غرب كردفان تبحث جهود تحرير الولاية ودحر المليشيا المتمردة    وزير الداخلية يترأس لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفقراء تضرروا من سياسة التحرير.. وتلاشت الطبقة الوسطى
الاقتصادي والخبير الدولي الدكتور التيجاني الطيب إبراهيم في حوار مع «الصحافة» «1 2»

الخبير الاقتصادي الدولي الدكتور التيجانى الطيب إبراهيم، من الكوادر الاقتصادية السودانية التي يُشار إليها بالبنان، ولد بود رملى شمالي الخرطوم بحري، وتحصل على الدكتوراة من جامعة كلون بألمانيا الاتحادية، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، وقد التحق بالعمل فى البنك الدولى منذ عام 1976م، وعمل وزيراً للدولة بوزارة المالية إبَّان فترة الديمقراطية الثالثة 1986م، ونشط حينها فى توجيه السياسات نحو الاقتصاد السودانى. وفى فبراير 1989م قدم استقالته من الحكومة نتيجة للمضايقات التى مرَّ بها ويمم وجهه شطر صندوق النقد الدولي ليعمل خبيراً به إلى يوم الناس هذا.. وانتهزت «الصحافة» سانحة وجوده في رحاب الوطن هذه الأيام، وأجرت معه الحوار التالي لمعرفة رؤيته حول مجريات الاقتصاد السوداني بعيون الخبرة الدولية.. فإلى إفاداته:
٭ ما رأيك في سياسة التحريرالاقتصادي التي تتبعها الحكومة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي؟
أولا أنا لا أسميها تحريراً بقدر ما أنها إصلاح اقتصادي الهدف الأساسي منه إصلاح الخلل على مستوى الهيكل والسياسات الكلية، وتراكمات الأخطاء السابقة فتم التركيز فيه خلال عشر سنوات من عام 1997 2007م، فنجح برنامج الإصلاح فى خفض معدل التضخم السنوى فى المتوسط من 97% إلى 23% ومن ثم إلى 8 %، كما نجح فى جذب الاستثمار الأجنبى المباشر خاصة في قطاع البترول بسلبياته وإيجابياته، وقلل من حجم الانفاق العام وضبط نمو حجم الحكومة، مما ساعد فى تقليل عجز الموازنة الذى انقلب من السالب إلى الفائض فى «2003 2005م»، فسياسة الإصلاح سبقتها فترة ضياع، لأجل هذا كان لا يعتقد البعض حدوث نمو اقتصادي والصرف عليه من موارد حقيقية فى ظل المقاطعة المفروضة على السودان، غير أن الإصلاح نجح فى إحداث النمو وفشل فى إحداث التنمية المرجوة، حيث لم يشعر أحد بأثر النمو الاقتصادي فى تحقيق التنمية، وللاسف غياب وإهمال الجانب التنموى قاد للتغيرات الاجتماعية، ووجه ضربات موجعة لقطاعات المجتمع المختلفة، فما حدث من إصلاح فيه الايجابى والسلبى، لكن الخاسر الأكبر فيه كانت الشرائح الضعيفة فى المجتمع، ومن أكبر عيوب سياسات الإصلاح إهمالها للجانب الاجتماعى، حيث لم يتم بناء شبكات حماية اجتماعية للطبقات الفقيرة المتضررة من السياسات، لذا أثر السياسات الاقتصادية على الطبقات الفقيرة وحتى الوسطى كان كارثيا، حيث تلاشت الطبقة الوسطى بصورة شبه كلية، وتدحرجت الفقيرة درجات، مما يدل على أن الإصلاح فهم بصورة خاطئة، ولا بد من أن تصاحبه إجراءات تقلل سلبياته خاصة على الطبقات الفقيرة.
٭ هل ترى الاستمرار في سياسة الإصلاح أم التوقف عنها؟
من المفترض أن تستمر، وعدم الاستمرار فيها يعتبر ردة، لا سيما في ظل تراجع المؤشرات الاقتصادية، حيث عاد التضخم إلى الارتفاع بجانب عجز الموازنة والفجوة في ميزان المدفوعات وزيادة المديونية الخارجية، فالوقوف أو عدم مواصلة الإصلاح ظهرت آثاره السالبة على الاقتصاد الكلي، لأجل هذا لا بد أن تصاحب الإصلاح مراجعة خاصة في قياس آثاره الاجتماعية وخلق شبكات حماية اجتماعية لدرء معالجة الآثار السالبة للإصلاح.
