شدد خبراء واكاديميون علي ضرورة اعادة صياغة تاريخ السودان والاعتراف بكل مراحله التاريخية المختلفة ، واستنكر المتحدثون في ندوة «دور جنوب السودان وجبال النوبة في مقاومة الحكم التركي الاجنبي «1821م - 1965م»» مؤخراً بقاعة الشارقة، استنكروا تجاهل مقاومة الجنوب وجبال النوبة للاستعمار وعدم توثيقها في الاطار القومي كجزء من الحركة الوطنية ضد الاستعمار، وحملوا المستعمر البريطاني مسؤولية وضع حواجز بين الشمال والجنوب من خلال سن قوانين المناطق المقفولة و اشاعة المفاهيم الخاطئة عن الشمال وتصوير الشمالي بالاستغلال واضطهاد الجنوبيين واستخدامهم كرقيق لاضعاف الحركة الوطنية والتمهيد لفصل الجنوب. وجاءت الندوة التي نظمها مركز دراسات المجتمع ودار الوثائق القومية في اطار المشروع القومي لتوثيق الاستفتاء والمشورة الشعبية ، وناقشت الندوة 3 أوراق رئيسية حمل اولها عنوان «السياسات الاستعمارية السالبة تجاه جنوب السودان وجبال النوبة في الفترة من «1821- 1956م» قدمها دكتور علي صالح كرار الاستاذ بالجامعات السودانية ، وحمل خلالها السياسات الاستعمارية المتوالية علي السودان مسؤولية القطيعة النفسية بين الشمال والجنوب، واكد كرار بان الهدف من الورقة ليس القاء اللوم علي الادارة البريطانية وتبرئة الذات السودانية بقدر ما تسعي الي ابراز الحقائق الدالة علي ان المشاكل الحالية مردها الي تلك السياسات التي وصفها بالفاشلة ، وقال كرار ان الغزو التركي المصري ادى الي لفت انظار الدول الاوربية الي السودان والتنبيه لثرواته و موقعه الاستراتيجي خاصة لمصر ومنطقة البحيرات ،واضاف كرار ان فترة التركية والتي اعتبرها معظم المؤرخين فترة عاصفة في تاريخ السودان في الاشارة الي الممارسات السيئة حيث درجت عليها الادارة التركية والتي صبت في العمل علي انهاء المؤسسية الموجودة وادخال عادات وتقاليد غير مألوفة لاهل السودان والتأرجج بين المركزية واللامركزية هذا فضلا عن السياسات القمعية واضعاف الصوفية، مشيرا الي ان كل ذلك مهد السبيل الي الاحساس بالظلم والقهر الذي ادي الي اندلاع المهدية التي ولدت كدعوة ثم انتهت بدولة، وتابع كرار بان مؤتمر برلين وتزامن انعقاده مع سقوط الخرطوم واغتيال غردون ساهم في تغيير سياسة بريطانيا نحو السودان واغتنام الفرصة للسيطرة عليه، مشيرا الي ان هزيمة ايطاليا في معركة عدوة علي يد اثيوبيا كان نقطة تحول في التعجيل بغزو السودان. واكدت الورقة ان السياسة البريطانية تجاه السودان تشكلت وفق الظرف السائد في اي منطقة حيث عمدت في سياستها تجاه الجنوب الي فصله وعزله من خلال قوانين المناطق المقفولة وما تلاها من عزل اي مؤشر عربي إسلامي من الجنوب ومحاربة الثقافة واللغة العربية وتشجيع استخدام اللغة اللاتينية والفصل التام بين الشماليين والجنوبيين وعدم استخدام الاسماء العربية وتشجيع التجار الاغاريق والتجار من جنسيات مختلفة للعمل في الجنوب، وواصل كرار حديثه مبينا ان السياسة الاستعمارية نحو جبال النوبة لم تختلف كثيرا اذ طبقت بذات الملامح في منع دخول العرب الي جبال النوبة ومحاربة الثقافة العربية خوفا من وقوع