كان مساء الخميس الفائت من أميز المساءات في منطقة الجريف غرب حيث يقوم المجمع الإسلامي ومنبر الشيخ محمد عبدالكريم ، وكانت المناسبة التي تداعى اليها لفيف من الجمهور ونفر كبير من المشائخ والعلماء والدعاة على رأسهم الشيخ المحبوب الامين اسماعيل والشيخ عبدالحي والعامري اليمني وغيرهم من المشائخ الأجلاء ، كانت المناسبة هي عقد قران كريمة الشيخ محمد عبدالكريم ( سعاد ) على الشاب الوجيه ( ناجي ) وقد تم العقد بحمد الله عقب صلاة المغرب وسط حضور وشهود فاق حد الوصف بعد ان شنف بعض العلماء آذان الحضور بكلمات نيرات عن فضيلة الزواج في الاسلام ومنافعه وضرورة تسهيله على شباب وإماء المسلمين . بيد ان أميز ما في المناسبة لم يكن مراسم العقد المشهود فحسب وإنما كانت المفاجأة في البرنامج المصاحب للمناسبة حيث ضرب فسطاط كبير للإطعام خارج باحة المسجد زينته الانوار وحلل الضياء مثلما ماهو شائع في مناسبات الأفراح عند كثير من أهل السودان ولكن الفرق بين فسطاط محمد عبدالكريم واي فسطاط آخر هو طبيعة البرنامج الذي تم تقديمه بواسطة بعض العلماء والشباب ، كنت أظن بعد ان دعا الشيخ الحضور الى الاستمتاع بالبرنامج انه ستكون هنالك فرقة للانشاد والمديح على غرار ما يحدث في مناسبات الاسلاميين الذين بدأوا في الآونة الاخيرة إضفاء طابع ملتزم نوعاً ما في مناسباتهم السعيدة كأن يأتوا بفرقة الصحوة او غيرها من الفرق الموسيقية ، كنت أظن ذلك ولكن يبدو ان الشيخ محمد عبدالكريم يريد ان يسن سنة حسنة يحتذي بها كل من يبتغي التوسط في اخراج مناسبات الافراح من خاصة الناس وعامتهم ، فقد كان البرنامج عبارة عن افتتاحية تلا فيها احد القراء الكرام آيات بينات من الذكر الحكيم ثم اعقبه شاب يرحب بالحضور بصوت رخيم كلمات على شاكلة انتم منا ونحن منكم ارواحنا سوية حللتم اهلاً ونزلتم سهلا وغيرها من الكلام الطيب ، ثم برز شابان عربيان ينشدان كلمات طيبة ترحب بالعروسين وهما يدخلان الحياة الزوجية من باب المسجدية ويتمنيان لهما السعادة والذرية الصالحة ، ثم كانت ام المفاجئات ان الحفل عبارة عن فقرة قدمها خدن الشيخ شرح فيها حديث من الاحاديث النبوية الشريفة يحث على احترام حقوق النساء ويحض علي اكرامهن وكان اطرف ما في الكلام حكاية أحد عشرَ إمراة كن يتناجين عن سلبيات وايجابيات ازواجهن ،ان تفاصيل طرفة احاديث النساء عن بعولتهن اشعلت المرح في نفوس الحاضرين حتى الصبية الذين كانوا حضوراً ضجوا بالضحك واعجبتهم طبيعة المناسبة ووجدوا فائدة كبيرة في الاستماع الى الكلام الطيب بدلاً عما هو معهود في كثير من مناسبات الافراح حيث الكلام الفاضح الذي لا يناسب آذان الصغار ولا يحثهم على الفضيلة . ان مناسبة تزويج كريمة الشيخ محمد عبدالكريم هي مناسبة لتأصيل عاداتنا الاجتماعية بصورة ترقي الأذواق وقد كانت بالفعل انموذجاً للراغبين من سكان الجريف غرب وغيرها من الاحياء ان يتوسطوا في اخراج مناسباتهم الاجتماعية دون غلو او تفريط فالزواج مناسبة تكون في العمر مرة واحدة وتستحق ان يحتفى بها إحتفاءاً يجعل منها ذكرى طيبة وسعيدة لا يتحرج الانسان من استعادة شريط ذكرياتها ، لقد أكرم الشيخ محمد عبدالكريم كريمته غاية الإكرام ونتمني من كل أب عطوف ان يسهل الزواج لبناته ويزوجهن ممن يحمد دينهم ووفق طرائق الاسلام الجميلة الاصيلة حتى نضيق الخناق على العادات الغريبة الوافدة علينا في شأن الزواج فالزفة ليست من عاداتنا وإنما السيرة هي العادة وهي تشبه الميراث النبوي المأثور ( أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم ) كما ان ارتفاع حلاقيم النساء المغنواتية في فضاءات الاحياء ايضاً ليست من عاداتنا عوضاً عن الرقص وهز الاجسام وتركيب الكلام الفاضح الرخيص على انه طرب وتطريب ، ان اهل السودان الطيبين الكرماء يحتاجون الى مواسم كمناسبة زواج كريمة الشيخ محمد عبدالكريم حتى يعلموا ان بإمكانهم معانقة الفرح دون تفريط في العادات والتقاليد الموروثة .