٭ تحدثت يا دكتور عن حدوث نمو وعدم حدوث تنمية.. فأين مكمن الخلل؟
هذا يرجع للفرق بين مفهوم التنمية والنمو، فالأخير يُعرف بمعدل زيادة النمو في الناتج الإجمالي المحلي، والتنمية هي تغيير واقع اجتماعي بحيث يمكن خلق بنيات اقتصادية واجتماعية في آن واحد، فالبنيات الاقتصادية لم تتم بالصورة المُثلى لتوظيف الموارد والوصول إلى تحقيق أهداف معينة وفق استراتيجية محددة للوصول إلى هدف اقتصادي معين، للارتقاء بالجانب الاجتماعي الذي يمثل هدف التنمية الأساسي غير أن السياسات تكاد تكون حصلت على النقيض منه، فعوضاً عن تحسين الوضع الاجتماعي حصل سوء فيه، فبالتالي ما حدث لم يعد تنمية، لأن النمو لا بد أن تصحابه تنمية اجتماعية، فصحيح أن الاقتصاد نما ولكن أين النمو الاقتصادي من حياة الناس؟ فبغض النظر عن غياب شبكات الحماية الاجتماعية وحماية الضعفاء من آثار السياسة الاقتصادية، يشير النمو إلى نقطة مهمة جداً تتمثل في عدم العدالة في توزيع فائدة النمو، مما يعني استفادة طبقات معينة منه عوضاً عن المجتمع ككل، وهذا يعني الافتقار إلى سياسات مواكبة للإصلاح لإعادة توزيع الدخل القومي بصورة مُثلى، بحيث تكون له انعكاسات اجتماعية موجبة.
٭ هناك من ينادون بالعدالة والتقشف في توزيع الثروة.. ألا ترى أن هناك انحيازاً أكبر لصالح مؤسسات في مسألة توزيع الموارد؟
السودان منذ استقلاله مشكلته الأساسية كانت دوما في الإنفاق الحكومي، فحجم ما يصرف على الدولة في الاقتصاد يساوي نصف إجمالي الناتج المحلي، فبالتالي تؤثر الدولة بصورة مباشرة في أي عمل تقوم به في عجلة الاقتصاد، فالصرف الحكومي ينقسم إلى جارٍ واستثماري، فالمنصرفات التشغيلية في السودان عادة كانت أقل من الإيرادات، بحيث تستطيع الحكومة الحصول على مدخرات توظفها في القطاع الاستثماري في التنمية، لكن في العشرين سنة الأخيرة للأسف الشديد ترهلت الحكومة لدرجة ما عادت فيها الإيرادات تستطيع تغطية حتى الإنفاق الجاري أو التشغيلي، فنشأت فجوة جراء اتباع هذه السياسة، لدرجة أن يتم الاستثمار عن طريق الاقتراض، فبالرغم من وجود مديونية كبيرة لم يفكر في كيفية معالجتها، فالترهل الحكومي في السودان هو المشكلة الأساسية، فحجم الدولة إذا لم يتم تقليصه لمستوى معين فإن مشكلة الإنفاق الحكومي ستظل المؤثر الأساسي في دوران الاقتصاد السوداني، إذ لا يوجد بلد في العالم بحكومته «77» وزيراً.
٭ الإنفاق الحكومي في ازدياد دائم..فهل هناك رؤية لتقليصه؟
لا بد من تقليصه كما ذكرت، فكل المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أننا في مرحلة ردة، فالتضخم والعجز فى الموازنة في ازدياد، فالمدخل للإصلاح هو ضبط الإنفاق الحكومي حتى على مستوى الوارد الذي يشكل مشكلة في ميزان المدفوعات، فجزء كبير منها هو الاستيراد الحكومي، فالإنفاق يمكن أن يقلص لكن لا بد من إرادة سياسية فاعلة للحد منه وتحجيم دور الدولة لوضع منصرفاتها لاسيما الجارية في إطار الإيرادات، وأن يكون هناك ربط مباشر بين الإنفاق الجاري والإيرادات، بحيث تستطيع الدولة الحصول على مدخرات إضافية في الفجوة الجارية لتوظيفها في القطاع الاستثماري.
