تشريعي الولاية! لا تلتقيه إلا وهو صابر حامد شاكر لله سبحانه وتعالى! لم يكن رجلاً عادياً، ولم يكن موته موت رجل عادي بل كان موته موت أمة، فقد فجعت بموته الولاية كلها وعلى رأسها واليها ووزراؤها ومعتمدوها وأحزابها ومشايخها وزعماؤها وقيادتها وعموم أهلها، جاءوا كالسيل والحزن مسكوب على جباههم، أتوا من كل فج عميق! أي حزن هذا وأي رجل رحل؟! عرفه الناس معطاءً جواداً لا تزور قرية أو منطقة إلا وذكر ود أبو الحسن أو الشايقي بخير. فماذا أكتب وهو أفخم من كل تعابير اللغة وخلجات الأحاسيس؟! الفقد عظيم والمصاب جلل والراحل أمة لا نملك إلا أن نبتهل للمولى عز وجل أن يجعله ضيفاً مكرماً، وأن يبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وأن يجزيه خير الجزاء بقدر ما أحسن وربّى وآوى وعمل سراً وعلانية وأن يظلله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله. لم يمت ود أبو الحسن لأنه ترك بيننا أبناءً تشربوا من فيضه وساروا على نهجه، الصادق وخالد ومهدي وعبد الله وأحمد وبينهم عبد الرحمن الذي تجاوز العشرين بسنوات، والذي تقدم الصفوف ليصلي على جثمان والده مؤمناً صابراً محتسباً قضاء الله وقدره! رحم الله العم محمد الحسن أبوالحسن وألهم آله وأبناءه الصبر والسلوان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.