فيكي كم سنوات رضعنا.. إلا برضنا ما شبعنا.. المدرج أصلو شامل.. فيهو مرضع.. وفيهو حامل.. وفيهو كوتة من الأرامل.. الخ القصيدة.... تلك هى جامعة القاهرة فرع الخرطوم أو جامعة القاهرةبالخرطوم، أو إن شئت (الحنينة السكرة) سمحة والله ومقدرة، هذه الجامعة التي كانت بحق ضرعا حلوبا نهل العلم منه عشرات الالاف من أبناء السودان منذ ما قبل إعلان الاستقلال بقليل وما يزالون، مع ميزة إضافية تفردت بها وهى أنها فتحت أبوابها للدراسة المسائية للعاملين في مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة والعسكرية، الأمر الذي وفر لهذه الفئات فرصة لا تعوض لرفع قدراتهم وزيادة تأهيلهم وحصيلتهم المعرفية التي انعكست بالضرورة على المؤسسات التي يعملون بها، وهذا ما كان فعلاً حيث انتشر خريجو هذه الجامعة في كل موقع من مواقع الوطن وفي كل مهنة من المهن، في القضاء والمحاماة والصحافة والاعلام والإدارة والحسابات والبنوك والتعليم وغيرها، ما من ديوان من الدواوين العامة والخاصة إلا وتجد فيه (فرّاعياً) صاحب بصمة وعطاء، وحتى لا يحسب أحد أن شهادتي في هذه الجامعة مجروحة أبادر بتوضيح أنني لست ممن درسوا بهذه الجامعة وتخرجوّا فيها، ولكنها شهادة حق في حق صرح تعليمي لا يمكن تجاوز الدور الذي أدّاه لهذه البلاد، ولكن تشاء (أقدار) السياسة أن تحجّم هذا الدور كثيراً، وتلك قصة مؤسفة ومحزنة، فحين تتطاحن الأفيال السياسية فإن ما ينفع الناس هو الذي يروح تحت أرجلها ، وهذا ما حدث لهذه الجامعة عندما تطاحن الرسميون في السودان مع نظرائهم في مصر راحت جامعة القاهرة الفرع ضحية للخلافات والاتهامات والتراشقات المتبادلة، فنتيجة لهذا التدابر والتنافر، قرر الجانب السوداني في خطوة أشبه بفعلة من (يطبز عينه بيده) إغلاق هذه الجامعة، فكان أن وقعت العقوبة على السودانيين من حيث أرادت حكومتهم إيقاعها على المصريين، ولكن يحمد للجانب المصري أنه بعد أن تجاوز ردة فعله الغاضبة من هذا الاجراء سريعاً، سارع لإستضافة الجامعة داخل مصر وفتح أبوابها مجدداً للطلاب السودانيين، ورغم أن أعداد المقبولين منهم تقل كثيراً عما إعتادت قبوله الجامعة، ولكنه جهد يستحق الشكر فهو من باب الحرص على بقاء هذه الشعرة التعليمية المهمة.. في الأنباء الآن أن جامعة القاهرة فرع الخرطومبالقاهرة تتأهب لاستقبال دفعة جديدة من الطلاب السودانيين وهى لم تزل مستضافة داخل حرم جامعة القاهرة بالجيزة، وأنباء أخرى عن تفاهمات تجري بينها وبين عدد من الجامعات السودانية لتوقيع اتفاقات تعاون في مجال الدراسات العليا، وكل هذه أنباء حسنة ولكننا للحسرة لم نسمع شيئاً عن النبأ الأهم وهو عودة الجامعة الى معقلها ومقرها بالخرطوم رغم مرور عدة سنين على قرار عودتها ووضع حجر الأساس لمبانيها الجديدة، إن الأهم من الانباء التي سمعناها هو نبأ عودة هذه الجامعة، فجامعة في عراقة (الفرع) في زمن (البروس وطق السفروك) حري بها أن تأخذ مكانها معززة مكرمة وهذا هو الخبر المنتظر على أحر من الجمر...