لقد تناقلت وسائل الإعلام خبر فشل مفاوضات أديس أبابا بين وفود المؤتمر الوطني و قبيلة المسيرية من جانب، والحركة الشعبية لتحرير السودان و قبيلة دينكا نقوك من جانب آخر، رغم المحاولات المستميتة من الوسطاء و خاصة الوساطة الأمريكية التي قدمت عدة مقترحات للطرفين لتقريب وجهات النظر فيما بينهما الأمر الذي وصل إلى تدخل الرئيس الأمريكي باراك اوباما شخصيا من خلال اتصاله بمبعوثه للسودان طالبا تمديد المفاوضات لمدة (48) ساعة وإعادة الوفدين من المطار إلى طاولة المفاوضات ، و على الرغم من ذلك فشلت الوساطة رغم المغريات و الوعود، في تحقيق تقدم في تقريب وجهات النظر أو حتى إصدار مجرد بيان مشترك ، ليحاول المبعوث الأمريكي بعث الروح في التفاوض من خلال إعلانه بعقد المفاوضات بعد (15) يوما بمشاركة السيدين علي عثمان محمد طه و سلفاكير ميارديت، مع وعود أمريكية بإعفاء السودان من ديونه، فهل ستحقق وعود أمريكا اختراقا في مواقف المؤتمر الوطني و المسيرية ؟ المتابع لمقترحات مبعوث الولاياتالمتحدة في مفاوضات أديس ابابا في الجولة المنتهية يلاحظ التحيز الواضح لوفد الحركة الشعبية و دينكا نقوك ، حيث تبنى موقف الحركة الشعبية في بداية جولات التفاوض بإبعاد المسيرية من موضوع استفتاء أبيي، وهذا هو موقف الحركة الشعبية المعلن و لكن بعد أن قوبل ذلك بالرفض من قبل وفد المؤتمر الوطني و المسيرية رغم الوعود بتحقيق التنمية في مناطق المسيرية مع ضمان تمتعهم بحقوق الرعي و التنقل في الجنوب ، تقدم بمقترح آخر يدعو رئيس الجمهورية لإصدار قرار بإعادة أبيي إلى الجنوب دون استفتاء مع ضمان حقوق المسيرية ومنحهم الجنسية المزدوجة، و هذا المقترح هو محاولة لتغليف المقترح الأول بقطعة من السكر لكي يستسيغها المسيرية و لكن لم تفلح الحيلة الأمريكية هذي أيضا، ليتقدم الموقف الأمريكي في محاولة لتدارك الفشل بمقترح الفترة الزمنية لتحديد المواطنة و بالتالي المواطن الذي يحق له الاستفتاء الذي جاء بين الثمانية أشهر و المائة و خمسة و ثمانين يوما، ليحصل فيه الاختلاف و يتمسك كل طرف برأيه لتكتب شهادة الوفاة لجولة مفاوضات أديس أبابا و يعود كل طرف إلى عاصمته . إن المتابع للتفكير الأمريكي يتوقع أن تضغط امريكا لعقد الجولة المقترحة بعد (15) يوما و تقدم بعض المغريات مع رفع العصا للمؤتمر الوطني في محاولة منها للحصول منه على تنازل يعطي بموجبه ابيي للحركة الشعبية و تعيد سيناريو نيفاشا مجددا ، فهل يفعلها السيد علي عثمان محمد طه مجددا كما فعلها في نيفاشا عام 2005م ؟ و إذا فعلها علي عثمان هل يوافق المسيرية على ذلك ؟ إننا من خلال التحليل التاريخي لمراحل أزمة ابيي منذ النقاشات الأولى التي أقحمت فيها أبيي بإصرار من الحركة الشعبية و ضغط من الولاياتالمتحدةالأمريكية في التفاوض بعد أن حسم برتوكول مشاكوس الإطاري حدود التفاوض بين الطرفين ( الحركة الشعبية و المؤتمر الوطني) بحدود الأول من يناير 1956م، نميل إلى أن المؤتمر الوطني يمكن أن يخضع للضغوط الأمريكية إذا ضمن بعض المكاسب كإعفائه من الديون و إعادة العلاقات الدبلوماسية و إلغاء قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس عمر البشير، أو تأجيله في اسواء الاحتمالات ، فإن فعل المؤتمر الوطني ذلك فماذا يكون موقف المسيرية ؟ المعروف أن المسيرية رفضوا تقرير الخبراء و من بعده قرار محكمة لاهاي جملة و تفصيلا، و كان صوتهم مغيبا من وسائل الإعلام و الوفود التي كانت تشارك في جولات التفاوض هي وفود اختارها المؤتمر الوطني من كوادره و كان وجودها ديكوريا في كل جولات التفاوض سواء كان ذلك في نيفاشا أو محكمة لاهاي ، ولكن نظم المسيرية نفسهم بعد قرارلاهاي و فرضوا رأيهم واسمعوا صوتهم من خلال مؤتمرها الذي انعقد في مدينة الستيب على الرغم من رفض المؤتمر الوطني و مضايقاته ليصدر قرارات مهمة كان لها أثرها على مسار القضية، ويستطيع المسيرية أن يفرضوا رأيهم و يسمعوا صوتهم في مفاوضات اديس أبابا، و نعتقد جازمين أنهم لن يتنازلوا عن حقوقهم في أبيي حتى و إن وافق المؤتمر الوطني على التنازل . هذا السيناريو من المؤكد أنه سيجر المنطقة إلى الصراع مجددا في ظل تمسك كل طرف بمواقفه وما يتوارد من أخبار عن الحشود العسكرية بين الطرفين يجعل احتمال اندلاع الحرب مجددا أمرا واردا، ما لم يعمل الطرفان على التفكير بالمصلحة الوطنية أولا قبل المصلحة الحزبية الضيقة، وأن احتمالات الانفصال و صوت الدعوة العالي له ستكون العير الذي أطلق النفير .