يحفل العالم المتقدم بتجارب معتبرة في الحكم المحلي أو الفيدرالية وأصبحت الأنظمة الإقليمية من الاتجاهات الضرورية في التطوير والتنمية المحلية ويعتبر نظام الجهات المستقلة المعمول به في أسبانيا في كل من (منطقة الباسك، وكطالونيا وجزر الكناري والأندلس)، وغيرها من الحكومات المستقلة، وأيضا «الكانطون» بسويسرا و»اللانديرز» بألمانيا وكذلك الولاياتالمتحدة الأميركية، والمناطق الإيطالية، نماذج ناجحة يمكن أخذ العبرة منها في الحكم الذاتي، أو الفدرالي . ولا احسب أن البلاد بحاجة إلى مراكز بحث علمي وتقصي لتجارب الدول الأخرى بقدر حاجتها إلى الجدية في الأخذ بالرأي العلمي من قبل صناع القرار السياسي ويمكن لأكاديمية السودان للعلوم الإدارية إنشاء فروع لها في كافة الجامعات السودانية الولائية لبحث التجربة الذاتية وتنمية القدرات الإدارية المحلية ورفع كفاءة المؤسسات المحلية لترقى إلى مستوى التحدي في تمثيل المواطنين تمثيلاً حقيقياً لا تلبية فيه لمصالح البيروقراطية التنفيذية وحلفائها من أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي . لم تحقق تجربة الحكم المحلي في السودان أهداف المشاركة الشعبية الواسعة في صنع القرار المحلي فمنذ قانون د. مارشال وقانون إدارة المديريات عام 1961م، فقانون الحكم الشعبي المحلي 1971م، وإلغاء نظام الإدارة الأهلية ثم قيام الحكم الإقليمي عام 1980م، وانتهاء بالحكم الفدرالي الذي ابتدرته الإنقاذ عام 1991م، بتسع ولايات تم تقسيمها عام 1993م، إلى 26 ولاية و 118 محافظة 531 محلية إلى أن جرى إلغاء المحفظات في قانون 2003م، وتقليص المحليات إلى 134 محلية . . وأخيراً جاءت اتفاقية السلام السودانية لتبقي على تقسيم الولايات عدا ولاية غرب كردفان التي ضمت أجزاء منها إلى ولاية جنوب كردفان وبقيت المحليات مع تغيير مسامها في الجنوب إلى مقاطعات . . كل هذه التجارب استخدمت قانون الحكم المحلي لإضعاف سيطرة المواطنين والإدارة الأهلية على الموارد دون توفير البديل المناسب لتحقيق العدالة والتوازن في إدارة الثروات والسلطة في ظل غياب كامل للنساء من التمثيل في هياكل وإدارات الحكم المحلي . وربما يعود الخلل في تجربة الحكم الفدرالي بالسودان إلى سير التجربة وفق سياسات فوقية تمليها الحكومة المركزية فصياغة دستور الولايات تمت وفق نموذج قدمته وزارة الحكم الاتحادي وعلى ذلك تسير كافة شؤون الحكم الفدرالي بمباركة المركز أو بدفع منه مع ضعف المستوى الأدني من الحكم في المحليات التي تمثل الوحدات الإدارية والخدمية والتنموية اللصيقة بحياة الناس واحتياجاتهم اليومية إلى الخدمات والمرافق العامة من صحة وتعليم وكهرباء ومياه وصرف صحي ووسائط نقل عام بالإضافة إلى تطلعهم لرتق النسيج الاجتماعي وصهر الإثنيات العرقية في بوتقة الانتماء للمنطقة والولاء للوطن .