كثرت الندوات والسمنارات فأينما تتجه تجد اللافتات التي تدعو الى قيام ندوة او ورشة عمل عن مآلات الاستفتاء.. حراك محموم لم تشهده الساحة السودانية منذ أمد بعيد.. ولكن الموضوع في تقديري يستحق اكثر من ذلك.. سبعون يوماً يتحدد فيها مصير الوطن.. وحدة او انفصال، ويا سبحان الله.. هذا المقترح اللعين حق تقرير المصير تم طرحه عند التفاوض ووافق عليه وفد المؤتمر الوطني.. بقيادة الاستاذ علي عثمان، والسؤال: هل استشير الباقون؟ هل الرئيس عمر البشير كان على علم به كمقترح؟ وذكر ان المجلس الوطني قد عرضت عليه الاتفاقية.. ولكن للاطلاع فقط.. والموافقة والتوقيع.. وبصم المجلس الوطني ولم يشذ منه احد.. اذاً الانفصال كان يوم ذاك في 5002م بنيفاشا بضاحية كينيا فلماذا العويل.. والبكاء على الأطلال!! لم يشاور المؤتمر الوطني أهل الشمال.. وكذا الحركة الشعبية لم تشاور أهل الجنوب ثنائية اقصائية.. فالفأس وقع في الرأس منذ ذاك.. بل التنازل كان مريعاً.. حتى في المشروع الحضاري نفسه.. حين رفضت الحركة الشعبية حتى كتابة بسم الله الرحمن الرحيم على الدستور.. وحين قبل المؤتمر الوطني بنظامين للاقتصاد، اسلامي في الشمال وتقليدي ربوي في الجنوب.. ودورة المال واحدة.. يديرها البنك المركزي «بنك السودان» الذي اسس له فرعاً في الجنوب «أكلونا ربا لمن قلنا بس».. وقدم المؤتمر الوطني الجنوب كله للحركة في طبق من ذهب.. ثم مشاركة الحركة في الشمال بنائب اول لرئيس الجمهورية كأنه اتفاق مبطن بين الحركة والمؤتمر الوطني.. هذا له الشمال وهذا له الجنوب؟ كل ذلك من اجل السلطة والجاه، والكرسي... والنعيم الدائم.. في الدنيا الزائلة.. وصدق ابن خلدون الذي قال: ان شهوة السلطة اعتى من شهوة البطن والفرج.. ذلك ان الرجل لا يقتل اباه في امرأة او مال.. ولكن يقتله في السلطة.. وقد حدث ذلك والشواهد كثيرة من حولنا.. نعود لموضوع المقال: اهل الاقتصاد يختلفون حتى في الأرقام!! أقام بنك فيصل الاسلامي ندوة كبرى بقاعة الصداقة.. وصادف ان يكون ميقات الندوة في حمى الاستفتاء فكان عنوان الندوة «مآلات الاستفتاء وتداعياتها على السودان» المتحدثون الاستاذ عبد الرحيم حمدي الخبير الاقتصادي المعروف وعراب سياسة التحرير، والمتحدث الثاني الشيخ محمد المك الخبير الاقتصادي ووكيل وزارة المالية الاسبق، ثم الاستاذ بدر الدين محمود عباس نائب محافظ بنك السودان.. الحضور كان كثيفاً قيادات البنوك والجمارك والضرائب والمديرون السابقون لبنك السودان والبنوك التجارية ومديرو المؤسسات والشركات رموز احزاب سياسية وشخصيات وطنية.. امتلأت القاعة تماماً. تحدث الأستاذ عبد الرحيم حمدي عن محورين سياسي واجتماعي.. تاركاً الاقتصاد للشيخ المك.. المحور الاول السياسي: قال حمدي: اصبح الاستفتاء غاية للدول الكبرى، واصبح شعار الاستفتاء في موعده موازٍ لشعار الانفصال، واعلن رئيس الدولة رئيس المؤتمر الوطني التزامه بقبوله للاستفتاء بل اكثر من ذلك.. التزم باستمرار التنمية حتى بعد الانفصال وبحماية ممتلكات وامن المواطنين الجنوبيين في الشمال، وقال سيظلون يقيمون فيه بعد الانفصال.. فيما يبدو الرئيس يعالج تصريحات بعض الوزراء خاصة «حقنة د. كمال عبيد وأمثاله «وهذه من عندي»، حمدي يدعو الى قبول نتيجة الاستفتاء، الانفصال دون وضع اي شروط لذلك، ويقول: اي رفض لنتيجة