عندما طرحنا في موضوع سابق في ذات الصحيفة حول التصاعد الإعلامي لبنات زعيم الأمة وكيان الأنصار السيد الصادق في العمل السياسي والإعلامي دون ابنائه الذكور ،لم يكن هذا الطرح تقليلاً من الجهود الفكرية والثقافية والسياسية التي تتمتع بها بنات السيد الامام الدكتورة مريم الصادق وام سلمة ورباح، ولكن الشيء الطبيعي هو ان يبرز الابن في العمل السياسي وهو الذي يكون خليفة والده، مثل ما نرى اليوم فقد صعد بشار الاسد واخذ مكانة ابيه، وان كان تم له تعديل الدستور وكذلك الحديث الآن عن جمال نجل الرئيس المصري حسني مبارك والحديث ايضا عن احمد نجل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وكذلك الحال في العمل السياسي في السودان، فقد خلف الصادق نفسه ابيه الصديق وجده عبد الرحمن المهدي وكذلك السيد محمد عثمان الميرغني خلف والده السيد علي الميرغني وكذلك صعد نجم المرحوم محمد اسماعيل الازهري كناشط سياسي امتدادا لدور والده الزعيم اسماعيل الازهري، وحتى عندما تحدث بعض المواقف السياسية لزعيم المؤتمر الشعبي حسن الترابي مثل اعتقاله او غيره في الفضائيات تتجه بالاسئلة الى ابنه صديق غالبا دون التركيز على مساعديه في الحزب. والامر الذي طرحناه من قبل هو لماذا يفضل السيد الامام الصادق ان يقود الهجوم.«بالنواعم» دون الذكور ولماذا يحتفظ بهؤلاء الابناء هل ليوم كريهة وسداد ثغر ام ان للصادق حكمة تظهر وفي وقتها لهذا الفهم. وكما هو معروف فإن للصادق المهدي ثلاثة ابناء ابرزهم واشهرهم عبد الرحمن والصديق وبشرى وهناك رابع لم تسلط عليه الاضواء وهو محمد أحمد. ولقد عرف الابن عبد الرحمن باهتماماته الرياضية خاصة في مجال الفروسية وذاع صيته مرتين الاولى عند التحاقه بالقوات المسلحة في حقبة سياسية ماضية وتحدثت عنه الصحف بانه تلقى دراساته العسكرية في كلية تتبع لدولة عربية ولم يتخرج في الكلية الحربية بالسودان «عرين الابطال ومصنع الرجال» والمرة الثانية هي عندما تم فصله من القوات المسلحة وان تكون دراسته في خارج السودان للعلوم العسكرية وطريقة التحاقه بالمؤسسة العسكرية واحدة من اسباب فصله، وان كانت اسرته وحزبه قد عزوا ذلك لاسباب مختلفة من بينها اسباب سياسية ولان ثورة الانقاذ الوطني هي التي اطاحت بحكم ابيه الصادق المهدي 68-9891م. وابناء الصادق المهدي لم يظهروا على مسرح السياسة في حزب الامة رغم توليهم مناصب عديدة مثل التي اعلنت عنها سارة نقد الله عند تقديم السيد عبد الرحمن المهدي استقالته من المواقع الدستورية وعضوية المكتب السياسي والهيئة المركزية لحزب الامة بسبب اعادته للخدمة العسكرية بالجيش السوداني، ورغم كثرة هذه المناصب التي تبوأها السيد عبد الرحمن الا انه لم يظهر في العمل السياسي داخل حزب الامة بقدر هذه المناصب التي تولاها لا سياسياً ولا اعلامياً، ولا بالقدر الذي يحد من ظهور اخواته في العمل السياسي والاعلامي. والصادق المهدي نفسه عندما واجهته الاسئلة الاعلامية حول تعيين ابنائه في المناصب القيادية لحزب الامة قال ان ابناءه شاركوا في النضال المسلح والجهاد المدني بالقدر الذي يسمح لهم بنيل هذه المناصب وهذا لا يعني انهم ابناء رئيس الحزب لا ينالوا شيئاً فهم ما نالوه كان نتاج جهدهم وعملهم في الداخل والخارج واشار الى ان اولاده «ما سحاسيح» وهي عبارة شعبية تشير الى ان اولاده غير «مدللين» حملوا السلاح وناموا في الصحراء والعراء مع جيش الامة في اريتريا وغيرها من المواقع وبالتالي من حقهم ان ينالوا هذه المناصب القيادية، والامر الثاني انهم جاءوا بالانتخاب وهذا حق ديمقراطي يكفل لهم حق التنافس مع الآخرين.. وبعودة العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي الى المؤسسة العسكرية يكون السيد الصادق المهدي قد دفع ب «05%» من ابنائه الذكور الى القوات النظامية فقد التحق ابنه بشرى بجهاز الامن والمخابرات الوطني وهو يؤدي مهامه بعيدا عن تأثيرات والده في العمل السياسي العام ودون تسليط الاضواء