في سنين الغربة الطويلة والهجرة التي صارت سمة بارزة في حياتنا نحن السودانيين في العقود الثلاثة الأخيرة، تنفرط من عقود حياتنا، وتتناثر مرة بعد مرة حبة أو جمانة أو لؤلؤة من ذلك العقد، الذي كان جوهر وزينة صدر محافل حياتنا الاجتماعية، أوتكويننا العلمي أو المهني. ويموت الأقارب، ويرحل الأصدقاء، ونحن في دائرة الغربة المحرقة. قبل أيام طوى الوهاد، نبأ وفاة زميلنا الأستاذ «عباس ساتي» المذيع في إذاعة دنقلا التي ارتآها، مقاما بعيدا عن صخب وبشر الخرطوم. وزاملت الراحل في بدايات عملي الإذاعي في «إذاعة صوت الأمة السودانية» في أواخر السبعينيات، وكان عباس كبير المذيعين، وكنا فتية مترعين بالآمال، جئنا من فجاج هذا الوطن الغالي الواحد الموحد، لم يكن هناك هذا التشظي: سر الختم عثمان من دنقلا، عوض الله ومبارك خاطر وفاطمة السنوسي من الجزيرة، الهادي المبارك من سنجة، أحمد حسين من كسلا، سبقنا بشهور، الفاتح الصباغ من الثورة، وفاطمة الصادق من بحري، وصلاح التوم وعلوية آدم وليلي عوض من أم درمان، عثمان شلكاوي من بحر أبيض، وجونسون لتبوي لوم من الجنوب، وأحمد آدم صالح من دارفور، كل هؤلاء يقودهم أستاذنا «أبو العزائم» ومحمد سليمان، والخير عبد الرحمن، ومحمد عبد الله عجيمي، فكان النجاح وكان التفوق وكان التميز لإذاعة صوت الأمة. عباس ساتي كانت صلتي به أكثر من زمالة العمل، كان يصر على أن أفطر في رمضان معه في «بيتهم بالدناقلة ببحري» فتعرفت على والده وإخوانه «مبارك ومحمد ابن أخته وغيرهم»، وعندما ذهب لمصر متدربا على فنون العمل الإذاعي كنت وكيلاً على راتبه، أقبضه آخر الشهر وأسلمه لمبارك في بحري. «إنا لله وإنا إليه راجعون». عوض الله محمد عوض الله