على طريقة برامج المنوعات في الإذاعات التي تسعى لجذب الإعلان من خلال برامج حوارية عديمة الجدوى أو الإنترنت الذي يستخدمه شباب لا هم لهم غير الثرثرة وإضاعة الوقت فيما لا يجدي، أصبحت الهموم السودانية تبحث أو بالأحرى يتم تناولها من غير ضابط أو ضمير أو مراعاة لعواقب مثل هذه الأقوال على سلامة البلاد وأمنها ومستقبلها . وقد أحصيت بنفسي أكثر من ثلاثين تعليقاً على واحد من التصريحات التي تتناول موضوع الإستفتاء على مستقبل جنوب السودان بعد الإستفتاء على تقرير المصير في العام القادم ومعظم هذه التعليقات لم يخرج من هذه الحلقة المفرغة التي لا تصيب غير البلاد في مقتل أو تمزفها دون وعي وإدراك من أهلها . هناك قضايا مثل الشريعة الإسلامية وهوية الدولة صارت محلاً للمزايدات السيا سية والإستهلاك الذي لا يقدم ولا يؤخر في حقيقة الأشياء وطبائع العمران كما يقول الفيلسوف إبن خلدون . حتى أنك لا تدري أين هو مكمن الأزمة على وجه التحديد. وأحيانا نسأل أنفسنا ألم يكن في محادثات السلام حوار حول كل هذه القضايا التي تبدو اليوم خلافية وماحقة وعصية على الحل . ألم يكن هناك حوار حول علاقة الدين بالدولة وعلاقة المسلمين مع غيرهم من المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى في الجنوب أو الشمال ألم تبحث إتفاقية السلام هوية الدولة السودانية وعلاقاتها بالعالم العربي وإفريقيا ومايسمى بهوية السودان والتي منذ أن نشأنا ودرسنا في المدارس الأولية عرفنا أن السودان هو بلد عربي وإفريقي . و إن كانت نيفاشا لم تؤكد على ذلك فهذه مصيبة وإن كانت قد أكدت على ذلك فليس من حق البعض إثارة المسائل التي تم حسمها من قبل في بروتوكولات السلام سواءا في مشاكوس أو نيفاشا أو نيروبي أو حتى أبوجا لأن أبوجا عندما تم توقيعها كانت الحركة الشعبية ممثلة في حكومة الوحدة الوطنية وهي ملزمة بما نصت عليه أبوجا في هذا الصدد . يقول أحد المسئولين إن جنوب السودان كان يريد الإنفصال عن الشمال منذ 1947م وفي نفس الوقت يتهم الشريعة الإسلامية التي تم الإعلان عنها رسميا في عام 1983م بأنها هي السبب في فصل الجنوب ويقول إذا كان شمال السودان يريد الوحدة مع الجنوب فعليه أن يعلن إلغاء الشريعة الإسلامية لأن المواطن الجنوبي لا يريد أن يكون مواطنا من الدرجة الثانية تحت حكم الشريعة الإسلامية ونسأل من جانبنا سؤالاً إذا لم يكن هناك جنوب سوف ينفصل أو يستقل كما يزعم البعض فماذا كان للمواطن الجنوبي وغير المسلم أن يفعل والشريعة الإسلامية مطبقة . والسؤال الآخر ألم يجرب الجنوبيون العيش في الشمال والشريعة الإسلامية مطبقة ومنذ عشرات السنين ، قد يقول قائل لقد تم إدخال النساء الجنوبيات السجون بسبب الخمور البلدية كما تم جلد البعض في المحاكم وهن غير مسلمات وهذا صحيح والسبب فيه هو القوانين الساريه في البلاد وهي مطبقة علي الجميع شماليين وجنوبيين وليس هناك إستثناء مما ينتفي معه عدم المساواة أو كون هناك مواطن من الدرجة الثانية . وماذا لو طالب أهل الجنوب بعد إنفصاله بتطبيق الشريعة الإسلامية في حياتهم هل يترك دعاة العلمانية وأعداء الشريعة الإسلامية الجنوب إلى بلد آخر وإذا كان هذا الأمر في نظر البعض مستحيلا فإن الحكومة المرتقبة في جنوب السودان يمكن أن تقوم بسن قوانين لدوافع صحية أو أمنية تمنع بموجبها التدخين كما تفعل بعض الدول الأوربية أو تمنع صناعة الخمور البلدية أو تمنع الثملين من الناس من قيادة السيارات أو المشي في الطرقات لأنهم يهددون أمن الآخرين وحريتهم وصار ذلك قانونا ساري المفعول وتمت إجازته من قبل البرلمان من المؤكد هذا القانون هناك من يخالفونه ويدخلون السجون لذات الأسباب التي تم إرسالهم بها للسجن في شمال السودان . وفي أمر الهوية فإن السودان بلد عربي لوجود شعب عربي في هذا البلد وإفريقي لموقعه ووجود شعب إفريقي في هذا البلد وهذه ميزة تفتقر لها كثير من البلدان العربية الواقعة في إفريقيا في المغرب أو مصر وهناك من ينتظر أندلساً أخرى في السودان وهو لا يدري أن ما حدث في الأندلس كان بسبب صراع على السلطة عادي وليس فيه دوافع دينية كما أورد بعض المؤرخين الذين ذكروا الأمر وكأنه حملة منظمة ضد العرب ومن الممكن تكرارها في السودان . عجبا لهذه العقول ولهذا التفكير الصبياني الذي يدل على ضعف الوعي السياسي والإستراتيجي المتصل بأحوال السودان هذه الأيام .