عليه وذلك لانه يعمل وفق قانون الامن الوطني والذي يلتزم بحدوده وتطبيقاته. وبالتأكيد بعد فترة من الزمن يخرج ابناء الصادق المهدي من هذه القوات النظامية بالتقديرات المعروفة التي يخرج بها الضباط الى «المعاش» وبالتالي يكون حزب الامة جمع داخل قيادته القادمة من له خبرة عسكرية وهو الامر الذي افتقده حزب الامة داخله واثر بشكل مباشر على عمله السياسي ورغم ان مناطق نفوذ حزب الامة في دارفور وكردفان وحتى ولاية نهر النيل قد خرجت العديد من الضباط في القوات النظامية المختلفة الا ان حزب الامة لم يستطع ان يوظف هؤلاء الضباط بالقدر الذي يمكن ان يستفيد منهم في مقبل عمله السياسي مثل ما كان هناك اتهام بين قيادة ثورة مايو والحزب الشيوعي في انقلاب 9691م والعلاقة التي تكشفت بين قيادة تغيير الانقاذ الوطني والحركة الاسلامية السودانية وبالتالي لم يكن حزب الامة هو افضل من الاحزاب السياسية الاخرى التي تحاول ان تجد قدماً في المؤسسات القومية رغم ان حزب الامة يعتقد جازما ان صناديق الاقتراع هي افضل وسيلة له في الوصول الى السلطة وليس عن طريق آخر مثلما فعل الحزب الشيوعي عام 9691 والحركة الإسلامية عام 9891م. وتاريخ حزب الامة لم يعرف له قادة من القوات النظامية بعد المعاش ولعل اول اسم كان ظاهراً هو اللواء فضل الله برمة ناصر وهو احد اعضاء مجلس سوار الذهب عام 5891م الذي اطاح بحكم الرئيس جعفر نميري الذي استمر حوالي «61» سنة ولم يكن فضل الله برمة ناصر من القيادات ذات التأثير في حزب الامة القومي رغم ان الرتب التي لحقت باكتاف المدنيين في جيش الامة مثل مريم الصادق المهدي وغيرها كانت اكثر نفوذا من تلك القيادات التي قضت جل عمرها في المؤسسات النظامية. وكما اشرنا الى ان حزب الامة لم يستفد من مناطق نفوذ في كردفان ودارفور ومحاولة استقطاب بعض الضباط ان كان داخل الخدمة او خارجها رغم ان مناطق نفوذه قدمت قيادات في القوات المسلحة وابرزهم الزين ابراهيم سليمان والفريق عباس والفريق آدم حامد موسى والفريق مهدي بابو نمر والفريق محمد بشير سليمان وغيرهم. ولكن يبدو ان حزب الامة بدأ يستفيد من بعض التجارب التي اقدمت عليها بعض القوى السياسية مثل الحركة الاسلامية او الجبهة الاسلامية في الاستفادة من تلك العناصر التي عملت في القوات النظامية حتى في فترة الاحزاب قدمت اللواء الفاتح عابدون والعميد «م» اسماعيل الطيب هذا بالاضافة الى الضباط الذين ظهروا مع التغيير الذي حدث في عام 9891م وكشف سلة من هؤلاء الذين ظهروا في قائمة قيادة الثورة والذين تقلدوا مناصب من الحكام العشرين في الاقاليم ايام الثورة الاولى بالاضافة الى الذين تقلدوا مناصب مديرين في بعض الهيئات والمؤسسات العامة. ولم تكتفِ ثورة الإنقاذ بهؤلاء بل عملت على تعيين عدد من الضباط الذين تقاعدوا الى المعاش في وظائف مديرين تنفيذيين الى كثير من المحليات باعتبار اعادة الضبط والربط الى تلك المحليات التي اشتهرت بالفوضى أيام التموين والسكر والدقيق والشاي والزيت وغيرها من السلع التي كانت توزع عبر المجالس المحلية. وفعلاً حزب الامة بوضعه الحالي يحتاج الى قيادة ذات صفات عسكرية تعيد الى الحزب هيبته المفقودة الذي تقسم الى (الفسيفسات) كما قال زعيمه في آخر مؤتمر صحفي له. ان الصادق المهدي ينظر إلى الافق البعيد والى ان المستقبل في رأيه سيكون الى حزب الامة متى ما توطنت الديمقراطية في السودان وان طال الزمن او قصر فإن عبد الرحمن وبشرى سيغادران المؤسسات النظامية ليكونا على رأس الحزب بخبرات عسكرية كانت مفقودة في الحزب واثرت على عمله السياسي كثيراً. ومثل ما أعد حافظ الأسد ابنه (باسل) لقيادة سوريا لكنه توفي وخلفه بشار وبمثل ما أعد الرئيس علي عبد الله صالح ابنه العقيد (أحمد) فالسيد الصادق يعد ابنه عبد الرحمن لقيادة الحزب في المستقبل ولقيادة السودان ويكون عبد الرحمن الصادق ثاني عسكري يرأس حزباً سياسيا بعد عمر البشير هذا اذا لم نأخذ تجربة نميري في الاتحاد الاشتراكي.