بعد أن جاء بتفويض جديد من قمة الاتحاد الافريقي الأخيرة، ينشط هذين اليومين الرئيس الجنوب افريقي السابق ثامبو امبيكي في الساحة السياسية السودانية، وأولويات رئيس لجنة حكماء افريقيا تتخطى هذه المرة قضية دارفور وتتجه صوب القضية السودانية بكلياتها، انطلاقا من تقريره السابق الذي قال فيه (ان الوضع في دارفور لا يمكن تسويته الا في الاطار الاوسع للتحديات التي تعترض سبيل السودان كافة). ويكثف امبيكي جهوده لعقد اجتماع تمهيدي تحضيري بمشاركة كل القوى السياسية، توطئة لعقد مؤتمر سياسي لتجاوز الخلافات حول كافة القضايا للوصول، لاعلان مبادئ، اي ما يشبه المؤتمر الدستوري. ونجح الرجل في الالتقاء ببعض ممثلي القوى قبل ايام، واعلن الامام الصادق المهدي عقب اللقاء، موافقة قوى جوبا على مقترح لجنة الحكماء بالمشاركة في اللقاء السياسي الموسع ، وقال في تصريحات للصحافيين، ان اللقاء تناول كافة القضايا، وعلى رأسها ضرورة نزاهة الانتخابات وتنفيذ ما تبقي من اتفاق السلام والاستفتاء والحريات ودارفور. ولا عجب في أن يتحمس الأمام المهدي لطرح لجنة الحكماء فهو اول من دعا وظل يدعو الى مثل هذا المؤتمر الجامع. الا أن مثل هذا الملتقى سبق أن رفض مرارا من الحزب الحاكم وذمه قادته كما لم يذموا شيئا آخر واعتبروه احدى الحيل التي تهدف الى اقصائهم من الحكم أو تقليل حصتهم على الأقل الى ما دون الثلاثين في المائة، والنقطة الخلافية الاساسية الآن هي تأجيل الانتخابات حيث يرفضها المؤتمر الوطني جملة وتفصيلا، اذ أكد الأمين السياسي للمؤتمر الوطني د. إبراهيم غندور رفض حزبه لأي اجتماع يهدف لمناقشة تأجيل الانتخابات، وبالأمس قال امين امانة التعبئة السياسية بالمؤتمر الوطني حاج ماجد سوار، ان حزبه وافق علي عقد اجتماع القمة بين الرئيس عمرالبشير وقادة الاحزاب، لكنه اكد ان اللقاء لن يفضى الى تحقيق رغبة او طلب احزاب جوبا فى تأجيل الانتخابات، مشيرا الى ان المؤتمر الوطني يسعي للوصول الي توافق حول اكمال خطوات عملية الانتخابات، واشاعة جو من الحرية والثقة المتبادلة بين كل الاطراف، حتي يتمكن الشعب من اختيار من يختاره في الانتخابات وسط أجواء ايجابية. اذن المؤتمر الوطني يعول على قيام هذه الانتخابات في أمره كله، يشاركه في ذلك المتحالفون معه، اذ قال رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي المنسق لمواقفه مع المؤتمر الوطني جلال الدقير في حديثه بمنبر اتحاد الصحفيين الاربعاء الماضي أن تأجيل الانتخابات سيحدث من التعقيدات اكثر بكثير مما لو قامت. بينما يعبر عن موقف القوى المعارضة من قيام الانتخابات أمين سر الحزب علي الريح السنهوري حين قال أن البرنامج الانتخابي الأمثل للمواطن السوداني في هذه المرحلة هو مقاطعة الانتخابات، مضيفاً أن المشاركة فيها في ظل هذه الظروف يعتبر تضليلاً. ويرى السنهوري أنه لا يمكن أن تجرى انتخابات دون تحول ديمقراطي، ويلخص تحفظات القوى السياسية في احتكار حزب واحد على أجهزة الدولة ووجود قوانين مقيدة للحريات وحالة الطواريء وحظر التجول في دارفور مطالبا القوى السياسية بالضغط على النظام لتحقيق التحول الديمقراطي وعدم الانصياع له، مؤكدا أن البرنامج الصحيح يطرح في الموقف الصحيح. ولجنة الحكماء يبدو أنها لا تملك ذهب المعز أو سيف معاوية ولا يغنيها التهديد الذي ساقه مبارك الفاضل من أن الاجتماع بمثابة انذار للمؤتمر الوطني، للاستجابة للمطلوبات التي تنتشل البلاد من ازمتها، وقوله ان لجنة الحكماء مفوضة من قبل الاتحاد الافريقي، وتحذيره من أن الفشل في انفاذ توصيات اللجنة سيؤدى الى انزلاق البلاد الي الهوة »وحينها سيكون العالم كله شاهداً على الذي يرفض الاتفاق«. بالطبع، الرئيس الحكيم امبيكي يسعى الى حلول وترتيبات برضا السودانيين أنفسهم ممثلين في قادتهم السياسيين، الا أن المعضلة أن امبيكي لا يأتي بالابقار المطلوبة للحبال التي يحملها معه، فالنوايا الحسنة وحدها لا تكفي في صراع استحكمت حلقاته، صراع بين قوى على حافة الهاوية تعلم أن الصخرة لا تتسع لها معا، اما ان تسقط بعضها أو يسقط السودان جميعه.