٭ هل ترى أن زيادة الإنفاق الحكومي هي السبب في ما وصفته بالردة الاقتصادية؟ أم أن ثمة أسباباً أخرى مثل الأزمة المالية العالمية والحصار الاقتصادي وخلافهما؟
كل هذه الأسباب مجتمعة قادت إلى الردة الاقتصادية بالرغم من قصر عمر الأزمة المالية العالمية، وعدم اعتراف المسؤولين الحكوميين بآثارها، علاوة على أن الإصلاح تم في قمة الحصار الاقتصادي والأوضاع الاقتصادية المعقدة داخل السودان، ورغم ذلك نجح في الحد من مستوى الإنفاق العام وضبط المؤشرات الرئيسية للاقتصاد السوداني، فالإنفلات في الإنفاق العام لم يتكيف مع تغيرات الأوضاع الاقتصادية العالمية والداخلية بالصورة المُثلى، بحيث يتم ضبط الإنفاق الحكومي مع ما هو متاح من الموارد، فاستمر الترهل كما هو، فمرت علينا الأزمة وكأنها لم تمر، والعالم الآن في مرحلة تجاوز الأزمة فمن المفترض أن نكون في مرحلة الإصلاح والتجاوب مع المعطيات العالمية، لكن العالم يطلع وينزل ونحن مستمرين في «المستمرين فيهو».
٭ من أين يستقي صندوق النقد الدولي المعلومات التي يبني عليها تقاريره عن السودان التي تتأرحج بين السيئ والحسن؟
المؤسسات العالمية عادةً تستقي معلوماتها وبياناتها من الحكومات، لأنها مؤسسات حكومية على المستوى العالمي، وهي لا تستخدم أرقاماً من خيالها، إنما تستخدم أرقاماً رسمية. وكما ذكرت فإن الأرقام الرسمية السودانية في جانب النمو توضح نموا في الاقتصاد رغم تناقصه في السنوات الأخيرة، لكنه قلَّ إلى مستويات معقولة «3 4»% الذي يعتبر معقولاً وفقاً للمعايير الدولية، وإن كان بالنسية لبلد كالسودان يعتبر قليلاً، لأن حاجياتنا أكبر وبالتالي نحتاج إلى نمو أكبر لمعالجة قضايانا المعقدة والكبيرة، فاستقاء المعلومات يكون من الدولة نفسها، لكن ربما يدور جدل حول صحتها أو مجافاتها لأرض الواقع.
٭ لكن تقارير المؤسسات الدولية تحوم شبهات عن اصطباغها بالصبغة السياسية؟
محتمل أن يكون هناك خلل في الإحصائيات والمعلومات، لكني لا اعتقد اصطباغها بالصبغة السياسية، إضافة إلى أن معرفة الخلل في الإحصائيات سهلة جدا لوجود دليل معلومات واضح يصف ماهية كل بند، فإذا جمعت إجمالي زائدك وناقصك وحدث فرق، فمعنى ذلك أن هناك مشكلة في الإحصائيات، وهذا ليس صعباً التعرف عليه، لأجل هذا أشك في صدور تقرير نابع عن إرادة سياسية من منظمة دولية، لأن العاملين في تلك المنظمات خبراء في مجالاتهم، والشخص الذي يكتب التقرير يكتب رأيه وليس رأي أي شخص آخر، فبالتالي لا اعتقد أن يكتب بصيغة لها أبعادها السياسية، ولكن عندما تذهب التقارير إلى مجالس إدارات المؤسسات وتتم مناقشاتها من قبل ممثلي الحكومات، تحدث أشياء غاية في الغرابة من مشادات ومناقشات حامية عن كيفية كتابة تقرير بصورة معينة، فحتى أمريكا تكون عرضةً للانتقاد من صندوق النقد الدولي، فيكون الاحتجاج ويظهر عدم الإيمان بالتقرير والتصديق بما جاء فيه، وهذا حق مكفول للحكومات، لأن الصندوق والبنك جهتان استشاريتان ليست لهما سلطة على أية دولة ليفرضا عليها أية سياسة. فالمعلومة وطريقة تحليلها وصياغتها في التقرير تكون بعيدة بنسبة «100%» عن البعد السياسي، لأن من يقومون بإعدادها أناس ليست لهم صلة بالبلد المعني فتتم من منظور مهني بحت، لكن المناقشات في المجلس تتم بطرق سياسية لأن من يقومون بها أناس يمثلون الحكومات لأجل هذا يتحدثون بالسياسة.
