منتدى النقد والسرد بالمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون، طرح سؤالاً حول هل هناك رواية سوادنية جديدة، خلال أمسية ثقافية قدمها الاستاذ محمد الجيلاني، وقدم الورقة الاساسية فيها د. مصطفى محمد احمد الصاوي، وعقب على الورقة د. احمد الصادق احمد.. ورقة الصاوي طرحت مجموعة من الاسئلة حول موضوع الندوة وقد بدأ حديثه بسؤال قائلاً: هل هناك ما يسمى بالرواية السودانية الجديدة؟ ثم قدم بعد ذلك فذلكة تاريخية لبداية الرواية في السودان قائلاً: منذ ظهور الرواية في السودان عام 8491م كانت معبرة عن وجود اجتماعي وراصدة للحراك الاجتماعي والثقافي باعتبارها شكلا فنيا، ومعروف ان هناك ربطا وثيقا بين نشأة الطبقة المتوسطة وفنون كفن الرواية، كما يحدد علم الاجتماع الادبي، منذ 8491م-0102م، وهذا المسار انتج روايات متعددة، فكان في تراكم باشكال مختلفة، لذلك لم يكن غريباً على عثمان هاشم ان يكتب قصة طويلة «تاجوج والمحلق» الآن هم اصبحوا ازاء حالتين الاولي نبدأ من حيث انتهى اهله ويقوم باعادة انتاج القصص الشعبي السائد، والثاني الشكل الاوربي، ثم جاء فجر النهضة السودانية ما بعد مؤتمر الخريجين في عام 5491م التضامن مع آسيا وافريقيا، وهنا ظهر تيار آخر وظهرت رواية الواقعية او الواقعية الاشتراكية، ونذكر منها رواية «انهم بشر» لخليل عبد الله والفراغ العريض لملكة الدار محمد، وهي رواية لا تشبه زمنها، فهي رواية نسوية من الدرجة الاولى الى ان وصلنا الى اجيال مثل ابو بكر خالد «القفز فوق حائط قصير» وما بعده، وهكذا استوطنت الرواية واصبحت جزءاً من البيئة الثقافية الادبية في السودان. الى ان وصلنا الى النماذج الافضل او النماذج ذات البناء الفني المتميز، الطيب صالح، ابراهيم اسحق، محمود محمد مدني، وقد أشار الصاوي الى ان هذه الورقة لا تسعى لاصدار احكام تقويمية رغم ذكر كلمة الافضل، فهذه الاجيال تلتها اجيال ادارت ظهرها لشكل الكتابة التي يكتبون به، لأن مشكلة الجدة والقدم يمكن ان نطلق عليها اشكالات زمانية، وكل جيل ينظر للآخر نظرة اخرى، لذلك السؤال الذي يفرض نفسه هل بعد جيل الرواد والاجيال التي اعقبتهم ظهرت رواية سودانية مخالفة للانتاج السابق؟ وهل هناك اي تواصل بين هذه الاجيال ام انقطاعات؟ وما ملامح هذه التجربة؟ وقد عرضت الورقة نصوصا معروفة، وكانت الفترة طويلة ويمكن تحديدها بنهاية التسعينيات، وصولاً الى الآن هناك تراكما للنصوص من كل من محمد هارون، حسن البكري، عبد الرحيم محمد صديق، امير تاج السر، سيف الدين، حسن بابكر، ابراهيم بشير، منصور الصويم، أبكر آدم اسماعيل، محمد حسين بهنس، عبد العزيز بركة ساكن، بثينة خضر مكي، ابراهيم سلوم، عبد الفتاح حامد بدوي، زينب بليل وأسماء كثيرة بعد عام 2000م ، هذا تراكم كمي، ونحاول ان نبحث في هذا التراكم الكمي عما هي الاشكال التي اقترحها، ويوجد إشكال آخر ما قبل هذه النصوص في زمن ثقافي وزمن تاريخي، فهذه النصوص لم تنتج من فراغ، والنص الاول كان متأثرا بالمد الرومانسي والثاني بحركات التحرر الوطني، ولا بد أن تنفعل الرواية بالواقع، من اين انطلق هؤلاء خاصة، وتوجد متغيرت شديدة وحادة، فنعود لنظرية بسيطة جداً عند الاوكاش مثلا لا تظهر رواية الا يكون في روائي مهدد بانهيار سلم القيم السائد في المجتمعات، بطل الملحمة ما عاد في تواصل مع مجتمعه، فهل انتج هذا هؤلاء الكتاب، ادوارد سعيد تكلم في الثقافة الامبريالية عن نوع من التواطؤ التفاعلي، يأخذ شكلا كبيرا على السطح، ورأى نشوء الامبراطورية الاستعمارية، واتت برواياتها ملحمية او خطابية او كرنفالية، ايضا في علم اجتماع روائي عند فيصل دراج عربياً، وما هي الخلفية التي شكلت هذه النصوص التي بدأت مع بداية الثمانينيات، وكما لاحظ احمد عبد المكرم في آخر دراسة في القاهرة سماها شروق الرواية وروايات الرواد، وما بعدها سماها صمت الرواية، ولم يقل هذه التسميات من فراغ، فالثمانينيات حتى الآن فترات بشعة من المستوى الاجتماعي، هجرات تفاقمت، مجاعة كممت الافواه، شرائح اجتماعية تعتمد فقط على دخلها، والواقع لم يكن اكثر سعادة في التسعينيات، هذه الخلفيات السياسية والاجتماعية اثرت كثيرا على الرواية، ومن المحتمل انها هي التي ادت الى ظهور هؤلاء الكتاب بالذات ما سميناه المنفى عند حسين خالد او جمال محجوب، وهي روايات كثيرة يكتبها سودانيون على الانترنت خارج هذا السياق، وهم جزء من السياق الداخلي، فهل هؤلاء قرأوا لصنع الله ابراهيم وتوظيف قصاصات الصحف، هل قرأوا جبرا شاعرية وانتاج شخصيات الطاهر بن جلون، محمد زفزاف، الطاهر وطار، عبد الرحمن منيف، وهل هؤلاء اثروا ام كانوا اكثر انتباهاً لاميركا اللاتينية؟ ام غاصوا في تراثهم الشفاهي مثل الطبقات او اية مرجعيات قصصية في السودان، ولا اقسم الرواية قبل الطيب صالح وبعده، لكن نقول كيف عبر هؤلاء الكتاب عن منطقهم للكتابة وكيف اداروا ظهورهم، البعض منهم ذكر انه ليست لديه مرجعية سودانية لكتابة الرواية، ولكنه يحترم الطيب صالح، وهذا ليس قدحا في كتاباتهم، فنحن نتحدث عن ما يشبه كلاما في علم الاجتماع الادبي، وما مصادر هؤلاء الكتاب؟ إذا افترضنا رموزا لا يمكن تجاوزها كالطيب صالح، عيسى الحلو، محمود محمد مدني على مستوى الفن الروائي، فهؤلاء استخدموا روايات فيها حياد للراوي وتقطيع للسرد وتوظيف للتراث والتاريخ ممتاز، وتوظيف للاسطورة. وهنالك خصائص اتفق عليها كثير من النقاد، وهي انه لا بد من وجود مصدر للرواية، واتفق انه ثمة رواية جديدة انبعثت في التسعينيات وممتدة حتى الآن ولا نشعر بأن لها مرجعية، لكن هذه الروايات التي اشرت اليها روايات تعتمد على مخالفة السرد العمودي وواضحة جداً عند أحمد حمد الملك «عصافير آخر ايام الخريف»، وبقية رواياته لا توجد فيها بداية، وسط نهاية، ولا صرامة الرواية ذات الابهة الساحرة، وعند بركة ساكن في كل الثلاثية وصولا الى الرواية الاخيرة، بركة يقوم بمعارضة القصة المحكية حتى لا تتبدد اوهام المتلقي، وتجعله ينغمس في وهم او حلم، ايضا هذا ما لاحظته عند عبد السلام في «الاسرار» وفي روايات مثل «زنوبة»، ايضا تلاحظ عندهم كثير من التواصل بين الاجناس الادبية، وادماج كامل لزينب في الجنس المسرحي وفي الاختيار. ونصوص ابكر آدم اسماعيل لا تخلو من لمحة شعر، والتاريخ موجود بكثافة في ثلاثة اعمال هي اعمال الحسن البكري، فليست رواية تاريخية بالشكل الكلاسيكي في «التراب والرحيل» وعنده نص كامل اسمه كتاب الطبقات اعاد انتاجه في هذه القصة. هذه الروايات التي سميتها الجديدة أخذت تبحث عن كيف تقول باشكال جديدة، ومديرة ظهرها للاساليب السابقة، ويمكن لهؤلاء الكتاب إعادة تركيب الحياة من خلال تداخل الاجناس الادبية ويمكن ايضا في هذا التداخل أن نشير لرواية تشكل نموذجا وتعمل في ذات الوقت ظاهرة اسلوبية، فبثينة خضر مكي في «صهيل النهر» أوردت مقاطع كبيرة وطويلة من الراحل محمد سعيد القدال، وردت فيها اشارات للمذبحة التي تمت في المتمة، وكانت جزءاً كبيراً من الصراع بين الخليفة عبد الله والقبائل العربية، وتضمنت فيها اعتداءات على المرأة في محكى تاريخي وظفته وسارت فيه الى وقائع اعدام الشهيد محمود محمد طه، ومصنع الشفاء، لذلك نسأل هل هذه النصوص موجودة في مكانها فنيا مستلهمة بشكل جيد؟ وفي تقييم آخر لتوظيف التاريخ، لكن الواقع الذي نحكي فيه الآن هل توجد فيه مصادر لهذه القصص وتخالف نصوص البداية ونصوص الريادة، على الاقل النص هنا اتسم بادماج تاريخي بافتعال وقصور الدلالة لبعدها عن الدلالة الاصلية، فالبعد الفجائي الموجود معروف بفن الفنتازيا، لأنك تجعل المألوف غير مألوف وتعمل مفردات تتخلل بها واقع ومنطق الاشياء، فالفترات التي يعيش فيها في ظني لا يوجد فيها منطق، وكان لازم وطبيعي يعبروا عن الواقع اللا منطقي باشكال الفنتازيا، احمد حمد في «عصافير» انسنة الكائنات انسنة حتى الموت. وكذلك يدخل فيها الاستخدام اللغوي وتفجير الكلام لاقصى حالات الدلالة، وتجاوز ما يسمى في علم اللغة الاجتماعي بالمساس اللغوي، والعبارة ليس فيها قبيح او غير قبيح، فاصبحت الواقعية السحرية اكثر جذباً لهم من اي شكل آخر. والروايات الجديدة فيها خلخلة لا تعتمد على المبنى السابق، وليست لها اعترافات بالمنطق الزماني ولا المكاني، وحتى الشخصية فيها سائبة، والنصوص التي رأيتها ليس لها اي تصالح مع هذا العالم، بل هي نصوص عاجزة، غير أنه من حين لآخر نجد روايات مثل روايات الطيب صالح تأتي بأبطال بشروا بالكونية والعالم المنفتح.