الاستفتاء سيؤدي الى حالة صدام ساخن يطيح بكل ما تم اكتسابه في جانب السلام، وتدخل البلاد في حالة حرب، وسيتخذ المجتمع الدولي موقفاً عدائياً نشطاً الى جانب دولة الجنوب، وضد دولة الشمال، تضاف كعذر جديد لمقاطعة جديدة للسودان، وحجة لتطوير الحصار علينا، الى جانب العمل على مفاقمة مشكلة دارفور، فهل نحن في الشمال قادرون على مواجهة هذا التطور الخطير؟! يقول وينصح: ارجو ان لا نجد انفسنا متورطين في مثل هذا الوضع نتيجة لموقف خطابي غير مدروس العواقب «يا حمدي خوفتنا» حمدي يدعو الى حسن الجوار مع الدولة الجديدة.. ويقدم أربعة محاور رئيسية: 1- الحدود. 2- السكان. 3- التعامل والتبادل التجاري الاقتصادي. 4- الأمن. 1- الحدود: يقول: من مصلحة الشمال الذي يدعو لنظام مشروع حضاري الا تنشأ حدود تمنع اولاً الاشعاع الفكري والتمازج الطبيعي بين السكان في الدولتين والا ينشأ ستار حديدي «فكري، سياسي، اقتصادي» يمنع التمازج الذي يؤطر لوحدة طبيعية في التوجه وليس بالضرورة لوحدة سياسية، ولهذا فانني لا ارى منطقاً للتمسك بترسيم الحدود قبل الاستفتاء، الذي أدعو لقبوله على علاته وبالتالي قبول نتائجه بدون مماحكة، ويدعو للتحرك الفردي والجماعي عبر الحدود او بين مناطق الدولتين هو تحرك حر لا تحكمه قيود هجرية «بطاقة او باسبورت او اذونات» وان يسري هذا كله على حركة الطيران وحركة الطرق وحركة النقل النهري والسكة الحديد. 2- السكان: اذا قبلنا منح السكان حرية الحركة على كامل التراب السوداني سابقاً، فلا بد ان يكمل هذا بالنص على ان يتمتع السكان بحقوق اخرى كالحريات الاربع: أ/ حرية الاقامة، ب/ حرية التملك، ج/ حرية الحركة، د/ حرية العمل.. يقول فمن مصلحة الدولة الجديدة في الجنوب الا ينزح اليها فوراً وقبل اكتمال هياكله الاقتصادية وبنياتها التحتية وهو امر يحتاج الى سنوات.. مئات الآلاف القاطنين فسيحيلونها الى دولة اغاثة، وان مصلحة التمازج الحضاري والفكري والثقافي بين الدولتين ان يستمر العنصر الجنوبي في الشمال!! 3- التعامل الاقتصادي: يقول حمدي: عندما انهار الاتحاد السوفيتي، قام بدلاً منه وفي جزء منه «اتحاد الدول الروسية» اتحاد اقتصادي اساساً، لا تترتب أية التزامات سياسية على اعضائه تجاه الاتحاد، ولذا يدعو حمدي ان يسعى الطرفان بمبادرة من الطرف الاكبر الشمال لاقامة اتحاد اقتصادي يجري الترتيب له بعد اعلان الدولة الثانية وان يتم ذلك في الفترة الانتقالية ليكون تطوراً متصلاً بعلاقة دولتين والاتحاد المطلوب هو اتحاد اقتصادي. 4- الأمن: قال: اذا وضعت الافكار السابقة موضع التنفيذ، دعوة والتزاماً، فانها سوف تسهم اسهاماً محسوساً في تهدئة الاوضاع الامنية داخل الدولتين وتقلل الحاجة تدريجياً الى حشد قوات وتكديس اسلحة هدفها حراسة نظامي الدولتين او الدفاع عنهم من صدام قد يقع.. وعبر فترة تدريجية نأمل ان تقصر ولا تطول يمكن تسريع وتخفيض القوات لدى الطرفين والاستفادة بعائد السلام Peace dividend وتحول الاموال النهائية التي ترصد للقوات لدى الطرفين تدريجياً الى التنمية وتحسين احوال الناس. ختم ورقته بكلمة اخيرة قائلاً: هذه الافكار تبدو غريبة بعض الشيء على خلفية الجو المشحون، ولكني اقرر اني روجت لهذه الافكار في اوقات سابقة في مذكرة تناصح داخلية منذ عام 6002م «أفكار الاتحاد السوداني». الورقة ضافية.. حاوية.. وهذا