تلك المناطق تحت تأثير الثقافة العربية الإسلامية غير ان جبال النوبة صمدت بحكم تكوينها ومتاخمتها لمناطق ذات وجود عربي وإسلامي، مشيرا الي ان فشل السياسة البريطانية كان اكبر من الوضع في جنوب السودان، واكد كرار ان هذه السياسات اذكت روح المقاومة ووحدت اهل السودان لانها هدفت لاضعاف النسيج الاجتماعي والقضاء علي المؤسسية« القبيلة والادارة الاهلية» وتغييب المؤشر العربي الإسلامي. اما عميد كلية الاقتصاد والعلوم الادارية بجامعة الرباط بروفسير حسن محمد صالح فقد رصد في ورقته « مقاومة جنوب السودان للحكم الاجنبي » وقائع واحداث تاريخية لمقاومة الجنوبيين للحكمين التركي والثنائي، مشيرا الي ان هذه المقاومة لم تحظ بالتوثيق الموضوعي وظلت حبيسة التقارير الادارية والاستخباراتية ، واضاف بان هذه المقاومة لم توضع في اطارها ولم تضمن في الاطار القومي كجزء من الحركة الوطنية، واردف قائلا بان المؤرخين البريطانيين صنفوا هذه الانتفاضات في اطار قبلي كصراعات قبلية بينما صنفها الانثربولوجيين في الاطار الروحي العقائدي، مؤكدا ان بعض الحركات لم يكتب لها النجاح فيما استمر بعضها لفترات طويلة امتدت حتي ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي خاصة قبائل الدينكا كثورة كنج الدينكاوي في 1849م و رومبيك 1882م ضد الحامية التركية وثورة قبيلة الانواك، مبينا انه وعند قيام المهدية تحالفت القبائل الجنوبية مع المهدي لاسقاط النظام التركي وتجار الرقيق. فيما استعرض دكتور بابكر كونار في ورقته مقاومة جبال النوبة للحكم الاجنبي، دور النوبة بمختلف قبائلها في المقاومات الوطنية ، مشيرا الي دورهم الكبير في انجاح الثورة المهدية من خلال ايوائهم للمهدي ومناصرة دعوته، وقال كونار ان سياسات المستعمر والمتمثلة في الضرائب والسياسات الاقتصادية والتنقيب عن الذهب وتجنيد الرجال ادت الي اشعال المقاومة في اشارة لثورة الفكي محمد الامين «ثورة تقلي » والملك عجبنا وتلودي والملك الكبنقو وثورة الميراوي، مشيرا الي ان هذه المقاومات تحتاج الي وقفة واعادة قراءة وتوثيق ، وخلص كونار الي ان مقاومة جبال النوبة كانت رفضا للوجود الاجنبي واستجابة للتغييرات التي ادخلها علي النسيج الاجتماعي. وارجع مستشار رئيس الجمهورية علي تميم فرتاك في تعقيبه علي الاوراق المقدمة عدم توثيق المقاومة في الجنوب الي عدم الاستقرار والاهتمام بالجانب السياسي علي حساب الجانب العلمي والاكاديمي ، وقال فرتاك ان السرد التاريخي لمقاومة الجنوب ضد الوجود الاجنبي يؤكد علي ارتباط الجنوب جغرافيا وتاريخيا واجتماعيا وسياسيا بالشمال ، مشيرا الي ان الادارة الاستعمارية بعد فشلها في اخضاع القبائل الجنوبية عمدت الي تغيير سياستها ونهج نظام المهادنة والعمل علي تقرير مصير الجنوب في إطار السودان الموحد، ونبه فرتاك الي تسليط الضوء علي مسلك المستعمر في اشاعة المفاهيم الخاطئة عن الشمال وتصوير الشمالي بالاستغلال واضطهاد الجنوبيين واستخدامهم كرقيق لاضعاف الحركة الوطنية والتمهيد لفصل الجنوب، مشيرا الي ان الدراسات اثبتت ان الشمال كان معبرا للرقيق ولم يكن ممارسا له .