٭ لكن الفهم العام عند الدول النامية أن تقارير المؤسسات الدولية تهدف إلى إفقارها لتنفيذ سياسات معينة؟
هذه اتهامات كانت عند الصراع الآيدولوجي بين الشرق والغرب، لكن من غرائب التأريخ أن الدول الاشتراكية والشيوعية التي كانت تعتقد أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مؤسستان استعماريتان، الآن هي من أهم الأعضاء فيها، فصندوق النقد الدولي تكاد تشمل عضويته كل دول العالم ما عدا كوريا الشمالية وكوبا، فالمعسكر الشرقي بكامل عدته وعتاده استفاد منهما استفادة قصوى، فصحيح أن الأوزان داخل تلك المؤسسات تعتمد على مساهمة كل دولة فيها، وهذا شيء طبيعي حتى على مستوى مجالس الشركات الصغرى، فالعضو صاحب الأسهم الأكبر يكون نفوذه أكبر داخل المؤسسة، فالدول الغربية وأمريكا الشمالية تكاد تكون بنت هذه المؤسسات، لأجل هذا تأثيرها داخلها كبير، لكن مثلاً في صندوق النقد الدولي لا يمكن اتخاذ قرار إلا بالإجماع، وهذه ميزة للقرار بالإجماع، فالدول عندها حق المعارضة، لكننا للأسف الشديد في الدول النامية عادةً نبتعث المغضوب عليهم في بلدانهم لتمثيلنا في هذه المؤسسات، فبالتالي ليست لهم المقدرات أو حتى المزاج لإثبات وجودهم بالدفاع عن مصالح أوطانهم، فلم نسمع عن معارضة ممثل دولة لقرار لم يتخذ بعد من داخل أروقة المجلس، بالرغم من بروز فرص كثيرة جداً للمعارضة. فمشكلة اتخاذ القرارات مسؤولية الدول نفسها، لأجل هذا لا بد أن يكون للدول الفقيرة ممثلون قادرون وفاعلون داخل هذه المؤسسات لإثبات وجودهم رغم ضآلة حجم مساهمة بلدانهم في هذه المؤسسات.
٭ السودان اتجه بتعاملاته الاقتصادية نحو الشرق أخيراً.. فما تعليقك على هذه الخطوة؟
أولا ليست لدينا مصلحة في الانفتاح على جهة دون الأخرى في العالم، إنما يجب علينا الاتجاه وفتح الأبواب على جميع العالم، غير أن الظروف السياسية فرضت على صنَّاع القرار التوجه إلى جهات معينة لأسباب سياسية ليست لها علاقة بالموجهات الاقتصادية، فتوجهنا نحو الشرق في حد ذاته أفاد وأضرَّ بنا في نفس الوقت، فقد أفاد في البترول، مع ضرورة لفت الانتباه إلى أن الاستثمار المباشر غير مستديم، وأن أجندته تتغير من فترة لأخرى، علاوة على أن الاستثمار لم يوجه بالصورة المُثلى ليساهم في تخفيف نسبة البطالة بتشغيل الأيدي العاملة العاطلة، فتفاقمت أزمة الفقر.
٭ ما رأيك في التحول من الدولار إلى اليورو؟
إن تحولنا من الدولار إلى اليورو كان توقيته خطأً، ففي الوقت الذي يتجه فيه العالم للتعامل بالدولار اخترنا الاتجاه لاستخدام اليورو على ضيق مساحة رقعة التعامل به، وتناسينا أن «67%» من احتياطات العالم محفوظة بالدولار، ففي الوقت الذي شهد فيه اليورو ارتفاعا اتجهنا إليه، فاستوردنا التضخم معه، فأصبحنا نعاني من مشكلتين هما تضخم الدولار واليورو في آن واحد، فزاد سعر صرف الدولار داخليا رغم انخفاضه عالميا، فدفع المواطن الفاتورتين، بجانب الأعباء الحكومية الأخرى، فافتقرت السياسة إلى الحكمة والإدراك، فالظروف التي أملت الاتجاه لليورو سياسية أكثر من كونها اقتصادية.