ملخص لها نأمل الا يكون مخلاً.. الورقة الثانية: الآثار السياسية والاقتصادية والمالية بعد الاستفتاء الخاص بحق تقرير المصير لجنوب السودان: إعداد الاستاذ الشيخ المك، الخبير الاقتصادي، ووكيل وزارة المالية الاسبق. يبدأ الشيخ الملك بالآثار الايجابية، ويجملها في تحقيق رغبة ابناء وبنات الجنوب بقيام دولة مستقلة، ايقاف كل المبررات الخاصة باستمرار الحرب بين الشمال والجنوب. الآثار السالبة: يقول: بداية تقسيم السودان الى دويلات، والمشاكل الناجمة عن تقسيم الحدود: الآثار المالية: الفاقد الايرادي للخزينة من البترول 6 مليار دولار اميركي. والفاقد من الايرادات غير البترولية 7 مليار دولار اميركي. جملة الفاقد 7،6 مليار دولار اميركي. النسبة الاجمالية للفاقد من الايرادات القومية 33%. الوفرة من الانفاق العام لحكومة الجنوب=55،4 مليار دولار اميركي. المعالجات المقترحة: قال: زيادة الجهد الضريبي، رفع الرسوم الجمركية على بعض الواردات، وبدأت المالية في التطبيق، الاعتماد على وسائل فعالة للتمويل بالعجز، ترشيد الانفاق العام، والتي لم تقم وزارة المالية بأي اجراء نحوه، اللجوء لمصادر التمويل الخارجية. الآثار على ميزان المدفوعات: 1- فاقد صادرات البترول 59 مليار دولار اميركي. 2- نصيب الشركات العاملة في مجال النفط 9،2 مليار دولار اميركي.= 03%. 3- صافي الدخل لميزان المدفوعات 6،6 مليار دولار اميركي. 4- نقل البترول عبر خطوط النقل الشمالي بواقع 4 دولار للبرميل يكون العائد لحكومة الشمال 046 مليار دولار اميركي. في العام يقلل من النقص في ميزان المدفوعات من 6،6 مليار دولار اميركي الى 6 مليار دولار. ثم تحدث عن زيادة العجز في ميزان المدفوعات، انخفاض رصيد البلاد من النقد الاجنبي، انخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل اسعار صرف العملات الاجنبية وقد يصل الدولار الى 6 جنيه. عدم توفير النقد الاجنبي لمقابلة الاستيراد، سداد فاتورة تحويل ارباح شركات الاتصالات، ثم الديون البالغ قدرها 53 مليار دولار منها 31 مليار اصل دين هالك يقترح تقسيم اعباء الدين حسب تعداد السكان في كل من الجنوب والشمال. يختم بنداء ان يكون الانفصال سلسلاً، ويكون بالتدرج مع الاعتراف الفوري لحكومة الشمال بحكومة الجنوب وتقديم يد العون لها وايقاف التصريحات الداعية للحرب خاصة من منسوبي المؤتمر الوطني لتفادي ويلات الحرب، والسماح لحكومة الجنوب بتصدير النفط عبر خطوط النقل والموانئ الموجودة في الشمال. نختم بتعقيب السيد بدر الدين محمود عباس، متحدثاً نيابة عن محافظ بنك السودان، وبصفته نائباً له اولا: رد على حمدي بقوله فيما طرح من رؤى وافكار واصفاً اياها ب «الانبراشة» وتحدث عن جاهزيتهم من الناحية الاقتصادية، واذا كان الاخوة بجنوب السودان حريصون على قيام دولة فإنهم سيحتاجون لنا.. ولهم ما يريدون، ثم رد على الشيخ المك قائلاً: ان هذه الارقام خطأ، وكل ما قاله الشيخ المك معلومات خاطئة.. قائلاً: ان هذه الارقام ترهب الناس.. وكيف يتحدث عن ندرة وارتفاع الدولار مقابل الجنيه وشكك في كل ما قاله الشيخ المك.. صفق له بعض الحضور.. ولكن وزير المالية في تصريحاته الاخيرة كأنه أقر ما قاله الشيخ المك.. حيث دعا الى التقشف وأكل الكسرة.. والذي سنفرد له المقال القادم بإذن الله «كسرة قال».. وربنا يستر