٭ من واقع ما ذكرت.. هل تنصح بالرجوع إلى الدولار؟
الرجوع إلى الدولار لا يحتاج إلى إعلان.. فالآن نعمل بالدولار سواء تراجع بنك السودان المركزي عن سياسته أم لا، فالعمل بالدولار هو السائد الآن.
٭ صُنِّف السودان بأنه من أوائل الدول على مستوى العالم جذبا للاستثمار.. ما هو رأيك في ذلك؟
لم أسمع عن تصنيف عالمى للسودان بأنه من أوائل الدول الإفريقية جذبا للاستثمار، فاعتقد أن هذا تصنيف محلي وداخلي، فنحن نجحنا فى استمالة الاستثمار المباشر من شرق آسيا من الصين فى قطاع البترول، لجهة أن الصين محتاجة للنفط لكونها أكبر مستهلك للطاقة فى العالم، ولم ننجح فى جذب الاستثمار لعدم الاستقرار السياسى لتوجيه الاستثمار، ثم أن السياسات الاستثمارية مرتجلة وغير ثابتة وليست لها أهداف واضحة، وذهبت إما لقطاعات البترول أو الخدمات، ولكنها لم تذهب إلى قطاعات إنتاج حقيقي مثل الزراعة والصناعة، فبالتالي لم يكن هنالك هدف واضح لتوظيف الاستثمارات القادمة، خاصة فى مجال محاربة الفقر ومكافحة البطالة، فلو كانت لدينا سياسات ثابتة فى مجال الاستثمار أو فى مجال الاقتصاد الكلى وصاحبها استقرار سياسي لاختلف الأمر تماما، فالاستثمار في الزراعة مجال واسع والعالم مقبل على أزمة غذائية حقيقية، والسودان حتماً لديه ميزة تنافسية، ولا توجد دولة أخرى تنافسه فى مجال الغذاء. وبدلا من توظيف هذه الاستثمارات فى قطاعها الحيوي فى معالجة القضايا المالية أو الاقتصادية، نجد أنفسنا نمر بمرحلة ما يسمى ب «فركشة الزراعة»، بالبعد عن الزراعة يتم بصورة شبه نهائية، حيث تم منح أراضٍ لدول وأراضٍ لأفراد وبكميات كبيرة جداً، وبعض الدول التى منحت هذه الاراضى تفكر فى تأمين نفسها من أزمة الغذاء العالمى، فى الوقت الذى اذا استثمرنا فيه فى الزراعة من البترول من عام 2000م بمعدل مليار كل عام، لتغيرت واجهة الخارطة الزراعية فى السودان، ولشكلت مورد دخل ثابت أفضل من البترول ألف مرة.
٭ لكن الدولة أطلقت النهضة الزراعية وصرفت عليها مبالغ ضخمة؟
الثورات الزراعية فى السودان كثيرة جداً منذ النظام الأول فى السودان، فالخطاب السياسى شيء والواقع شيء آخر والمعطى الاقتصادى شيء آخر، فقد تكون هنالك نفرة وصرف عليها لكن ليس بالكافي أو صرف عليها، لكن التوظيف لم يكن بالطريقة المُثلى، أو أنها لم تتم فى إطار الوصول لهدف معين، فمثلاً ما هو الهدف من الطفرة الزراعية؟ وما هو الهدف من النمو الزراعى؟ وما هو مقداره؟ وفى النهاية الهدف الأعلى ما هو؟ وكم حجم التوظيف المستهدف من النمو مثلا؟ فاذا استثمرت مليار دولار فكم حجم النمو المتوقع منه؟ وهذه أهداف يجب أن تكون مرسومة ومحققة ويحاسب عليها من ينفذها، لكن نحن نثور دون مساءلة، وليست هنالك أهداف، وتضيع القطاعات كلها.
٭ لكنَّ الهدف للنهضة مرسوم وموجود، وتوقعات انتاج الذرة معلومة واستراتيجياته موضوعة.. فواضح أن الخلل فى التنفيذ؟
هذه أهداف، والأهداف الكلية شيء آخر، ففى المدى الطويل ما هو الهدف وما هي الآليات المطلوبة؟ وكيف تتم منهجية المحاسبة؟ فإذا كانت لديك موارد وخطة وتنفيذ ولم تصل الى الهدف المبدئي، فكيف تتم المساءلة عن تبديد الموارد وسوء التنفيذ؟ وأنا دائما حينما أسمع كلمتي «نهضة وطفرة» أصاب بنوبة من الشك .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.